الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر حضارة العراق القديم في الحضارات الأخرى

فلاح أمين الرهيمي

2022 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


إن أعظم إنجاز حضاري قدمته بلاد وادي الرافدين في تاريخها القديم قد أفاقت منه شعوب الشرق الأدنى هو الخط المسماري الذي كان من أقدم وسائل التدوين التي توصل إليها الإنسان للحفاظ على تاريخه وتراثه ومنجزاته الذي بقي في الاستعمال عبر مسيرة طويلة من الزمن تزيد على ثلاثة آلاف سنة حيث انتشر الخط المسماري خارج حدود بلاد وادي الرافدين في عصر مبكر وكان انتشاره وشيوع استعماله في البلدان القديمة من الوطن العربي قد أوجد رباطاً وثيقاً كانت له نتائجه المهمة في انتقال كثير من المفاهيم والمعتقدات الدينية والنتاجات الأدبية والثقافية وهناك من الأدلة ما يشير إلى أن الخط المسماري انتشر في عصر مبكر إلى خارج بلاد وادي الرافدين فبعد قرنين تقريباً من ظهور الكتابة في بلاد سومر في حدود (3000 قبل الميلاد) ظهر في مدينة (شوشه) عاصمة عيلام الخط المسماري الذي سبق أن اخترعه السومريون في جنوب وادي الرافدين لأن عيلام كانت دائماً تحت تأثير المقومات الحضارية التي نمت وترعرعت في بلاد سومر وأكد ويتجلى اعتماد عيلام حضارياً على بلاد سومر بصورة أكثر وضوحاً وذلك عندما ظهر الخط المسماري المعروف في بلاد وادي الرافدين كما كشفت البعثة الإيطالية العاملة في مدينة إيلاء (تل مرديخ) في شمال سوريا عن بضعة آلاف من رقم الطين مدونة بالخط المسماري يعود تاريخها إلى عصر فجر السلالات الثالث أي إلى حدود (2450 – 2400 قبل الميلاد) وهي تشمل نصوصاً اقتصادية، وإدارية، بالإضافة إلى معاجم لغوية كما انتشر الخط المسماري من بلاد آشور إلى آسيا الصغرى في مستهل الألف الثاني قبل الميلاد أي في حدود (1950 قبل الميلاد) بدليل العثور على ما يزيد على ثلاثة آلاف رقم مسماري التي كشف عنها التنقيبات في مدينة (كول تبه) في الأراضي التركية .. وصار الخط المسماري وسيلة التدوين المتعارف عليها في الأراضي السورية والفلسطينية كما تدل على ذلك الوثائق المسمارية المكتشفة في ماري (تل حرير) التي سلطت الأضواء على العلاقات المعروفة بالعصر البابلي القديم أي ابتداءً من (1800 قبل الميلاد) كما استعمل الحثويون في الأناضول الخط المسماري، وفي حدود (1400 قبل الميلاد) كان الخط المسماري قد أصبح وسيلة التدوين للوثائق الدبلوماسية المتبادلة بين ملوك وأمراء حكام العراق وسوريا وفلسطين ومصر .. وكان (الأورارتو) في أرمينيا الذين استخدموا الخط المسماري في كتابة لغتهم في النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد آخر الأقوام التي استعادت الخط المسماري من بلاد وادي الرافدين ... وتميز العصر البابلي القديم ابتداءً من (1800 قبل الميلاد) بنشاط التجارة الداخلية والخارجية على حد سواء وتثبت المراسلات ووثائق البيع والشراء والتصدير التي كان يحملها المرسل والمدونة باللغة البابلية والخط المسماري مدى الانتشار الواسع للتجارة الخارجية التي تمتد من العراق شرقاً والبحرين جنوباً إلى (ايلا) في شمال سوريا و (كاش) في آسيا الصغرى وبلغت اللغة الأكدية ذروتها في الانتشار عندما صارت اللغة الدبلوماسية لأقطار العالم العربي القديم وما يقال عن الخط واللغة يقال أيضاً في مجال القانون والقضاء والمعتقدات الدينية ومن خلال ذلك يتبين أن أقدم القوانين المعروفة في بلاد وادي الرافدين كانت السومرية كما أن تشريع قانون بالمعنى الصحيح لم ينجز إلا في زمن حمورابي (1792 – 1750 قبل الميلاد) الذي جمع في قانونه الذائع الصيت تجارب من سبعة من المشرعين من أمثال (أورنمو). وليت عشتار، اشنونه وإن ما حمله الخط المسماري واللغة الأكدية إلى أقطار الشرق الأدنى في العصور القديمة كان تراثاً عراقياً أصيلاً في جذوره البعيدة فهو خلاصة منجزات السومريين، والأكديين، والآشوريين، والكلدانيين.
المصدر : الدكتور عدنان سماكه كتاب حصاد السنين الجزء الثاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غرف قليلة الحيلة-: مجموعة شعرية عن الغياب والخراب • فرانس 2


.. فانس وترامب.. مواقف متطابقة في السياسة الخارجية




.. مسلسل -الاغتيالات- إلى الواجهة من جديد.. إسرائيل تقصف دراجة


.. موسكو وكييف.. مصير حرب ومستقبل قارة يترقب سيد البيت الأبيض ا




.. غارة إسرائيلية على مدرسة للأونروا بمخيم النصيرات وسط القطاع