الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الحمار والدب الكبيرين

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2022 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


باتفاق الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري، الأمريكيين، على منح أوكرانيا مساعدات، عسكرية ولوجستية، بقيمة أربعين مليار دولار، تكون الحرب الأوكرانية قد تحولت إلى حرب بالوكالة لاستنزاف الدب الروسي.
وبغض النظر عما إذا كان الرئيس الاوكراني يعي أنه قد حول بلاده إلى عربة قنابل، يقودها من يملأ حوضها أم لا، فإنه بقبوله للمساعدات العسكرية الأوربية والأمريكية إنما يحمل بلاده وزر خوض حرب أمريكية روسية بالوكالة، ومن دون أن تجني منها بلاده نصراً على عدوها التقليدي روسيا.
رصد الولايات المتحدة، ممثلة بكونكرس حزبيها الحاكمين، ثروة الأربعين ملياراً من الدولارات إنما يعني أنها تعد لحرب استنزاف أمريكية طويلة الأمد لعدوها الذي ينازعها على سيادة النظام الدولي، على أرض وبجنود غيرها.
القراءة الواضحة لملابسات وضبابية حرب بوتين على أوكرانيا تقول أن لا أمريكا تريد حرباً مباشرة مع روسيا ولا أوكرانيا قادرة على انزال هزيمة بالجيش والسلاح الروسيين، ولكن مادامت الحرب قد اشتعلت مع رجل المخابرات الروسي، الذي لا يرى قيمة لعالم لا تمثل روسيا فيه قطباً مكافئاً للولايات المتحدة، لتحترق القارة الاوربية، وربما نصف العالم معها إذن، وبالسلاح النووي إذا اقتضى الأمر.
نعم ثمة حرب روسية جائرة ووحشية وعدوانية على أوكرانيا، ولكن الممثل الكوميدي الاوكراني لا يريد أو ليس له الخبرة السياسية ليفهم ويتساءل عن هدف السخاء الأمريكي معه، رغم أن ثروة الأربعين ملياراً التي وعدته بها أمريكا لن يضخ، الجزء الكبير منها، إلا على شكل قنابل ومدافع ورصاص في عربته الرئاسية، وما سيتبقى منها فربما لن يكفي لثمن الأكفان لمن سيقتل من جنوده في هذه الحرب.
الصورة التي تظهر لنا كمراقبين تقول أن الجيش الروسي، وبعد فشله في التقدم السريع واحتلال العاصمة الأوكرانية، يعمد حالياً لاحتلال أقاليم الجنوب والشرق الاوكراني، المتنازع عليها، والتحصن فيها، بإقامة متاريس دفاعية منيعة، وهذا ما يعني أن الحرب ستتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، ستستنزف بوتين وروسيا، مادياً وعسكرياً وسياسياً، ربما قبل أن تقضي على حلم الرئيس الاوكراني، ومن يقف خلفه ويمده بالسلاح لإطالة أمد الحرب، لحين القضاء على مستقبل بوتين السياسي.
هذا ما تراهن عليه أمريكا وأوربا عبر مساعداتهما السخية للرئيس الاوكراني قليل الخبرة، وهذا ما سيقدمه لهما طيش الرئيس بوتين، إذا لم يصحو من كابوس مغامرته ويسحب قواته ويعمد إلى جولة تهوره الكبرى، باستخدام الأسلحة النووية للتغطية على سوء وسذاجة حساباته، رغم أنه مازال يمتلك ورقتيّ تجويع العالم، عبر توقف صادرات القمح الروسي الاوكراني، واللعب والمراهنة على ارتفاع أسعار النفط والغاز، هذا الارتفاع الذي أحدث أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في كافة دول العالم وبما ينذر بحصول أزمة غذائية عالمية.
ولكن قتامة هذه الصورة لا تعني أن الدب الروسي في حالة انهيار وعلى وشك الوقوع، بل العكس ومن سينهار، وقريباً جداً، هو البهلوان زيلينسكي، الذي يحاول جو بايدن إغرائه بظهر حماره الديمقراطي، من دون النظر في أهداف هذا الإغراء وتاريخ خسائر استراتيجيات وحروب هذا الحمار الطويلة وهزائمه فيها، والتي كان آخرها حربيه في العراق وأفغانستان.
وبغض النظر عما إذا كانت روسيا قادرة على تحمل حرب استنزاف طويلة الأمد أو قدرة الجيش الاوكراني على خوضها والمطاولة فيها، فإن نتائج هذه الحرب القذرة الآنية خرجت الأن من نطاق صراع الإرادات وتمريغ الأنوف، بين الحمار الأمريكي والدب الروسي، لتدخل نطاق حرب تجويع عالمية وأزمة أمن غذائي عالمي، يراهن الرئيس الروسي عليها لتخرجه بماء وجهه من الحرب، ولا تضعها أمريكا وأغلب دول أوربا في حسابها، لأنها تفضل السير خلف أهدافها السياسية – في كسر هيبة روسيا وإخراجها من معادلة الصراع الدولي – ولو مات نصف سكان العالم جوعاً.
ولكن هل روسيا بهذه الرخاوة السياسية فعلاً لتستسلم لحرب استنزاف طويلة الأمد؟ وهل جعبتها فارغة، كأي دولة من دول العالم الثالث الفقيرة، لتعاني من أزمة الغذاء أو نقص السلاح والذخيرة؟ لا بالقطع وكلنا نعرف هذا. إذا أوكرانيا وحدها من سيدفع آثار هذه الحرب في النهاية، بصيغتها المباشرة، وربما نصف الكرة الأرضية الفقير، بعد أن تبين أن أوكرانيا هذه بالذات تمثل سلة الغذاء العالمية دون غيرها من دول القارة العجوز.
ولكن من يريد إقناع الرئيس الأوكراني، بأن حمولة الحمار الديمقراطي الأمريكي، هي ليست حزمة مساعدات لشعبه وإنها ليست دفعة تحت الحساب لإعمار ما دمرته الصواريخ الروسية؟ لا أحد في أوربا، رغم عظم معاناتها من تعويض الغاز الروسي الذي قاطعت استيراده. فأوربا وأمريكا تريدان استغلال هذه الحرب، حتى النفس الأخير، في إلحاق الهزيمة ببوتين وتمريغ أنف روسيا بالوحل، حتى لو جاع كل العالم، وحتى لو لم تبق قاعة واحدة عامرة في أوكرانيا، يلقي فيها زيلينسكي خطابات توعداته لورسيا ومطالبته لها بالتعويضات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية