الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد في الجزائر. من أين جاء هذا الوباء الخطير؟

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الكل يتساءل لماذا طال عمر الفساد في الجزائر الذي مس كل مفاصل الدولة
“الفساد” في تعريفه البسيط هو الانحراف عن الطبيعة والأصل؛ أي مخالفة طبيعة الأشياء و الابتعاد عن مصدرها الأول و جوهرها القائم
يعرّف البنك الدولي الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد. يمكن للفساد أن يشمل العديد من الأنشطة التي تتضمن الرشوة والاختلاس، ويتضمن أيضًا ممارسات تُعد قانونية في العديد من البلدان يحدث الفساد السياسي عندما يتصرف صاحب المنصب أو أي موظف حكومي آخر بصفة رسمية لتحقيق مكاسب شخصية. الفساد هو الأكثر شيوعًا في الكليبتوقراطيات (حكم اللصوص)، والأوليغارشية (حكم الأقلية)، ودول المخدرات، ودول العصابات والمافيا.
يعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة». وقد يعنى الفساد: التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة.

تسلل الفساد كمرض عضال الى جميع الطبقات الاجتماعية والمؤسسات وذلك بداية من السنوات الأولى لاستقلال الجزائر. ومع مرور السنوات امتدت مخالب هذا الأخطبوط الى كل القطاعات الحيوية وعلى وجه الخصوص إلى النظام السياسي والجهاز الإداري وإلى مؤسسات القطاع العمومي.
لماذا وكيف سقطت الجزائر بين فكي هذا الغول الخطير الذي عطّل التنمية الاقتصادية والسياسية والحقوقية. ومتى دخل فيروس الفساد إلى الجزائر؟
نستطيع ان نحدد بداية الفساد مع بداية استرجاع السيادة سنة 1962، ومنذ تلك الفترة وهو يفرض نفسه بقوة على كل مفاصل الدولة، ففي ذل الأنظمة الشمولية ذات الطابع البريتوري لا يمكن التحدث عن الشفافية في إدارة وتسيير أمور الدولة. فهو نظام سياسي مغلق يعتمد السرية والإخفاء واقتصاد خفي تديره سلطة خفية
ومر الفساد في الجزائر بخمسة مراحل كبرى ولكل مرحلة مميزاتها : فترة الرئيسين احمد بن بلة وهواري بومدين رحمهما الله، الرئيس الأول وصل إلى الحكم على ظهر دبابة وكادت الجزائر ان تنجر الى حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس لولا تنازل بن يوسف بن خدة عن الحكم وخروج الشعب الجزائري طالبا من الاخوة الأعداء المتقاتلين على كرسي السلطة بالتوقف عن الصراع والقتال بين جيش الداخل وجيش الخارج ومناديا ب " سبع سنوات بركات " واصبح العنف أداة الوصول إلى السلطة والتداول عليها في الجزائر أو ما يسمى في العلوم السياسية بالدولة البريتورية " مصطلح سياسي مأخوذ من ممارسات الحرس الامبراطوري في الدولة الرومانية عندما اصبح الحرس ينصب الاباطرة ويعزلهم " . وبوصول احمد بن بلة الى السلطة بدأ بتصفية وملاحقة معارضيه في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة جدا التي خلفتها الثورة وتخريب منظمة الجيش السري " OAS" للمنشآت الاقتصادية.
جاء وزير الدفاع الوطني هواري بومدين إلى الحكم بعد انقلاب عسكري على صديقه احمد بن بلة في 19 جوان 1965 ووضع صديقه في السجن ولم يطلق سراحه إلا وفاة هواري بومدين.
جاء هواري بومدين بنظام سياسي ديكتاتوري أوليغارشي لا صوت يعلو فوق صوت الأخ الرئيس، دعامته الأساسية وذراعه الأيمن المخابرات والجيش والجندرمة، وبمشروع تنموي طموح جنّد له كل موارد البلد في شراء المصانع الجاهزة من الخارج استطاع بمشاريعه التنموية الضخمة وبخطاباته النارية ان يكسب الشعب إلى جانبه وما زال إلى الان الرئيس الراحل الحي في ذاكرة الجزائريين وشهدت هذه الفترة ظهور أول فاعلين جزائريين امتهنوا الوساطة في المعاملات الدولية واستطاع بعضهم أن يبني استراتيجية فساد غنم منها أموالا طائلة ومن هذه الثغرة ظهر اول أثرياء الجزائر.
ثم جاءت فترة الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، في بداية 1980 وعمّ الفساد في جزء كبير من العقود الدولية وحتى داخل الوطن في الأسواق العمومية. وتأتي الفترة الثالثة مع بداية العشرية السوداء حيث استمر سم الفساد ينخر الاقتصاد الوطني عبر احتكار سوق السلع الأساسية المستوردة من طرف بعض الجهات بدعم من مسؤولين فاسدين.
في حين حكم مرحلة 1992 ـ 1999 فساد عنفي ـ دموي ـ لصوصي
وفي الأخير كانت فترة عبد العزيز بوتفليقة ابتداء من سنة 2000 حيث تضاعف انتشار الفساد بكل اشكاله المافياوي العصاباتي العصبوي ووصل إلى أعلى هرم السلطة وأصبح ظاهرا للعيان بظهور طبقة متنفذة لا تتورع في عرض ثرائها الفاحش.
إذا كان من الصعوبة الوقوف على السم الجزائري المتغلغل في كل مفاصل الحياة الاقتصادية والإدارية والسياسية نظرا لتمظهره في اشكال عديدة واستراتيجيات معقدة يصعب تحديد هوية الفاعلين وطرقهم التمويهية، إلا أننا يمكن أن نكتشف حيل هذا الداء العضال وتقلباته في مجالات عديدة من أهمها تعيينات المجاملة والصداقة والقرابة وعلى الخصوص في مجال الديبلوماسية والوظائف الوهمية التي تعد بالمئات كل سنة. الاختلاس المتنوع والاحتيال مثل المنح الدراسية للخارج إذ استفاد العديد من أبناء كبار المسؤولين في النظام من تلك المنح والتي غالبًا ما يتم إصدارها بطريقة مبهمة. تمثل هذه المخصصات عشرات الملايين من اليوروهات سنويًا، وتنتج خيبة أمل في عالم الطلاب المدركين للامتيازات التي يتمتع بها بعض (أبناء عصابات النظام) على حساب الجميع.
أصبحت الصفقات العمومية والحكومية المزورة هي القاعدة تقريبًا في جميع مناطق البلاد فغالبًا ما تكون المناقصات الوهمية لصالح جهات فاعلة بالتواطؤ مع الفاسدين في النظام. أما الاستحواذ على الأراضي الزراعية والصناعية بأسعار رمزية فكان في كثير من الأحيان بتواطؤ مع كبار المسؤولين، وهو ما مكن كثيرون من جني أرباح طائلة في أقل وقت ممكن. وأما ما نشر سم الفساد أكثر فأكثر فهو ظاهرة فساد السياسيين والدبلوماسيين. ففي الانتخابات التشريعية لعام 2017 على سبيل المثال، وافق عشرات الطامحين في دخول البرلمان على دفع مبالغ مالية كبيرة من أجل الحصول على ترشيح على رأس قوائم الأحزاب الكبرى كما أن بعض الموظفين في السلك الديبلوماسي وغيره يشترون تعييناتهم. ونقرأ في الكتاب عن الإفراط في تضخيم فواتير الواردات وانخفاض فواتير الصادرات وهذا ما أدى إلى تسهيل هروب رأس المال الى الخارج بشكل كبير.
كما نقرأ عن منح القروض البنكية دون أي مبرر اقتصادي حقيقي إذ أصدرت المؤسسات المالية قروضاً بعشرات المليارات من الدولارات بناءً على أوامر من السلطات العليا دون احترام الحد الأدنى من القواعد الاحترازية التي تسمح للمستفيدين بتحويل مبالغ ضخمة إلى الملاذات الضريبية. وانتشار رهيب للعمولات الخفية للوسطاء الجزائريين والأجانب في عقود البيع والشراء على نطاق واسع وكيف تم تجميع الملايين بالعملة الصعبة بعيدا عن السلطات الضريبية الجزائرية، مهربة الى الخارج ومستثمرة في تبييضها عن طريق الاستثمار في العقارات.
ويبقى سوق السيارات الملفت للنظر أهم مثال على تغول الفساد في الجزائر إذ يشتبه في بعض الفاعلين انهم دفعوا عمولات كبيرة جدا للدخول في هذا الميدان المربح للغاية. ولهذا السبب فإن السيارة المنتجة في الجزائر أصبحت تكلف أكثر من ثمن استيرادها.
أن حجم الإنفاق في الجزائر قد بلغ خلال العشرين سنة الماضية ما يقارب 1000 مليار دولار وقد وصلت العمولات والوساطة والتكاليف الإضافية المختلفة الى نسبة 10٪ ويعني أن خسارة الجزائر قد وصلت إلى قرابة 100 مليار دولار نُهبت خلال هذه الفترة على حساب الشعب وهذا هو سبب وجود حاجة ماسة للتدخل لإيقاف النزيف، أنه من السذاجة إلصاق صفة الفساد برجال النظام فقط. لقد انتشر الفساد بين جميع طبقات المجتمع في تواطؤ بين البورجوازية الصناعية والتجارية، والبرجوازية والتكنوقراطية، وبعض فئات التراتبية العسكرية العليا المقترنة بالمافيا الدولية، مع الصمت المتواطئ لبعض الدول. يكفي قراءة ما تم الكشف عنه في أوراق بَنما لفهم كيف قامت النخبة وبعض الصناعيين الجزائريين المشهورين بسرقة موارد الجزائر.
وصف مولود حمروش رئيس حكومة سابق، قبل حوالي اربع سنوات " فيعهد الرئيس المخلوع "في تدخل له في ندوة نقاش بالعاصمة، النظام القائم بالخطر على الأمة والدولة، النظام الذي وصل الى نهايته بحيث لا يقوى على التجدد ولا يريد التبدد وبأنه نظام يهدد أمن الجزائر و سكانها وأنه حان الوقت لتجربة مسعى آخر للخروج من وضعية دولة العصبيات القبلية الى وضعية الدولة الحديثة.
ما قاله مولود حمروش، والدكتور أحمد بن بيتور وغيرهما من العقلاء والخبراء في الاقتصاد والسياسة، يؤكد قناعة راسخة لدى الجزائريين تتمثل في ضرورة التغيير الجذري قبل فوات الأوان من منطلق ما حدث ويحدث في أنظمة مشابهة للنظام الخشن الجلدة القائم في الجزائر منذ الاستقلال الى اليوم.
وبالفعل، فمنذ استعادة السيادة الوطنية التي تعرضت هي الأخرى للفرم والهشاشة والميوعة، لا نكاد نجد تجربة واحدة ووحيدة نجحت من تلك التي طبقت في الجزائر وفي جميع الميادين بدون استثناء، فكل المؤشرات مضاءة بالأحمر اليوم ولم تعد تنفع معها المناورات حيث لم يبق الكثير من الوقت لا أمام هذا النظام ولا الجزائر من أجل انتقال سلس وانطلاقة جديدة على أسس متينة.
فلا وجود لتجربة واحدة في العالم تشير الى تواتر الفشل وإعادة انتاجه تحاكي تجارب هذا النظام الذي صنع لنفسه نظرية خاصة بالانبعاث من رماده عمادها تغذية الأوهام وتسويقها واختيار رجال وسياسات تشكل خطرا على استقرار البلاد.
فكل الناس في الجزائر تقرّ بفشل هذا النظام الذي لم يعد يتعرف على نفسه ولا حتى على نظرياته المشتقة من عقائد ومذاهب اقتصادية ومناجيرية اثبتت فشلها في أصقاع أخرى.
فالكل في حالة استياء أو ذهول من الترتيب الدولي للجزائر في مجال التنمية والموارد البشرية حيث تحتل ذيل القوائم في جميع المجالات، علاوة عن كونها صاحبة أطول تجربة اصلاح فاشلة وأعلاها كلفة في تاريخ الأمم وكأن الجزائر ضربت بقنبلة جرثومية.
فلا يعرف الخبراء نجاح حالة واحدة في التاريخ تم فيها البناء على أنقاض القديم، مثلما يحاول سادة اللحظة إيهام الناس من خلال الاستثمار المكثف في الهياكل التي لن تنتج كلفتها قبل عشرات السنين، حيث تنفق مئات المليارات للحصول على هياكل بقيمة عشرات المليارات من الدولارات فقط على حساب تعميق تبعية الجزائر في القطاعات الحيوية.
وسنجد بالتأكيد بعد سنوات، عشرات الهياكل غير مكتملة الانجاز وتحتاج الى مئات المليارات الاضافية مثلما هو الشأن مع المخطط الخماسي الثاني (2009/2014) الذي سجل تكاليف اضافية بلغت 134 مليار دولار.
فالجزائر هي بالفعل، بالوعة للموارد ومقبرة للوقت حيث أن حساب الآجال الاضافية التي عرفتها مختلف المشاريع المسجلة منذ بداية الألفية الثانية، تفوق عمر استقلال الجزائر عدة مرات وأن جمع التكاليف الاضافية لكل المشاريع مجتمعة تكفي لبناء عشرات المدن في الهضاب والصحراء.
وللحقيقة والتاريخ نحن بصدد حالات شاذة لا توجد سوى في الجزائر حيث يعوض الانتاج بالاستيراد الذي تموله البنوك العمومية وحيث تضع الدولة قانون مالية سنوي وآخر تكميلي في نفس الوقت تقريبا.
. لقد أخطأ هذا النظام في جميع خياراته في اخراجها وتسييرها ولم يعد هناك مجال لارتكاب أخطاء فلا الوقت ولا الامكانيات يسمحان بذلك، فليس هناك ما يعطي الانطباع عن بزوغ عهد جديد مما يجعل الجزائر حالة خاصة في التاريخ وهو الاستنتاج السائد عند الكثير، الاستنتاج الذي يعاكس تفكير ساكنة المرتفعات العليا للنظام الذين يؤمنون بالتجديد بالوصفات القديمة وإدامة الوهم المستحيل التحقيق وهو إما نحن أو بعدنا الطوفان، بعد ستة عقود من استرجاع السيادة الوطنية لا يوجد لدينا ما نفتخر به أمام الأمم سوى بثورتنا التحريرية المباركة .
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد