الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الطريق إلى مراجعاتي!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2022 / 5 / 30
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أنا الآن في طور مراجعاتي الكتابية رغم مرور نصف قرن، أي ثلثي عُمري، على بدء كتاباتي الورقية ثم الالكترونية.
قاريء اليوم غيرُ قاريء الأمس، ومن كان يقرأ كتابا صعبا يصبح المقالُ ثقيلاً عليه، ومن كان يبتهج بالمقالِ؛ يسقط على الأرض من الإعياءِ إذا وصل للسطر الثالث، ومن كان يعشق الكلمة؛ سرقـتــه الصورة واختطفه الفيديو، ومن كانت الهموم الوطنية والقومية والفكرية شُغلـَه الشاغلَ؛ أضحىَ أسيرَ أخبار الفنانين والكوميديين، ويتابع بشغف الأفراحَ والجنازات، ومن كان الدينُ يساهم في استقامة سلوكياته؛ اعتقلته ألــْسنَةُ رجالٍ تاجروا بتعاليم السماء فلوثوها، وقزّموها، وبعثروها، ثم تحاوروا حول ماضيها، وتناقشوا في المجهول، وأقسموا بصحة ما لم تره أعينهم حتى لو مضتْ عليه مئات السنين.
وتكاتفتْ السلطة السياسية في العالم الإسلامي مع الهوس الديني؛ فنتج عن ذلك هراء وخزعبلات ومعارك لسانية تتخلها شتائم وتكفيرات ومزايدات وسباب، وغاب العقل، وأصبح الإفطار والغداء والعشاء مَحشواً بالدين.
وسرق المزايدون الجُدُد حسابَ السماء لأميي الأرض مع صَبْغِه بالقداسة المفتعلة والمزيفة.
مظهرك هو دينك، وشيوخ المنابر يتحكمون في مأكلك ومشربك وحيض المرأة وذهابك إلى الغائط، وهجمتْ ملايين من الفتاوى المريضة والفجّة والمتخلفة فأبعدتنا عن العصر إلى الخُسر، ومن الخُسر إلى الحُصر، ومن الحُصر إلى العُسر.

أحاول فيما بقي لي من عُمْر أن أراجع نفسي بناء على المتابع الجديد المُكلبش في مجهوليات عنعنية أضيفتْ إليها خزعبلات في كل عقد؛ فإذا بُعِثَ نبيٌ من مرقده؛ فلن يتعرف على عُشْر العُشْر من التعاليم التي جاء بها.
خمسون عاما من عُمري نشرتُ خلالها آلاف المقالات، وعشرين كتابا ؛ لكنني أخشى أنْ ينصرف قرائي الأعزاء إلى عالمِهم الجديد، والسهل، والسريع، والتصويري المُلون!

القاريء الحديث يبحث عمّا يقرّبه من الدين الذي ينقل مباهج الدنيا للخوف من حساب الآخرة؛ وفـْـق أقوال وخُطب المنبريين، ويبحث عمّا يبعده عن السلطة السياسية والتنفيذية والأمنية في عالــَـمٍ يتحاور حول جنته وجحيمه 1400 مليون نسمة، مقيّدة ألسنة وعقول وقلوب أكثر مؤمنيه برجال هبطوا من كوكب مجهول، وأرنبوا المؤمنين بالخشية من سادية أرحم الراحمين، ومن سادية سيد القصر في عشرات الدول التي يتبع أكثر سكانها خاتمة الرسالات السماوية، فالسماءُ والقصرُ لهم بالمرصاد، ورجل الدين يُخفي يونيفورم الأمن، والشرطي لا تــَـبين الجبة والقفطان، فهي في صدره.

ما يحزنني في الكتابة العصرية أنها من طهارتها وغضبها وتمردها تجذب كل صور الشتائم ويتكالب عليها الذباب الحقيقي و.. الالكتروني.

والأكثر حُزنا أنَّ أنصافَ الأميين وجدوا أحاديثَ الدين ودعم السلطة تُسهّل الطريق إلى سطوة الجهل، الوطني والديني، حتى أن ثلثي عالمنا الثالث يستطيع أيّ حمار أنْ يدخله من أوسع الأبواب؛ فتستقبله الجماهير، فاتحاً كأنه فارس مغوار، حاملا معه النــظرية الجديدة باسم السماء والقصر.

في مراجعاتي الجديدة أفكر كثيرا في الصورة والفيديو، لكن مع وجود ملايين الهزليات، والتيكتوكيات، والسرقات المقتطّعة من الأفلام، تنزوي الأعمالُ الفكرية والجديدة والمفيدة في ركنٍ قـَـصيٍّ، حتى يأتيها مُشاهــِـد يحترم العقل والوطن والثقافة، وحتى الترفيه المُثمر.

لم أقرر بعد نوعية مراجعاتي، لكن الفكرة تختمر على مهل.
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 29 مايو 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم روسي عنيف على خاركيف.. فهل تصمد الدفاعات الأوكرانية؟ |


.. نزوح ودمار كبير جراء القصف الإسرائيلي على حي الزيتون وسط مدي




.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة


.. الشرطة تعتقل طالبا مقعدا في المظاهرات الداعمة لفلسطين في جام




.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال