الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب منقسم حيال مآل الحرب في أوكرانيا

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


سيلفي كوفمان، كاتب عمود لصحيفة لوموند وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين

قبل ثلاثة أيام فقط من إطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، خلال اجتماع عُقد على الملأ لمجلس الأمن الروسي في الكرملين، خاطب الرئيس الأسبق ديمتري ميدفيديف رئيسه الحالي فلاديمير بوتين نافيًا وجود ما يستدعي القلق من رد الفعل الغربي.

"نحن نعلم ما سيحدث،" هكذا قال. ستكون هناك ضغوط وعقوبات. "لكن بعد فترة، سيبدأ التوتر في الانحصار. إن عاجلًا أو آجلًا، سينال منهم التعب وسيطلبون منا بأنفسهم أن نستأنف النقاشات والمحادثات بشأن كل المسائل المتعلقة بضمان الأمن الاستراتيجي. هذه هي الحقيقة، روسيا أكبر وأعظم وأهم كثيرًا من أوكرانيا لأصدقائنا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي."

إلى حد اللحظة برهنت الأحداث على خطأ ميدفيديف. وبكل المقاييس قد فوجئت موسكو من قوة ووحدة الغرب في وقفته مع أوكرانيا. لكن القادة الغربيون، مع دخول الحرب الروسية شهرها الرابع، باتوا يتساءلون الآن فيما بينهم عن مآلات هذا النزاع، مدركين في الوقت نفسه أنهم قد ألقوا بثقلهم خلف المقاتلون الأوكران الشجعان من دون الاتفاق على نهاية للعبة.

مع بداية الحرب كانت الغاية مساعدة أوكرانيا لصد عدوان غير مبرر إطلاقًا من أحد أكبر الجيوش في العالم. ثم حدث أمر غير متوقع: ذلك الجيش الجرار، بسبب قادة غير أكفاء ومقاومة شرسة، قد اضطر إلى التقهقر لمناطق أكثر قرباً من ثكناته قرب حدود بلاده. حينئذٍ ولدت الفكرة وفرضت نفسها فجأة وبقوة على الجميع: أوكرانيا قد تربح هذه الحرب فعلًا إذا مدها الغرب بالأسلحة الثقيلة.

بيد أن هذا السيناريو يطرح عديد علامات الاستفهام أمام داعمي أوكرانيا. ماذا يعني "النصر"؟ هل هو مجرد طرد الروس عودة إلى حيث بدأوا الحرب في 24 فبراير؟ أم يعني استعادة الأراضي التي احتلوها منذ 2014، بالتحديد شبه جزيرة القرم ومنطقتي الدونباس؟

وإذا ما قررت القيادة الأوكرانية أنه يتعين على قواتها المسلحة شن هجومًا مضادًا لاستعادة كل أراضيها، فهل سيواصل الغرب عندئذٍ تقديم مساعداته؟ ومن أين ستنطلق البادرة الأولى لرفع العقوبات؟ وإذا كان النصر لأوكرانيا يعني الهزيمة لروسيا، فإلى أي حد يجب أن تكون الهزيمة ساحقة؟ وإذا كان النزاع في حقيقته بين نظامين عالميين مختلفين، أحدهما مبني على القواعد والآخر على مناطق النفوذ، فكيف ستكون صيغة التسوية؟

في مواجهة هذه العودة الوحشية للمسألة الروسية لبؤرة الاهتمام العالمي، يحتاج الغرب خطة ولا يبدو أنها لديه حتى الآن. هنا تصدر المشهد مدرستان فكريتان. تقول المدرسة الأولى إن روسيا يجب أن تُعاقب على عدوانها بطريقة تمنعها من العودة مجددًا لهذا النهج. لو كان رد فعلنا أكثر حزمًا حين اجتاح بوتين جورجيا في 2008 واحتل شبه جزيرة القرم في 2014، كما تمضي الحجة، لكان ارتدع عن مهاجمة أوكرانيا في 2022. لذا ينبغي "إضعاف" روسيا الآن عبر الوسائل العسكرية، كما صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 25 أبريل، ليدشن منعطفًا جديدًا لأهداف واشنطن، التي تبقى غير واضحة.

المدرسة الثانية تريد أيضاً لأوكرانيا أن تربح الحرب وتؤكد على أن الأمر عائد للأوكرانيين لتقرير حجم وطبيعة الأراضي التي يريدون القتال من أجلها، لكنها في الوقت نفسه تنظر بنظرة مختلفة للمستقبل مع روسيا. فحتى لو مهزومة، ستظل روسيا، القوة النووية، هي الدولة الأكبر في القارة، وسيتعين إشراك موسكو في أي نظام أمني جديد يُبنى في أوروبا. في 9 مايو استخدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ستراسبورغ كلمة مغمسة بعظة التاريخ لإبراز هذه النقطة، حين قال إن روسيا لا يجب أن "تُذّل".

هذا الجدل البالغ الحساسية يعيد فتح جروح عميقة قد خلفها القرن العشرون في الجسد الأوروبي- تلك الناجمة عن الحرب العالمية الأولي ومعاهدة فرساي التالية لها، التي أدت إلى ظهور ألمانيا النازية ثم بعد 20 سنة لاحقة إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن الجروح التي خلفها الاحتلال السوفيتي لوسط وشرق أوروبا. لكن إذا نحينا جانبًا الصخب المتبادل ما بين "المطبطبين" و"المستأسدين"، سنجد أن الجدل الراهن يضع بشكل كاشف قادة أوروبا الغربية في مواجهة نظرائهم من الدول الأوروبية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي في السابق.

لقد كشفت الحرب الروسية في أوكرانيا عن ديناميكية بين-أوروبية جديدة بالكامل، حيث تصبح ألمانيا وفرنسا وإيطاليا هي الدول الأكثر تضررًا من الوضع الجديد الذي ينسف نموذج العلاقة القائم مع روسيا عقب الحرب الباردة والمبني على التجارة والطاقة أو، في حالة ماكرون، على حلم خلق بنية أمنية أوروبية مستقبلية.

في المقابل، تشعر بولندا ودول البلطيق أن مشاعرها الدفينة بعدم الثقة تجاه روسيا قد تأكدت وتستقوي بفرص انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو. والآن تنظر بولندا في تأسيس شراكة مع أوكرانيا في أوروبا مستقبلية قد تكون على نفس الدرجة من القوة والتأثير على طريقتها مثلما كانت الشراكة الفرنسية الألمانية في أوروبا القديمة.

وفيما يتعلق بروسيا، فهي ليست بحاجة للغرب لكي يُذلها بعدما تكفل بوتين نفسه بهذه المهمة وأنجزها على أفضل وجه.
____________________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.ft.com/content/273b6df2-e4ba-4a70-955e-9f212978dcbe








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة