الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنغني اغنية عن الجنس 1967(ناغيسا أوشيما):469

بلال سمير الصدّر

2022 / 5 / 26
الادب والفن


يبدأ الفيلم من النقطة...النقطة التي تنزل على خلفية حمراء...الواضح أنها نقطة دم...تنزل نقاط اخرى لتتمدد النقطة التي بدأت تأخذ شكل الدائرة الحمراء في وسط العلم الياباني...فجاة تشتعل النقطة التي شبهناها في الأعلى بنقطة الدم.
هذه المقدمة التشكيلية هي خير عبور لفيلم ناغيسا اوشيما الموصوم اعلاه(لنغني أغنية عن الجنس)،على ان لهذه النقطة كنايات عديدة،إلا انها تحمل الثنائية الغائية التي يدور من حولها الفيلم:
فالنقطة،هي كناية عن الجوع الجنسي الذي يتحمله الجيل وليس أي جيل،بل جيل شباب الستينات في اليابان،عن الحالة المكثفة للواقع البائس الذي يحيط بهذا الجيل مع العودة الى نقطة سياسية اشكالية سابقة في التاريخ الياباني...هذه النقطة هي التي تضفي على الفيلم الازدواجية المطلقة،من حيث دمج الهم الفردي شديد الكثافة بالواقع السياسي المتخبط لتلك الحقبة في تاريخ اليابان...
هل هذا من النوع المألوف في سينما ناغيسا أوشيما تحديدا...؟
في الحقيقة-ومن خلال كتاباتنا السابقة عن ناغيسا اوشيما-نرى ان الأفلام الكبرى وهي المحسوبة بقوة لهذا المخرج،كانت مغرقة في الهم الفردي وخاصة الاشكالية الجنسية التي تتعلق بالمجتمع ومن خلال مواجهة الجنس نفسه،طبعا من خلال أشهر افلامه واكثرها فضائحية...امبراطورية الحواس
ويتابع اوشيما من خلال فيلم امبراطورية المشاعر،إلا ان اوشيما يبرز ايضا الهم الاحتماعي من خلال نقطة غودارية مختلفة في التشكيل،مثل فيلم (الاعدام شنقا)،او فيلم الرجل الذي وضع وصيته في فيلم،ولكن عندما نتحدث عن دمج الواقع بالفردي المطلق بحيث يعكس كلاهما الآخر،بحيث يقدم الاجتماعي السياسي الفردي وكأنه ستارة يختفي من خلفها الهم الفردي المطلق،ويصح ايضا ان نقول أن الثاني يعكس الأول وبنفس الطريقة تماما،ويبقى فيلم الطقوس أو الشعائر هو الذي قدم هذه البنية في غاية الوضوح،وهو الفيلم الذي اعتبرناه ذات مرة أفضل أفلامه...
شباب في الجامعة(ادي-ناكومورا-أويو)،يدخنون بشراهة وبشيء من الاندفاع والحمق،والهم الجنسي الذي يحدق بهم يعمي كل انظارهم عن الواقع،ويسيطر سيطرة تامة عليهم،كانهم كينونة متعلقة بالرغبة،سيطرة أطبقت عليهم عمى تام عن ثورة شبابية واقعية خارجية مثل الاعتارض على حرب فيتنام،أي هذا الاعتراض الشكلي الذي يأخذ صورة الاحتجاج في الجامعات من خلال جمع الأصوات،أي ليس من المبكر القول أن الفيلم هو عن الثورة الداخلية والخارجية التي أحاطت بجيل الستينات.
على ان هذا الدمج السينمائي ليس سهلا على الاطلاق...لم يقدم بتلك الصورة التقليدية التي من الممكن ان يقدمها أي مخرج.
فالفيلم هو ثورة بحد ذاته على الواقع الذي يتداخل معه بالتأكيد الواقع السينمائي من حيث السرد التقليدي والحكايات المتوقعة السهلة،فاللمسة الغودارية واضحة-ونحن نصر على هذا التشبيه وهذا الربط بين سينما غودار وسينما اوشيما-والسرد غير التقليدي من حيث دمج الواقع السياسي بالواقع الفردي أو الهموم الفردية الضيقة بحيث بالكاد أن نلتمس الفروقات،والحدود بينهما جعلت من الفيلم من افضل أفلام أوشيما،والفيلم لايخضع لأي منطق سردي متبع أو مألوف،هذا ان خرجنا من النظرة العامة التامة للفيلم،والأمر المؤكد يقينا أن كل هذه الخلفيات-سواء كانت فردية او ذات صلة بالواقع،لاتنفي بأنها كلها خلفيات جيدة عن قصة سوداوية غاية في التشاؤمية...
مع خلفيات لأعلانات تجارية وسينمائية عن أفلام وموضوعات جنسية أو ذات علاقة بالجنس،يظهر من خلف هذه الاشكاليات الفردية مسيرات احتجاجية عن الغاء يوم التأسيس الوطني...
ما هو عيد التأسيس الوطني لليابان...؟
عيد التأسيس الوطني-بحد ذاته-ذو علاقة بالحقبة الماضية لليابان حتى التاريخ السحيق،ففي الحادي عشر من شباط يحتفل بهذا اليوم بذكرى تأسيس دولة اليابان ببداية سلالة الاباطرة بدءا من أول امبراطور اسطوري،جينو تينو.
وباعتبار صلة هذا اليوم بفكرة الامبراطور،تم الغاء هذا اليوم بعد الحرب العالمية الثانية،ثم تم اعادة هذا اليوم كعيد وطني عام 1966،وعلينا أن نلاحظ بدقة أن سنة انتاج الفيلم هي عام 1967،وفكرة العودة الى الامبراطورية التي تمثل بشكل ما عودة (الديكتاتورية)،هي شيء في صميم ثورة الشباب التي اجتاحت اوروبا في الستينات ومنها انتقلت الى اليابان.
في احد الأمسيات مع الاستاذ سيسي،احدى الطالبات تريد ان تقرأ لهنري ميلر بالذات ثلاثة الصلب الوردي،وتتحدث عن وصفه الشديد للاشياء...ماهي الأشياء التي تحدث عنها الباصق في وجه الأدب...؟
انه الجنس بابشع صورة،وبأنقى صوره الواقعية...انه الجنس من أجل الجنس نفسه
ولكن،هل قراءة هنري ميلر بحد ذاته،تعتبر ثيمة لنهضة من نوع معين،أو ثورة بالمعنى الحرفي للكلمة؟
هنري ميلر ليس مفتاحا أبدا لزمن الستينات،ولكن ربما تاخذه هذه الفتاة مرجعا (حرفيا) من باب الانفتاح،أو تقليد الغرب،ولكن خلط الجنسي بالسياسي بات واضحا،والخلط هو اكثر تعقيدا مما نعتقد أو نتصور...؟!
على أنه،تبقى قراءة هنري ميلر في بلد مثل اليابان تدخل ضمن واقع محتج...جتى لو كانت صفة احتجاجية لغايات التقليد أو التقليد الأعمى ليس إلا...الاستاذ سيسي يغني أغنية عن الجنس:
لنبدأ بالحالة الأولى،نفعلها مع الابنة الوحيدة...
اطلب الاذن من والديها أولا
ثم للحالة الثانية:افعلها مع شقيقتان...ابدأ بالكبيرة أولا...ثم للحالة الثالثة..افعلها مع فتاة قبيحة...اخف وجهها بقطعة قماش...ثم للحالة الرابعة...افعلها بالطابق العلوي،بهدوء لكي لايسمعكم أحد
لازال سيسي يتابع الغناء وهو في نشوة السكر:
أغاني بذيئة...أغاني اباحية...اغاني الجنس هي الأصوات المكبوتة للشعب..عمل شعوب مضطهدة...حياتهم
متى ادركو الناس هذه الأشياء،بلا شعور يبدأون بالغناء للتعبير عما في داخلهم،هذا السبب أن الاغاني البذيئة تمثل تاريخ الناس،يبقى لاحاجة للصغار ان يستمعو اليها،اشعر بالشفقة اتجاهم،لايعرفون كيف يشعرون باي شيء بشكل كامل.
لاسياسة،لا اضطهاد،هم حتى لايشعرون بانهم مضطهدين،لذلك،لايوجد خيار سوى ان تغني لهم هكذا...
ثم يذكر عرضيا هذه القصة:
من الواضح-حسب التعبير اعلاه-أن اغاني الجنس أو الأغاني البذيئة هي كبت عن بؤس الواقع،بؤس الواقع الياباني وتحطم الآمال..هذا الكبت الجنسي الذي يستغرق هؤلاء الشباب ليس إلا انعكاسا (طبيعيا)عن بؤس الواقع الذي يعيشونه.
سينسي يقدم مرثية السكر اللاواعية..مرثية الشعب الياباني بأكمله،والموضوع لم يعد خلط بل هو اندماج تعبيري من الواقع الفردي وهم اجتماعي محيط.
يقتبس سينسي من احد الكتب( اقتباس مجهول):
فقط عندما نحتضن مشاعر الكراهية يمكنك حقا الشعور بوجودك الانساني
وبعد هذه المغناة،لنستمع الى هذه الاغنية التي تغنيها أحداهن(التلميذات):
هل انت قادم ام ذاهب الى المنزل...؟أرجوك قرر الآن
إذا كنت ستبقى أخلع نعليك وتفضل بالدخول
الورق غالي الثمن هذه الأيام ياسيد...رئيسي يشاهدنا ...اعطيني بقشيش خمسون ين ثم سأمسك بك واعطيك المزيد من الوقت وابقى معك حتى صياح الديك؟
ماهو الرابط بين المغنيتين...وبماذا يرتبطان بالواقع الياباني؟
المغناة الأولى هي عن التكرار....عن تكرار جماع سطحي عرضي وفاجر وهذا التكرار هو المحرك،لأن نخوض في تكرار من هذا النوع خير لك من مجابهة الواقع،أو التصدي للواقع لذلك سيجابه الطلاب-ومنهم إيكانووا-بهذه المغناة كل المغنيات الوطية ويقاطعها،لأن الهروب من الواقع وتحقيق الرغبة الجنسية هو اسهل من مجابهة واقع خاضع للاستسلام...
ثم أن المغناة الثانية هي عن بؤس الواقع....عن واقع الاستسلام...لأنها ببساطة مغناة عن عاهرة
يتوفى سيسي خنقا بالغاز...يقول احد المحتجين:
ماخطبك،لقد مات في يوم التأسيس الوطني،للاحتجاج على هذه العطلة الرجعية
احد الطلاب (ايكانامورا)،يعتقد بأنه متورط فعليا بقتله،لنه كان قادرا على ايقاف تدفق الغاز ولكنه لم يفعل
ماهي احتفالية اليابان الفعلية:
من خلف تابوت سيسي يحاول اغتصاب زوجته،ويغني تلك المغناة الطويلة عن الجنس ويتم الفعل..
يتمدد الاثنان في ذهول شديد،ومن خلفهما تابوت سيسي بشكل بارز في اللقطة،وكأنها راحة من رعشة الجماع والموسيقى الفيلمية..متوترة تماما
المشهد قد يقاس على خيانة الآمال الوطنية العظيمة ....خيانة الفكرة التجريدية المحتجة...خيانة واقع من نوع معين وليس كل الواقع،ولكن ناغيسا أوشيما وكأنه يقول بأن الحل الأمثل للهروب من كبت الواقع هو الخوض في الجنس أكثر وأكثر.
يعترف الطلاب بحلم الاغتصاب للطالبة رقم 469...المشهد الذي نفذ بطلاقة...ببراعة تامة من شخص ثوري يدعى ناغيسا أوشيما.
الطالبة رقم 469 تطلب منهم تحقيق المشهد فعليا.
هم يغنون تلك الأغنية ويحاولون تكرار فعل الاغتصاب الذي كان ذات مرة متخيلانولكنه مقبول هذه المرة من قبل الفتاة (اليابان)،بينما المعلمة تسرد التاريخ الياباني منذ بداية التاريخ...تقول المعلمة خذوني بدلا عنها
انتظري تقول 469
أنا التي قامو بتخيل اغتصابها لاتدعي شيئا آخر،أروني ان كنتم حقا تستطيعون فعلها...إذا أكملو الاغتصاب بحيث يودي الى القتل...هذا هو الواقع
آخر جملة نطقتها البطلة في الفيلم...
ولكن...من الذي قتل أوتاكو سينسي...؟
من الذي غدر بالأحلام الثورية الطليعية...
وفعليا...من الذي اغتصب 469...من الذي اغتصب اليابان التي قدمت نفسها كضحية لكل من يرغب بذلك ومن ابنائها بالذات...؟!

10/12/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته