الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنسان الغرب لا يبيع عالم الدنيا بطموح عالم الآخرة

حسام علي

2022 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


خَلُصَ إنسان الغرب بعد مخاضات عسيرة عاشها مع أوضاع اجتماعية وسياسية طويلة، أثرت على حياته كثيراً، خَلُصَ إلى أنه لأجل أن يحيا ويتطور بوجوده الدنيوي العظيم، عليه ألا يبيع دنياه بطموح آخرته. لذا، حرص على أن يبحث بجد عن مكامن الطاقات والإمكانيات اللازمة لبقائه وتطويره، واستغلالها دون خسارة قدر الإمكان.
إلا أنه لم يبع كنيسته، ولم يترك قانونها الإلهي، بل صار التوافق المتبادل بألا تتجاوز هذه الكنيسة بالأحيان العديدة، بقوانينها على مصادر سعادته في الدنيا أو يكون وعاظها سبباً لتقييده، ما دام أنها، أي الدنيا، لم تنهه عن التحلي بالخير والرأفة والتعاون والوفاء وحب الناس دون نفاق ودون رياء. فكان صادقاً كل الصدق بكامل إرادته والتعبير عن حريته، وبالفطرة التي نشأ عليها وسط مجتمعه.
على هذا الأساس، كانت مجالات التفكير لديه حقيقية بالمعنى الذي تعارفت عليه كل طبقات المجتمع الغربي المسيحي. فراح يرى مستقبله، عالماً دنيوياً لا عالماً فيما وراء هذه الدنيا، بل إن مجالات التفكير لديه شملت وسائل تقدمه وكيفية المنافسة في سوق المنافسات. فتركهِ ما كان يكلفه عناءً مضافاً أو هدراً في أوقات التفكير للبحث والاستقصاء عما كان يسرده له رجال الدين، فتأخذه العناءات بإصرار، بعيداً عن تحقيق طموحاته وتسلب منه غالب مظاهر الإنسانية التي عاهد نفسه على اتخاذها مبدأ جديداً، قد حقق له هذا الترك، كل ما أراد.
وهذا لا ينفي، أن إنسان الغرب قد عنى دون تردد بخدمات الكنيسة لتكون دوماً في خدمة المجتمع، واعترافه بها كمؤسسة بارزة لتقويم الأوضاع، خاصة بعدما قامت بترسيم حدود سلطتها ودائرة صلاحياتها ونفوذها، مقابل تأييدها سلطة الدولة في قيادة المجتمع الدنيوي.
فكان إنسان الغرب، بعد أن شهد في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أوج النزاعات والصراعات الاجتماعية والفكرية بين مؤسسة الدولة ومؤسسة الكنيسة، قد قرر الهجرة الى عالم التحولات الفكرية التي راقت له نتائجها فيما بعد ورسمت له ملامح متميزة، لا سيما في المجالين السياسي والاجتماعي اللذان حددا قيمته كإنسان بشكل افضل مما كان عليه إبان تسلط الكنيسة لفترات.
لذلك، فقد بدأت ولادات معاصرة تتوالى على الساحة الاوروبية، ضمت فلاسفة وعلماء أفذاذ ومفكرين مجددين، ساهموا في إرساء استقرار أوروبا وإيلائها الدنيا الاهتمامات المناسبة لإجراء تغييرات شاملة في تاريخ الغرب ومن ثم تغيير العالم كتحصيل حاصل. فسقطت خلالها، منظومات فكرية، طالما حدّت من قدرات الانسان الغربي وقيدت تصوراته. بل بذاك السقوط، تبلورت منظومات فكرية أنارت ملامح عصر جديد، أطل من خلاله إنسان الغرب على نافذة عالم دنيوي لائق وملائم، لم يكن ليبلغه أو يهتدي إليه لو ظل حبيس قيود الكنيسة وقوانينها الأخروية.
فبنت الدول الاوروبية الحديثة شخصية الفرد الحرّ القادر على استغلال مواهبه وتنمية قدراته، رافقها ظهور إبداعات عبقرية في أغلب الميادين والمجالات، تبلورت في تمكين المجتمع الغربي من التطور وانطلاق ثورات سياسية أحلت نظاماً اقتصادياً، كسّر أطواق العهود السابقة المظلمة. وبرزت النظريات والاكتشافات العلمية التي انطلت على تطورات حياتية عديدة، يعود الفضل إليها في وصول مجتمعاتها ومجتمعات الشرق أيضاً الى ما وصلت إليه.
كل ذلك، هو بالتأكيد على عكس إنسان الشرق الذي باع دنياه بآخرته الموعودة.. حين ضاقت به فسح العيش وانحدرت مستوياته الاجتماعية والاقتصادية نتيجة تفشي كل أوجه الفساد الاداري والمالي والأخلاقي في عموم مؤسسات الدولة، عمداً مع سبق الإصرار والترصد. خاصة وأن انسان الشرق (المسكين) قد ورث موروثات أغلبها عقائدية، كانت بمثابة تركة ثقيلة حملها رغماً عنه، وما يزال يرضخ لها، بل ويدافع عنها دون أن يفسح المجال لنفسه أو لغيره ولو لبرهة أن يتراجع قليلاً للتشكيك أو ما شابه إزاءها، لأجل وضع الامور في أطرها الصحيحة، على أساس أن كل شيء في الحياة خاضع للتغيير، سواء أكانت أموراً دنيوية أو غير دنيوية.
هذه الموروثات للأسف، شكلت خطراً كبيراً على حركة الفكر والنهضة الفكرية التي تحتاج الى أجواء مساعدة ومناسبة، من شأنها أن ترسم ضوابط المنطق لدى إنسان الشرق إزاء تطبيقات الحياة وتعاملاتها المتبادلة الى الحد الذي يجوز خلاله، شرعاً وقانوناً، اقتلاع كل ما يمكن أن يعيق أسباب إقامة الترسيم المعاصر بأوضاعه المنطقية التي تعتمد على العلم وليس على الخيال أو السرد القصصي لدعاة الخلاص من الذنوب.
لذلك، نرى الإنسان الشرقي، يعيش حالتين متناقضتين، الاولى، انبهاره الشديد بتقدم الغرب واعترافه الباطن بأولويته في السبق بالتقدم الحضاري، والثانية، انقياده الأعمى لقصص الخيال والسرد المخصص للأطفال، الذي يتلقاه من لدن ممن شككوا في مستويات أفكاره وقدراته، وتصويره بالجاهل الخانع الخاضع للأمر الواقع اللابد منه، بل عليه طاعته فقط، وحقنه بفكرة أنه كإنسان، زائل لا محال، وما الحياة الدنيا إلا ملذات وشهوات لا قيمة لها، فأسلم أمره هذا الشرقي لأصحاب القرار في سرد الخيال، وهو فاغر فاه، لا يفقه، سوى عليه أن ينتظر الفرج بما يمكن أن ينجيه أو يحيله الى جنات النعيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تفسي حلو ومفيد عن الطريق الذي يجب سلوكه لنتمدن ون
المتابع ( 2022 / 5 / 29 - 21:43 )
لنتمدن ونشبع ونصير مجتمعات مرفهة متعلمة بعيدة عن هيمنة عثونة الدين الاسلامي او اي دين عدواني

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م