الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيمون دو بوفوار ورواية الموت

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 5 / 30
الادب والفن


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة للقفص الزجاجي
١٤٦ - سيمون دو بوفوار ورواية الموت

في نهاية الحرب العالمية الأولى، سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir ورفيقها في الفكر وفي الحياة جان بول سارتر Jean-Paul Sartre، أسسا، مع بعض المثقفين اليساريين مجلة الأزمنة الحديثة Les Temps Modernes، مجلة سياسية وفكرية يسارية جامعة، سعت بالتعريف بالوجودية كفكر يساري ملتزم بالقضايا الفكرية والأدبية والسياسية العالمية. في هذا السياق نشرت سيمون دو بوفوار روايتها الثالثة " كل البشر يموتون" Tous les hommes sont mortels في ١٧ ديسمبر ١٩٤٦.
قبل كل شيء، يشير عنوان الرواية إلى أننا نتعامل مع رواية فلسفية، رواية تتعلق بفكرة الإنسان والموت، غير أن هذه الرواية تعالج قضايا فلسفية وإجتماعية ونفسية، بالإضافة إلى تحولها في لحظة ما من السرد إلى رواية تاريخية. وتعود أصالة هذا العمل الكبير إلى اندماج أربعة أنواع من الأدب في هيكل واحد، حيث تظهر الأحداث تدريجيا ونكتشف بناء فنيا في طبقات متشابكة، يتضمن قصة داخل قصة، ورواية في الرواية.
الرواية تبدأ بداية كلاسيكية كأي رواية وجودية في ذلك الوقت، تحكي قصة ممثلة جميلة وطموحة أثناء عرضها لإحدى المسرحيات في مدينة صغيرة بعيدا عن أضواء باريس.
في نهاية عرض المسرحية، تعبر الممثلة ريجين Régine، عن رأيها في الجمهور الذي صفق لها طويلا، والذي يبدو في عتمة صالة المسرح كـ "مجمع للآلهة"، وتعبر في نفس الوقت عن ازدرائها لهذا الجمهور الذي ما أن تضاء الصالة ونري وجوه هذا الجمهور واحدا واحدا حتى نكتشف أننا أمام أناس عاديين وشديدي التفاهة. وكذلك تنتقد شريكتها فلورنس Florence التي تعاملت معها بإحتقار وإزدراء. ريجين إمرأة جميلة المظهر طموحة ومتكبرة وشديدة الأنانية، تهتم بحياتها المهنية، تريد أن تكون ممثلة بل نجمة مشهورة، مستعدة لفعل أي شيء لتتألق في السينما، تكشف نرجسيتها أمام الجميع بدون تحفظ. كما أنها تُظهر ازدراءها للمشاعر والأحاسيس العامة كالصداقة أو الحب الذي تعتبره مجرد سوء فهم ومبالغة في تقييم أحاسيس عادية. ترفض أن تستسلم كما يفعل الآخرون للتفاهات والإهتمامات اليومية والعادية، وتبقى مخلصة لنفسها ضد الثقافة الدينية التي قُدمت لها في طفولتها. تعاني من القلق والخوف من الزمن وتقدم العمر والإختفاء والإندثار دون أن يتذكرها أحد، وتحسد الكتاب والرسامين الذين يتركون أشياء مادية يمكن تذكرها بعد موتهم. يلاحقها كابوس متكرر حيث تجد نفسها مجرد قطعة من العشب في حقل ذو أرضية معشبة. في ساحة الفندق الذي تقيم فيه مع فرقتها المسرحية، لاحظت وجود رجل جالس أو مستلق على كرسي طويل طوال النهار، لا يتحرك، ويحدق في الفراغ على الدوام. وقد حيرها أمر هذا الرجل الذي يبدو أنه لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم مع أحد. ولقد زاد من حيرتها أنها لاحظته ذات يوم ممطر، جالسا في مكانه المعتاد غير مكترث بالمطر المنهمر وكأنه لا يشعر بالطقس ولا بما يدور حوله أو كأنه فاقدا لوعيه او ميت. فتذهب إليه ريجين وتحاول أن تنبهه بخطورة البقاء تحت المطر وإمكانية المرض بالبرد، غير أنه يرد عليها بعدم وجود أي خطر ويطلب منها أن تتركه وشأنه. هذا الأمر يقلق ريجين التي شعرت بالإهانة لعدم إكتراثه بها وكأنها غير موجودة بالنسبة له، هي التي تحاول أن تفرض وجودها على الجميع. وتتسللت ذات يوم إلى غرفته رقم ٥٢ في الفندق، بعد أن تأكدت من وجوده كالعادة في الساحة مستلقيا على كرسيه الطويل، معتقدة بأنه يخبيء الأكل في حجرته، غير أنه لم يكن هناك أي أثر لا للأكل ولا لأي شيء آخر ما عدا بعض الملابس المعلقة في أحد الدواليب. وتعثر في جيب سترته على بعض الأوراق المتعلقة بهويته، وتفتش أوراقه وتتعرف على إسمه ريمون فوسكا Raymond Fosca، وتعلم أنه خرج من مستشفى الأمراض النفسية أو العقلية منذ فترة قصيرة. وتحاول ريجين أن تهتم بهذا الرجل الذي لا يهتم بأي شيء كما يبدو، تسأله عن سره، السر الذي يجعله "لا يمل أبدًا". ثم تخطط لأخذه معها إلى باريس لعلاجه وجعله يحيا حياة عادية مثل كل البشر، هو الذي كان قد فقد كل رغبة في الحياة ويخاف الاتصال بالبشر خشية رؤية الزمن يتدفق من جديد كما قال، ولذلك يعيش كميت حسب قول ريجين. ويقبل في النهاية الذهاب معها إلى باريس، حيثيعاود الحياة من جديد تدريجيا ويكاد يصبح إنسانا مثل بقية المواطنين في باريس، غير أنه يصبح متعلقا بريجين لدرجة مزعجة ويرفض أن تتركه بعد أن أقتلعته من وحدته وعزلته الإرادية وأرجعته للحياة الإجتماعية. وتشترط عليه أن يبوح لها بسره إذا أراد أن يستمر في رؤيتها، يرفض في بداية الأمر أن يشرح قصته، غير أن تعلقه بريجين وإصرارها جعله يرضخ للأمر الواقع في نهاية الأمر.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
سعود سالم ( 2022 / 5 / 30 - 15:22 )
مجلة الأزمنة الحديثة أسستها سيمون دو بوفوار وسارتر مع موريس ميرلوبونتي بعد الحرب العالمية الثانية، وليس الأولى كما ورد سهوا في المقال،
١-;-٩-;-٤-;-٥-;-وقد نشر أول عدد منها في أكتوبر

اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف