الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهاجس الفلسفي في قصيدة - أعترف بكامل تلفي- للناقد والشاعر حيدر الأديب

غانم عمران المعموري

2022 / 5 / 26
الادب والفن


مغامرٌ تخييلي اتخذ من الفلسفةِ سبيلاً لانتقاء المفردات المجردة والحاقها بجملٍ شعريّة دالةٍ بأسلوبٍ لغويٍّ وبتقنيةِ الإثارة والصدم وتنامي الخيال الخصب وتجاوز الثبات والركود والسير نحو حركة الحداثة للتحرر من القوالب التقليدية الجاهزة والأطر الضيقة والانطلاق إلى فضاءاتٍ رحبةٍ تستوعب كافة التحولات الاجتماعية والفكرية والسياسية من خلال فلسفته الشخصية وادراكاته الحسيّة ومرجعياته الثقافية ورؤاه التي تأتي بفعل الطاقة الحدسية الكامنة في داخله وبفرشةِ فنان يرسم لنا عنونة شعريّة بمنولوجٍ داخليٍّ يحمل في طياته بعداً نفسيّاً يكشف عن تأزم الذات الشاعرة وما يعتريها من صراع داخلي فهو ( يحتل موقع البؤرة كمفتاح للنصوص وموحيّاً لها, يعبر فيه عن ذاكرة وفيوضات الأمكنة تكاد أنامله تحرك الهاجس السردي بجمالية شعرية ... )1.

خطاب الأنا في " أعترف بكامل تلفي" بانزياحٍ لغويٍّ شعريٍّ .. تُمثّل العنونة الوهج البصري الأول الّذي

يستثير مُخيّلة القارئ ويوقظ شعوره من السبات إلى الحيّوية المفعمة بالتفكير والتأويل والتحليل ليّكون انطباعه الأولي على ما يُّمكن أن ترد عليه تفاصيل القصيدة وما تتضمنه من دلالاتٍ ومعانٍ وكنمطٍ ابداعي يعكس الحالة الشعورية كما أنه المعري لمساحته المغمورة ..
ابتدأ قصيدته بلا الناهية التي تجزم الفعل المضارع ( لا أقترح اصغاء, لا أريد توريط الوقت بالكلام) وبتقنية السرّد في تعابيرِه الّتي تشّد القارئ منذ الوهلة الأولى عن طريق الصدمةِ والإثارةِ والمشهد الحرَكيّ في تتابع الأحداث وتوشجها ضمن علاقة ترابطية نابعة من وجدان مفعم بالأحاسيس .. يكمن التلاعب بالألفاظ والاستعارة والتشبيه في تلك القصيدة بالجمل الفنيّة ( لا أقترح اصغاء, لا أريد توريط الوقت, منبهات الأسئلة, أضبط ظلالي, نسيت الذبول على أصابعي, أغسلها بالقصائد, أترك للندم لباقته, أقاطعه بالسقطات, فضيحة النقص, أصابعي حزمة مجانين, تنتبه الأوقات, قصائدي مجهدة, شهد كلماتي, لم يكتبها الوقت بعد ..) .. الانزياح الّذي لجأ إليه النّاص في صياغة وبلوّرة مفرداته المنتقاة وفق خياله وتجربته العميقة ومعرفته بالأجناس الأدبية أعطى للجملة الشعريّة

وصورها إيقاعاً موسيقيّاً متجانساً .. يُعدُّ الانزياح خروج النّاص عن المعتاد والتمرد على المألوف من القول العادي والابتعاد عن الخطاب المباشر والتخلي عن المعنى المجرد للمفردة عن طريق التلاعب بالألفاظ بالتقديم والتأخير أو الحذف ضمن دائرة وأطار اللغة وجمالياتها بأسلوب بلاغي دلاليّ كالتّشبيه أو المجاز أو تركيبيٍّ مرتبطٍ بتركيبِ المفردات والجمل حيث أن المفردة لا تدل على شيء قبل الحاقها في سياق جملة مفيدة ..
الانزياح الّذي اتخذه الأديب هو ( اختراق مثالية اللغة ولتجرؤ عليها في الأداء الابداعي, بحيث لا يفضي هذا الاختراق إلى انتهاك الصياغة التي عليها النسق المألوف والمثالي أو العدول, فمستوى اللغة الصوتي والدلالي عما عليه هذا النسق )2.
وتكون اللغة الشعرية لغة مجازية ناتجة عن تشابك الدلالات وتعالقها لتوليد دلالات جديدة في بنيتها وتركيبها عن طريق الانتقال من اللغة بوظيفتها العادية إلى الوظيفة الشعرية ..
تكشف تجربة النّاص في تلك القصيدة عن مخاض حقيقي للذات الشاعرة والتي تمثل الفكر والأحاسيس من خلال حوارها مع كل ما يحيط بها من مؤثرات

خارجية وداخليه وبذلك تكون الذات هي المنبع الرئيسي الذي تدور حوله الجمل الشعريّة وكل ما يتشظى من صورٍ شعريةٍ يكون أساسها الذات المنفردة ويدور حولها فضاء الجمل وبنيتها الشعرية .. كما يتخلل الصور الشعرية جمل فلسفية تفتح باب التأويلات المتعددة مما يحقق الثراء في النص الشعري ويخرجه من الإطار التقليدي إلى إطار فلسفي تجريبي يعتمد تيار الوعي كما في (... الندم لا يصلح للخسارة لأنها بريد خاطئ(
هيمنت الأنا الحالمة المتأملة على سياق الجمل الشعرية وبنيتها الفنية فكانت القصيدة كالنبع الصافي الذي يتدفق من تحت الصخور البيضاء . . تنبض بالحب وصدق المشاعر ورقة العبارات ( عن طريق درايته بالفنون البصرية الحسية مما يجعل نصوصه تلامس ملامح التشكيل المتخيل الذي يجعله في مضمار تفاعليّ واقعي مع المجتمع الذي يعيش فيه لذلك جاء النسق الداخلي مبنياً على أساس جمالي يعتمد الوهج البصري والفكرة التأملية ...) 3.
فالشعر كل الشعر
في تبادل القبلة التي
لم يكتبها

الوقت بعد
امتازت قدرة النّاص الابداعية من خلال النسج والربط بين المحسوسات والمجردات بأسلوب فلسفي تجريبي وبإيقاعٍ موسيقيٍّ داخليٍّ ..

أعترف بكامل تلفي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أقترح اصغاء
فقد نسيت مواقيت هزائمي
لا أريد توريط الوقت بالكلام
فتتكاثر عليك منبهات الأسئلة
دعيني أضبط ظلالي الى مختصرات تعجبك
من المؤكد وفي حدائق سابقة
ربحت كثيرا من الورد
لكني نسيت الذبول على أصابعي
و بالطبع
كنت أغسلها بالقصائد المرحة بالملح
وعوض أن أترك للندم لباقته
كنت أقاطعه بالسقطات واسميها الحب
)على فكرة لا سبيل الى سواها
الندم لا يصلح للخسارة لأنها بريد خاطئ(

كان حتما على قلبي ان يخطئ
حتى يهديك فضيحة النقص اليك
أصابعي حزمة مجانين
ينطلقون مع ليلك المنسدل
على جغرافيا الله

كل على شاكلته يهتف
احبك
ولا بأس أن أذكّرك
إننا كلما التقينا
تنتبه الأوقات الى سرعتها
لذلك ستبدو قصائدي
مجهدة
وشهد كلماتي منقوص وبشدة
فالشعر كل الشعر
في تبادل القبلة التي
لم يكتبها
الوقت بعد
ـــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الأديب
2022/5/13


المصادر
1-طالب عمران المعموري: الهاجس السردي في قصيدة النثر, اصدار الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق – بغداد, ط1, ص 135.
2-عباس رشيد: الانزياح في الخطاب النقدي والبلاغي عند العرب, دار الشؤون الثقافية العامة, العراق – بغداد, ط1, 2009:ص15.
3-غانم عمران المعوري: الذات والوجدان في القصيدة, شعراء بابل انموذجاً, اصدار الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق – بغداد, ط1








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص