الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفول عقول..

حسام علي

2022 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يعيش مجتمع ما أوضاعاً اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مزرية، أوضاعاً تأتت على غفلة منه بطبيعة الحال، فتراه، مجتمع قد فَقَدَ القدرة على الاختيار والتصميم والارتقاء الى مقامات تدل على الابداع والاستيعاب، فهو في هكذا حال، مجتمع غير مؤهل لأن يتناول أو يتداول أفكاراً ممكن أن تعينه وتسعفه في مواجهة أسباب التخلف وانحدار المستويات في وعيه التي عايشها وتآلف معها، ما جعل الإستحالة أمراً مسلماً به في إمكانية استعادة حريته التي فطر عليها.
لهذا، دائماً ما تلجأ الحكومات الفاسدة، إلى استغفال الشعب الفاقد لتلك القدرات والإمكانيات، واستثماره في مواجهات او نزاعات من شأنها أن توقع به في مزالق ومهاوٍ لا يمكن أن تفسح المجال له للتفكر أو للتشكيك من جهة، أو للتمعن في وضعه المزري ومحاولة الاصلاح والنهوض من جديد من جهة أخرى. فقد بات انساناً يعيش الانكماش العقلاني في تفكيره مع سيادة التفكير اللاعقلاني الذي طالما يترتب على ذلك انعدام غالبية القيم الانسانية التي تميزه كإنسان أو تتميز بها المجتمعات بأنها متطورة.
والحكومات الفاسدة تعمل على الدوام على تسيير هكذا مجتمع وفق أهوائها، من خلال إرساء قواعد وأسس وسن قوانين، تضعف وتضرب ببنودها، غالب البنى التحتية للمجتمع، التعليمية والتربوية الإرشادية على وجه الخصوص، همها في ذلك هو تشويه الحقائق أو تضليلها، بعد أن تأخذ على عاتقها كامل مسؤولية توجيه الرأي العام والسيطرة على كل ما يصل إلى الجماهير، من خلال الاعتماد على وسائل إعلامها في بث أخبار ملفقة كاذبة أو غير صريحة أو غير دقيقة، الغرض من ذلك، هو إبرام ما يشبه عقد اجتماعي غير متكافئ بصورة غير مباشرة مع شرائح المجتمع، بغية ضمان إذعان الشرائح وخضوعها لها، ومن ثم التأثير العاطفي عليها إزاء كل ما يصدر عنها أو عن ذيولها التابعة، بغية تحشيد التأييد الشعبي دوماً، اللازم للحكومة الفاسدة إزاء قضية معينة أو حدث ملفق معين.
أيضاً ومن سبل الحكومات الفاسدة في استثمار الشعوب واستغلالها، هو القيام باستحداث أحداث تزعم الحكومة بأنها خطيرة من الواجب القضاء عليها. فتكون شرائح كثيرة من المجتمع، الشرائح المخدوعة ذات السذاجة المفرطة، بمثابة المساند الأساس لحكوماتها دوماً، دون رجعة، والتي تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة العدو الذي صوّرته الحكومات الفاسدة من أجل التصدي لمخططاته، على أمل نيل أبناء الشعب شرف الذود عن الوطن. وهكذا يعيش المجتمع دوامات المسميات الوهمية التي لا تندرج إلا في قواميس هؤلاء البسطاء السذج، كالتضحية والدفاع والاستبسال وشرف الامة وتراب الوطن وغيرها، فيكون في ذات الوقت فريسة جاهزة، يكافأ نتيجة هذا الاستغفال وتحقيق غايات الحكومات الفاسدة بخطابات وتصريحات تحث أكثر على تقديم المزيد ثم المزيد في المستقبل، لصد أية محاولة أخرى للأعداء تعقبها هتافات دون تأخير: بالروح بالدم نفديك يا فلان.
بكل تأكيد، تتمتع مثل هكذا حكومات فاسدة بقدرات تنظيمية وكفاءات إدارية تكون اغلب الأحيان مدعومة دعماً خاصاً، لتصبح قادرة بعد ذلك على ربط مصير المجتمع الساذج بالاحداث الوهمية وجعله يسعى، هذا المجتمع، الى مواصلة استهداف الحدث أو المؤامرة أو العدو والعمل بكل ما أوتي من أيمان لإسقاطه، لكنه في الواقع أن العدو لن يسقط، فلو سقط لسقطت الحجة التي بنى عليها الفاسدون أسباب سيطرتهم وتسلطهم وسلبهم ونهبهم وتهميشهم للمجتمع في أغلب أركانه.
بل تعمل الحكومات الفاسدة على شرعنة دورها في محاربة الاهداف الوهمية التي وضعت بعض من بؤرها داخل المجتمع بمعونات خارجية، معونات متأتية من العدو الحقيقي للمجتمع. ما يعني أن الحكومات الفاسدة، ما هي إلا أدوات ملوثة مرتبطة ارتباطات وثيقة بأعداء الشعب، جاءت وتسلطنت لتنفيذ اجندات استعمارية كارثية، لأجل إسقاط ثقافة وحضارة الشعب وتهميش دوره من خلال بذل جهود حثيثة من شأنها أن تخلف ندوباً عميقاً في طبقات وعيه.
وفي العالم العربي تحديداً، نجد هناك حكومات أو حركات سياسية في بعض بلدانه، استغلت مشاعر الشعب تجاه قضية قومية، فاتخذتها الحكومة كوسيلة لتأجيج المشاعر وتوظيفها باستمرار لأغراض شخصية في كسب مطامع مالية وسلطوية من خلال الإبقاء على حالة الهيجان الجماهيري إزاء قضيتهم، ومع إبقاء رموز تلك الحركات في مناصبها، لنيل الملذات وتلبية الشهوات وإشباع الغرائز، بينما السذج والبسطاء ممن انطلت عليهم القصص والروايات، لا يزالون يعيشون حالات تردي الاوضاع المعيشية بأدنى ما يمكن تصوره من مستويات.
عليه، فأن ضعف الوعي وغياب دور التعليم على وجه التحديد وإبراز أهميته، يكون العامل الاساس بالاضافة الى عوامل أخرى متعددة في إضعاف دور المجتمع العقلاني، وهو بذات الوقت يعتبر ديدن الحكومات الفاسدة في تكريس وتأكيد ممارسة دور المظلومية تجاه الشعوب مع الإصرار في ممارسة لعبة دور الحكومات "الضحية" التي ما فتئت تناضل وتقاوم وتضحي وتواجه وتبذل الغالي والنفيس من أجل نهضة المجتمع ونصرة القضية !!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات