الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد السياسي الماركسي كعلم - هاجيمي كاواكامي

عمرو عاشور

2022 / 5 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ترجمة: عمرو عاشور
1-مهمة العلم - حول جوهر الأشياء وأشكالها الظاهرية -

عُقد انتخاب عام مؤخراً في اليابان. وفقاً لاستطلاع أجرته وزارة الشرطة، فمن بين مجموع 9.58 مليون صوت شرعي، تلقت الأحزاب البروليتارية 470,000 صوتاً. ما عني أن 95% من الموطنين دعموا الأحزاب البرجوازية، و5% فقط دعمت الأحزاب البروليتارية.
هنا نرى انعكاس مناقض تماماً لحالة المجتمع الواقعية. الأحزاب السياسية الممثلة للمُلاك العقاريين الأثرياء والكبار، تعد أقلية صغيرة -بالكاد 5% من السكان-، كانت قادرة على الحصول على 95% من الأصوات. بينما تمكنت الأحزاب الممثلة لغير الأثرياء، والذين يشكلون 95% من السكان، فقط على الحصول على 5% من مجمل الأصوات. تلك النتيجة راجعة لامتلاك الجماهير لوعي مناقض لجوهر الواقع.
هدف أي علم هو السير خلافاً للحس العام السائد. لن نحتاج كثيراً للعلم، لو تمكن رجل الشارع من فهم الشيء بوسائل التفكير البسيط الذي لا يعتمد على البحث العلمي. ولكن ما يعتقده رجل الشارع هو مناقض غالباً لجوهر الواقع، جاعلاً من الضرورة قلب ذلك الفكر بوسائل البحث العلمي للمادة المحددة. ما يعني أن العلم موجه للنضال ضد الحس العام، فالشخص الشجاع فقط هو من يستطيع أن يكون عالماً حقيقياً.
دعوني أعرض مثالاً واحداً سهل الفهم. تدور الأرض حول الشمس أثناء دورانها حول محورها -وليس العكس- ولكن لأعيننا، تظهر الشمس كأنها تدور حول الأرض. ما ينعكس في مجال رؤيتنا هو ظهور الشمس كل صباح في الشرق، ثم اتجاهها مساءاً ناحية الغرب. بهذ الشكل، لم يعتقد أحد أن الكوكب الذي نسكنه يتحرك. وعي الذين تلقفوا ذلك المظهر الخارجي، وهو الشكل الذي الذي يظهر للعين المجردة، هو في الواقع مناقض لجوهر (أو حقيقة) المادة. كان هذا مصدر الخطأ، والذي شكل حاجزاً هائلاً للتطور الثقافي.
هاك مثالاً آخر. الرجل الذي يحتسي القليل من المشروبات الكحولية يتحول لون وجهه إلى الأحمر، ويمكن، حتى في الشتاء، أن يشعر بالدفئ الكافي لنزع ملابسه، أو فتح النافذة. لو رأى ذلك شخص آخر، سيظن أن جسد الرجل دافئ. في الواقع، مع ذلك، تنخفض درجة حرارة جسد الشخص بعد احتساء الكحول، كما أثبت ذلك المختصون، ويمكننا إثبات ذلك ببساطة باستخدام مقياساً للحرارة. يشعر السكير بالدفئ لأن الكحول يضعف الأعصاب التي تستقبل البرد. في بشرتنا، توجد أعصاب تستقبل البرد. وتلك الأعصاب تقوم بدور الموصل الذي يخبر الدماغ بحقيقة نفاذ الهواء البارد. ولكن عند احتساء القليل من الكحوليات، تخمل تلك الموصلات تدريجياً، لذلك، فعند انخفاض درجة حرارة الجسم تدريجياً، لا يصل أمر التصرف حيال ذلك إلى مركز الدماغ، ويبدأ السكير بالشعور بالدفئ تدريجاً بالرغم من انخفاض درجة حرارة جسمه، بسبب ضعف احساسه بالبرد.
لا يخبرنا العلم بإمكانية تناقض جوهر المادة مع شكلها الظاهري فقط، بل ويوضح أيضاً لماذا يحوز الجوهر على ظاهر مناقض له. بجانب إخبارنا أن الأرض، وليست الشمس، هي من تتحرك. فهو يفسر أيضاً لماذا ترى أعيننا حركة الشمس بدلاً من الأرض. (تلك هي الوحدة الجدلية بين الجوهر والظاهر).
قد يظن الذين يقودون الأحزاب السياسية أنهم يسعون لمصالح الوطن ورفاهية الناس، ولكن، لا يمكننا الحكم عليهم بناءاً على ما يظنونه في أنفسهم. الشخص الذي يظن نفسه صالحاً، ليس دائماً هكذا. وحتى السكير الذي يظن نفسه دافئاً، يمتلك جسده درجة حرارة منخفضة. قد يوجد العديد من الأشخاص الذين يرون الأحزاب السياسية كراعي لمصالحهم. ولكن هذا ليس مختلفاً عن السكير الذي يظن نفسه دافئاً، أو الشمس التي تظهر في الشرق وتختفي في الغرب.
لو قال شخص ما أن الشمس تتحرك، فإنها باالتأكيد كذلك في نظره، وهذا تفسير يجده الناس سهلاً، مثل فكرة زيادة الكحوليات لدرجة حرارة الجسد.
هذا يجعل من خداع الناس أمراً سهلاً. من السهل الكذب، في حين أن التفسير الصحيح معقد. وعندما ينشر الذين يملكون سلطة الدولة والمال في أيديهم الأكاذيب بحرية، يصبح من الصعب على الشخص الذي يفتقر لتلك السلطة، توضيح الحقيقة للآخرين في ظل ظروف من التضييق الشديد على الخطاب الشخصي.
تلك هي الأسباب التي تخلق الوضع الذي تحوز فيه الاحزاب الحاكمة، بالرغم من تمثيلها للمُلاك العقاريين الأثرياء والكبار والذين يمثلون 5% من السكان، الأغلبية الساحقة من الأصوات، 95%، في الانتخابات العامة الأخيرة. بينما حازت الأحزاب الممثلة لغير المالكين، حوالي 95% من السكان، على 5% فقط. تقيم تلك الأحزاب قاعدتها الانتخابية على الجماهير الخاملة، فريسة الوهم، والتي تدرك الواقع بشكل مناقض للحقيقة.
سواء كانت ظاهرة طبيعية أو اجتماعية، هناك دائماً أوهام مناقضة لجوهر المادة. يعد العلم ثورياً فيما يتعلق بكشف تلك الأوهام. كان كشف حقيقة دوران الشمس حول الأرض، وإدراك دوران الأرض نفسها، مهمة ثورية. وما حققه ماركس أيضاً في الاقتصاد السياسي، مهمة ثورية.
تهتم السلطة السياسية الحاكمة، بالطبع، باستغلال أوهام من يفكروا بمعايير مناقضة لحقيقة الشيء. وتلك السلطة تهتم بشدة بالإبقاء على، وتطوير تلك الحالة الراهنة. لذلك، تُسخر كل أداة متاحة لتلك الغاية، وذلك يتضمن المدارس، جماعات الشباب، المنظمات الدينية، الصحف، المجلات، الكتب، وهكذا. في الانتخابات الأخيرة كذلك، ألقى العديد من أعضاء الأحزاب الحاكمة خُطَباً متوالية، ومن منابر لا تُحصى، لتحقيق تلك الغاية. كما ذُكر في الكتاب الأول من >، (بحث في السياسة البروليتارية)، "عند إخفاء أسباب المشاكل، وعند عجز الناس عن مجابهة تلك الأسباب، يستحيل عليهم استخدام سلطتهم لتغيير الوضع". وهذا يلائم تماماً الطبقة الحاكمة. لذلك، فالسلطة الحاكمة دائما ما تعادي العلم الجديد. في الانتخابات الأخيرة، كما يعلم القارئ من مقالات الجرائد، وٌضعت قيود على خطابُنا، ولمسته شخصياً في العديد من الأحداث.
العلم الجديد يمكن أن يطور نفسه فقط بالاشتباك في صراع ضد القوى الحاكمة. الباحثون الذين أعلنوا في الماضي أن الأرض، وليست الشمس، هي من تتحرك، وُضعوا في السجن. نبذ باحثون فكرة ثبات الكوكب الذي نعيش عليه، وأوضحوا أن الأرض قادرة على الحركة، وتتحرك بالفعل، ما جلب الرعب وقتئذ للطبقات الحاكمة. لذلك فمن يسعى اليوم لفعل شيء مماثل بخصوص الظواهر الاجتماعية -وهو مجال يحدث فيه تفاعل مباشر بين مصالح الناس- يُجابه بوابل من النقد، والاِفتراء، وسوء الفهم، والضغط، وخلافه. ويجب أن يكون مستعداً لذلك. كما كتب ماركس:
إن البحث العلمي الحر في ميدان الاقتصاد السياسي، يلاقي من الأعداء أكثر مما يلاقيه في أي ميدان آخر. فالطابع الخاص للمادة التي يعالجها، يستثير ضده ويجر إلى ساحة المعركة أعنف أهواء القلب البشري، وأكثرها دناءة ومقتاً؛ إنها ضراوات المصلحة الخاصة.(1)
"الهدف الجوهري" لكتاب رأس المال، كما كتب ماركس في مقدمة الطبعة الألمانية الأولى، هو "كشف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع المعاصر". القانون الاقتصادي المذكور، مماثل للقانون الفيزيائي الحاكم لحركة الأرض. مثلما اعتقد الناس سابقاً بثبات الكوكب الذي نسكنه، يُذعن الناس اليوم لفكرة ثبات التنظيم الاجتماعي الحديث الذي يعيشون فيه. ولكن رأس المال يخبرنا أن ما يظهر كشيء ثابت، قادر على الحركة، وهو يتحرك بالفعل. هذا يكشف "القوانين الخاصة، المنظمة لأصل، ووجود، وزوال نظام اجتماعي محدد، وحلول نظام آخر أكثر تطوراً محله". رأس المال هو كتب يوقظ المقموعين من سباتهم القائم على الأوهام، ويوضح لهم أسباب مشاكلهم، ويشير أيضاً لإمكانية، ومسار إزالة تلك المشاكل، وبالتالي، يغرس فيهم الأمل ومسار تحريرهم الذاتي. باختصار، رأس المال هو كتاب شديد الأهمية للثورة.(2)
لا حاجة هنا للإسهاب عن نتائج الفعل البشري القائم على المعرفة العلمية. اعتقد أسلافنا أن الرعد هو غضب الآلهة. ولكن اليوم، نتيجة البحث العلمي عن الكهرباء، لا نعلم فقط أن ذلك ليس أكثر من صوت الكهرباء المنبعث في السماء، ولكن ذلك الشبح الغاضب سابقاً تحول أيضاً إلى شيء خاضع ومطيع يُستخدم في التلغراف، والهواتف، والإضاءات، والقطارات، إلخ، ومن أجل تزويد المروحة بالكهرباء لتوليد الهواء، أو المدفأة الكهربائية لتدفئة الغرف في الشتاء. باختصار، تقدم العلم حَوَلَّ ما كان يُعد شيئاً مرعباً إلى نقيضه: شيء شديد النفع. لذلك، لكي يحصل الاقتصاد السياسي على لقب "العلم"، يجب أن يكون قادراً على تقديم المبادئ الموجهة لتحويل الجماهير العاجزة، المنغمسة في متاعبها، إلى نقيضها -جماهير قوية وتحظى بحياة سعيدة. وكتاب ماركس يملك بالفعل تلك القيمة.

2-كشف قوانين الحركة الخاصة بداخل المجتمع الرأسمالي
"الاقتصاديون المبتذلون"، هم أولئك الذين لا يستحقون أن يكونوا باحثين. يُطلق عليهم ذلك لكونهم يقعون في نفس مستوى فكر رجل الشارع. متأثرين تماماً بالأشكال الظاهرية، هم لا يسعون لتلقف جوهر المادة. على سبيل المثال، عند ظهور الشمس كأنها تتحرك من الشرق للغرب، هذا هو الشكل الظاهري والمنعكس في أعيننا، لا يفعل الباحث المبتذل أكثر من وصف ذلك الشكل الظاهري -جاعلاً منه منمقاً باستخدام المصطلحات المدرسية- بدون أن يخطو خطوة إضافية بعد ذلك. "ثقافتهم" لا تتعدي أكثر من مجرد وضع عناصر الحس العام بجانب بعضها. وبهذا، لو تبين سهولة أفكارهم، فهي بدون فائدة. أولئك الباحثون، غني عن القول، يتواجدون في بلدان عديدة، مثل المدرسة التاريخية للاقتصاد السياسي في ألمانيا، أو المدرسة النفسية في النمسا. تلك المدرستين متطابقتين جوهرياً، ولكن متعارضين سطحياً، مثل حزبي سيوكاي ومينسي المتنافسين في اليابان، بالرغم من كون كلاهما أحزاب سياسية برجوازية. منهج المدرستين مختلف. فالأولى، تهتم بالحقائق بدلاً من توضيح القوانين (بالتالي، تهمل الغابة من أجل الأشجار). بينما الثانية، تضع القوانين المجردة محل القوانين الخاصة للمجتمع الرأسمالي. إلا أن المدرستين متفقتين في نبذ القوانين الخاصة للمجتمع الرأسمالي. وهكذا، فمثل اكتشاف مؤسس المدرسة التاريخية، ويلهلم روشر، للتراكم البدائي لرأس المال بين الشعوب البدائية التي تلتقط السمك بأيديها، ينظر بوهيم بافريك، من المدرسة النفسية، يرى خصائص الانتاج الرأسمالي في مثال المياه التي نحصل عليها عن طريق أنبوب الخيرزان. كلتا المدرستين متطابقتين بخصوص تحويل مفهوم رأس المال إلى شيء عام، ومجرد، وخارجي.
ماركس، وعلى النقيض، يحاول في رأس المال كشف القوانين التاريخية الخاصة للمجتمع المعاصر، (المجتمع الرأسمالي). بصدد هذا، يمكننا إيجاد الفقرة التالية في ملحق للطبعة الثانية من هذا العمل:
سيُقال... أن القوانين العامة للحياة الاقتصادية واحدة، مهما طُبقت على الحاضر أو الماضي. ولكن هذا بالضبط ما ينكره ماركس. وفقاً له، مثل تلك القوانين المجردة لا توجد...على النقيض، في رأيه، تحوز كل مرحلة تاريخية قوانينها الخاصة... بمجرد تخطي الحياة لمرحلة محددة من التطور، وانتقالها أيضاً من مرحلة لأخرى، تبدأ بالخضوع لقوانين أخرى...أساء الاقتصاديون القدامي فهم طبيعة القوانين الاقتصادية لمطابقة تلك القوانين بقوانين الفيزياء والكيمياء. التحليل العميق للظاهرة يظهر أن النظم الاجتماعية تختلف فيما بينها بشكل أساسي كالنباتات أو الحيوانات.(3)

على سبيل المثال، الأنظمة الاجتماعية المتعددة للمجتمع العبودي، والإقطاعي، والرأسمالي، غير متكافئين من وجهة نظر الطفولة، والبلوغ، والرشد للكائن الحي. إنما هم ثلاث كائنات حية مختلفة بالكامل، مثل الاختلاف بين الثعبان والكلب والإنسان. لا يتسطيع الإنسان أن يتطور ليصبح كلباً، مثلما لا يستطيع الكلب أن يتطور ليصبح بشراً. كلا منهم كائن حي مختلف جوهرياً، وبالتالي " تُوضع نفس الظاهرة تحت قوانين مختلفة إلى حد كبير، بسبب البنية العامة المختلفة لتلك الأنظمة، واختلاف الأعضاء الفردية لكل منهم، والظروف المختلفة التي تعمل فيها تلك الأعضاء."(4)
في مقدمته لكتاب >، (الغروندريسه)، لاحظ ماركس:-
بالرغم من فعالية مقولات الاقتصاد السياسي البرجوازي لكل من الأنماط الأخرى للمجتمع، إلا أنه يجب النظر لذلك بشيء من التحفظ. فتلك القوانين يمكن أن تكون فعالة بشكل كافي، أو غير ناجز، أو كاريكاتوري، إلخ. لكن دائماً مع وجود فرق جوهري. ما يُدعى بالتمثيل التاريخي للتطور مُقام، كقاعدة عامة، على واقع اعتبار النمط النهائي للأنماط السابقة عليه كخطوات مؤدية له، وبالتالي، منذ أنها قادرة وتحت ظروف محددة فقط على انتقاد نفسها -تاركة ورائها، بالطبع، الفترات التاريخية، والتي تظهر لها كأزمنة انحطاط- فهي تنظر لها دائماً بشكل أحادي.(5)

طالما اعتقد المرء أن المجتمع الذي يعيش فيه هو الشكل النهائي للمجتمع، فلن تظهر الأنماط الاجتماعية السابقة إلا كوسائل لبلوغ ذلك الهدف، بالتالي تفقد وجودها المستقل. الأنماط الاجتماعية السابقة لا تظهر كأنها في تعارض مع هذا النمط النهائي، ولكن بالأحرى خاضعة له. هذا بالتالي يستبعد الفهم الشامل لأنماط الماضي. هذا هو سبب "نظر الأنماط الاجتماعية الأخيرة للأنماط السابقة عليها كخطوات مؤدية لها" و"رؤيتها دائما من منظور أحادي الجانب."
وهكذا، كما وضح ماركس في رأس المال، لا يمكن التغاضي عن القوانين المحددة للمجتمع الرأسمالي.
بالتالي يقول ماركس: "ما سأضطر لبحثه في هذا الكتاب هو نمط الانتاج الرأسمالي، وعلاقات الانتاج، وأشكال العلاقات المتوافقة معها"(6). آلية الانتاج الرأسمالي، كما سأوضحها الآن، هي آلية الانتاج التي يوظف فيها الرأسماليون العديد من العمال المأجورين، ويصادرون ناتج عمل العمال مقابل الأجر. المجتمع التي تصبح فيه تلك الآلية هي السلطة المهيمنة هو المجتمع الذي "يسود فيه نمط الانتاج الرأسمالي"، أو ببساطة، المجتمع الرأسمالي.
رأس المال يوضح القوانين المحددة لذلك المجتمع الرأسمالي. بالرغم من ذلك، يجب ملاحظة أن المجتمع الرأسمالي الخالص لم يوجد بعد، ولا يستطيع أن يوجد. بداخل المجتمع الفعلي، بالتالي -بغض النظر عن درجة التطور الرأسمالي المتحققة- سيوجد دائماً جزء ينتمي للأشكال الاجتماعية السالفة، "موجودة كبقايا من الماضي، لم تُزال بعد". وغني عن القول، نظرية ماركس في رأس المال لا يمكن تطبيقها بشكل مباشر على بقايا الماضي تلك.
نسبة سكان القرى الريفية في اليابان، وفقاً لإحصائية عام 1921، تصل إلى48.2% من كامل السكان، ولكن معظم الزراعة في تلك القرى لا يزال يتم بدون أساليب الانتاج الرأسمالي، بالتالي ليست زراعة رأسمالية. ما يعني أن نظرية ريع الأرض الرأسمالية الذي وضعها ماركس في رأس المال غير صالحة لإيجار المزرعة (كوساكيورو)، الذي يدفعه المزارعون المستأجرون في اليابان. وضح موراياما توشيمو هذا بالفعل في <<الماركسية ومسائل الزراعة>>، حيث كتب فيه:
"في اليابان، حيث ريع المستأجر المدفوع عينياً هو الشكل المهيمن لريع الأرض. نشأت المناقشات الخاظئة المطروحة من جانب من أهملوا تلك الحقيقة، وبدلاً من ذلك، حاولوا تطبيق نظرية ماركس لريع الأرض على ريع المستأجر في اليابان. يمكن رؤية هذا، على سبيل المثال، في أعمال موتويوكي تاكاباتاكي، سينتارو كيتاورا، وآخرون."

3- نقطة الانطلاق المادية (الظاهرة الخارجية كنقطة انطلاق للبحث – السلعة كخلية للمجتمع الرأسمالي).
يُبذل كل جهد، ومن كل اتجاه، لمنع أولئك الغارقين في المتاعب من تحديد مصدر متاعبهم. لو قاومنا ذلك الارتباك، وحددنا الحقيقة، سنكتشف أن مصدر المتاعب ليس صغر مساحة الأرض، أو ضخامة عدد السكان، أو استبداد الأجانب، أو جهلنا. يمكن تعقب ذلك المصدر إلى تنظيم المجتمع. وسنكتشف أيضاً أنه لو أردنا إنهاء تلك المشاكل، فلا نملك خياراً آخر سوى تثوير ذلك التنظيم جوهرياً.
أولاً وقبل كل شيء، يجب معرفة، بأكبر دقة ممكنة، ما هي بالتحديد بنية العالم الذي نسكنه، ووجهة مساره.
لو أردنا معرفة ذلك بالتحديد، يجب أن يكون منهج إدراكنا صائباً. وذلك المنهج الصائب هو المادية الجدلية. أود هنا أولاً قول كلمة عن وجهة النظر المادية. ثم سأتعامل لاحقاً باختصار مع طبيعة الفهم الجدلي.
ما هي الآلية الاقتصادية للعالم الذي نعيش فيه؟ لو كُنا مثاليين، لأغلقنا أعيننا وتأملنا عند التعرض لتلك المسألة. ولكننا ماديين، ونؤمن بأن المنهج المادي للمعرفة سيمُدنا بفهم صائب -فهم موضوعي وعلمي- لذلك، نبدأ بفتح أعيننا، والنظر للظاهرة المحيطة بنا. لا سبيل لتجنب التأثر بالأشكال الظاهرية التي تظهر أمام أعيننا، ولكن بحثنا يجب أن يبدا بتلك الظواهر. الظواهر الخارجية كما تظهر أمام أعيننا. نقطة انطلاقنا يجب أن تكون ما ينعكس في أعين الجميع، ما سيتفق الجميع أيضاً على رؤيته، الحقائق الواضحة والمفروغ منها، والتي ترضي الجميع. نستطيع أن نعول على ذلك البحث، لأن نقطة الانطلاق هي الظواهر الخارجية. لو، بدلاً من ذلك، بدأنا بما نعتقده داخل قلوبنا، حتى لو ثُبت صوابه، سيكون الأمر مُلتبساً. إذا كانت تلك هي القضية بالأساس. ولو أراد المرء إقناع الآخرين، سيتطلب الأمر بعض الأدلة الإضافية، ما يعني أن النقاش سيتمخض عن أسلوب عشوائي، وكامل البحث سينتهي بشكل خاطئ.
لذلك، نبدأ من الحقائق الواضحة القادرة على إرضاء الجميع. في ملحق للطبعة الألمانية الثانية لرأس المال، توجد الفقرة التالية التي اقتبسها ماركس من مراجعة لكتابه:
"يعامل ماركس الحركة الاجتماعية كعملية للتاريخ الطبيعي، محكومة بقوانين، ليست مستقلة فقط عن إرادة الإنسان، ووعيه ومعرفته، ولكن بالأحرى، وعلى النقيض، تحدد تلك الإرادة والمعرفة والوعي... بما أن عنصر الوعي يلعب دوراً ثانوياً في تاريخ الحضارة، لذا، يصبح بديهياً أن أي بحث نقدي موضوعه الحضارة لا يمكن أن يجعل الوعي، أو أي نتيجة له، نقطة انطلاق له. فليست الفكرة، بل الظاهرة المادية وحدها قادرة على تقديم نقطة الانطلاق.(9)"
حياتنا الاقتصادية تظهر في أعين الناس كحقائق واضحة. لكي تعيش، نحن نعلم أن العمل يجب أن يُوجه صوب العالم الطبيعي الخارجي لانتاج الغذاء والملبس والمأوى، بجانب الأشياء الأخرى. في رسالة إلى لودفيغ كوجلمان، كُتبت في 11 يوليو 1868، كتب ماركس:
"أي طفل يعلم أنه لو توقفت أي أمة عن العمل، ليس لعام، ولكن دعونا نقول، لمجرد بضعة أسابيع، ستضمحل. وكل طفل يعلم أيضاً أن مقدار المنتجات المتوافقة مع الاحتياجات المختلفة يتطلب مقادير محددة كمياً، ومختلفة من العمل الإجمالي للمجتمع. بديهياً، لا يمكن لشكل محدد من الانتاج الاجتماعي القضاء على ضرورة توزيع العمل الاجتماعي بمقادير محددة، يمكن فقط أن يغير من شكلها. لا يمكن القضاء على القوناين الطبيعية. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتغير، في ظل الظروف التاريخية المختلفة، هو الشكل الذي تبرز تلك القوانين من خلاله."(10)
هذا يعني أنه لكي يعيش البشر، يجب أن ينتجوا الأشياء بالعمل. لذا، لو توقف مثل ذلك العمل، حتى لو أقل من عام، سيتوقف كل إنسان أيضاً عن الوجود. وأيضاً، لأن البشر لديهم احتياجات عديدة، فعمل المجتمع ككل يجب أن يُوزع على كل قطاع انتاجي بنسبة محددة لانتاج المنتجات العديدة المتوافقة مع تلك الاحتياجات. هذا قانون طبيعي صالح لأي تنظيم اجتماعي طالما هنا أُناس يعيشون على هذا الكوكب. التغير الذي يحدث بين التنظيمات الاجتماعية المختلفة يتضمن الشكل الظاهري الذي يعبر ذلك القانون الطيبعي عن نفسه من خلاله. كل هذا، باقتباس ماركس، بديهي حتى لطفل. في مجتمع اليوم أيضاً، يجب أن يُبذل العمل بشكل مستمر لانتاج الأشياء الضرورية للإبقاء على حيواتنا. وإجمالي عمل المجتمع ذلك، يجب توزيعه على القطاعات الانتاجية التي تقوم بصناعة الصلب، وبناء السفن، والغزل، وانتاج النسيج، والزراعة، والتعدين، إلخ. إلا أن كل المنتجات المصنعة تُنتج كسلع، بحيث أن الانتاج الاجتماعي يتم من خلال نمط الانتاج السلعي. ما يعني أنه في مجتمع اليوم، يعبر القانون المذكور سابقاً عن نفسه تحديداً من خلال الانتاج السلعي.
هذا يفسر لماذا كتب ماركس، في بداية رأس المال: "تظهر ثروة المجتمعات التي يسود فيها نمط الانتاج الرأسمالي كتراكم هائل للسلع، وتظهر السلعة الفردية كخليتها الأولية."
تلك أيضاً ظاهرة خارجية تظهر لكل شخص يعيش اليوم، حتى الطفل يعي ذلك. بدلاً من انتاج ما يحتاجه المرء لعائلته، يستطيع المرء، عن طريق دفع المال، امتلاك عمل الآخرون (المجتمع)، وبأشكال متنوعة وكميات لا نهائية. ولكن كل شيء يتخذ شكل السلعة. هذا هو سبب "تمثل ثروة المجتمعات التي يسود فيها نمط الانتاج الرأسمالي في التراكم الهائل للسلع". نقول "عدد هائل من السلع" لأن كل، وأي شيء يصبح سلعة. لذلك، يمكن الحصول على أي شيء لو دُفع المال مقابله، وكل منتج بلا استثناء موجود كسلعة. ولكن لم تلك دائماً القضية. عندما كان الانتاج السلعي غير متطور بالشكل الكافي، لم يوجد أحد ليُشترى منه حتى لو أراد المرء شراء شيئاً ما، تاركاً ذلك الشخص بدون خيار سوى الانتاج من أجل استهلاكه. ولكن بمجرد هيمنة نمط الانتاج الرأسمالي تدريجاً، بدأت أعداد كبيرة من المنتجات باتخاذ الشكل السلعي، يمكن فهم هذا لو انتقلنا من ريف اليابان إلى المدينة. في المناطق الريفية، حيث لم ينفذ الانتاج الرأسمالي بالشكل الكافي بعد، يستطيع المرء أن يعيش إلى حد كبير بدون المال. ولكن في المدينة، حيث يهيمن الانتاج الرأسمالي، يضطر المرء لدفع المال مقابل كل شيء تقريباً. وكل شيء يمكن شراؤه، بشرط دفع المال. لو تجولنا في أقرب متجر، لرأينا مباشرة "حشد السلع".
بهذا الشكل، تظهر ثروة المجتمع الرأسمالي ك"تراكم هائل من السلع"، والسلعة الفردية هي خلية تلك الثروة الاجتماعية. كما يتكون الجسم البشري من عدد لا نهائي من الخلايا الفردية، تتكون ثروة المجتمع الرأسمالي من عدد لا نهائي من السلع الفردية. هذا شيء يمكن للجميع رؤيته بوضوح أيضاً. لو توجه شخص للمدينة لإقتناء شيء يريده، سيجد الشيء وبه ثمن مرفق به، وإن لم يجد ذلك، سيخبره موظف المبيعات بثمنه. على أية حال، فالأمر واضح لكل شخص، أن كل شيء على أرفف المتجر هو سلعة. لذلك قال ماركس أن السلعة الفردية تظهر ك"شكل أولي" لثروة المجتمع الرأسمالي. كلمة "تظهر" هنا تعني أنها تنعكس في أعيننا كظاهرة خارجية، أو شكل ظاهري. ذلك الشكل الظاهري هو نقطة انطلاق رأس المال.
النقاط السابقة يمكن توضيحها بالشكل التالي:
المسألة التي نتعامل معها هنا هي طبيعة الآلية الاقتصادية للعالم الذي نعيش فيه. لو نظرنا لذلك العالم، يمكننا رؤية العلاقات الاقتصادية بين الناس في المجتمع المعاصر واكتشاف علاقة التبادل بين سلعة وأخرى. طالما نحن عاجزون عن البقاء بدون إقتناء ما ينتجه الآخرون، كل شيء يحتاجه الناس (خصوصاً من يعيشون في المدن) -والذي يتضمن الأرز، الميسو، صلصة الصويا، السمك، اللحم، اللبن، الخضراوات، والأطعمة الأخرى، بجانب الملابس، الأجهزة، الصحف، الأقلام، الحبر، وهكذا- ينتجه الآخرون. الأشياء المسروقة أو المجانية تشكل استثناء نادر. كقاعدة، يجب شراء الأشياء مقابل مبلغ محدد من المال. ولهذا يوجد علاقات تبادل لا نهائية بين الناس، ومجموع علاقات التبادل تلك يشكل البنية الاقتصادية لمجتمع اليوم.
لذلك، من وجهة النظر تلك، تظهر البنية الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي ك"تراكم هائل" لعلاقات التبادل، ويمكن القول أن علاقة التبادل الفردية هي "الشكل الأولي" لها. وفقاً للينين، التبادل السلعي هو العلاقة الأبسط، والأكثر اعتيادية، وجوهرية، وشيوعياً للمجتمع البرجوازي (السلعي)، علاقة تحدث مليارات المرات، باختصار، هي "خلية" المجتمع الرأسمالي.
بإيجاز، لا يجب أن يبدأ بحثنا مباشرة بالأشياء المعقدة. بدلاً من ذلك، يجب أن ننتقل تدريجياً من أبسط الأشياء إلى أكثرها تعقيداً. لهذا قال ماركس: "لذلك، يبدأ بحثنا بتحليل السلعة".

4- نظرة جدلية (تحليل السلعة يكشف محل كل تناقض للمجتمع الرأسمالي).
أود أن أقول كلمة عن الوعي الجدلي.
في المجتمع المعاصر، غني عن القول، تظهر مجموعة من التناقضات من اتجاهات مختلفة. يمكن أن أشير، بمثال واحد، لمقالة رأيتها صدفة في جريدة أوساكا مينشي (2 مارس 1928):
تعاني شركات الكهرباء بوضوح من فائض الكهرباء، زاعمين احتمال توقف الانتاج إلا إذا وُضع حد له. هذا لا يحتمل. أين تحديداً فائض الكهرباء المزعوم ذلك؟ تُنقل الكهرباء، الفائضة زعماً، بواسطة الأسلاك، ولكنها لا تصل إلى معظم المستخدمين الأساسيين. من بين كل أنواع الوقود، التدفئة الكهربائية هي الأكثر ملائمة، ولكنها الأغلى وبالتالي الأقل استخداماً. نضطر لاستخدام إضاءة كهربائية شديدة الخفوت. في الأجزاء الجبلية من البلاد، والمليئة بالأنفاق، لا تزال القطارات تستخدم الفحم الذي يولد كميات كبيرة من السناج. بالرغم من بناء السكك الحديدية لأسباب سياسية، حيث لا يوجد ركاب أو أمتعة لنقلها، فلا نزال نسمع من يتكلم عن استخدام فائض الكهرباء لكهربة السكك الحديدية. غالباً ما نرى إعلانات عن كهربة المنازل ونمط الحياة العصري، يدرك الجميع أهمية ذلك ولكنه غير متاح. والآن، هل يوجد شيء غير معقول أكثر من وجود فائض كهرباء أو المناداة بتقليل الانتاج؟ هذا يعني أن الآلات التي صُنعت لن تُستخدم، في حين تتساقط المياه من الشلالات للمحيط بدون استغلال. يالها من خسارة! وشركات الكهرباء، بالرغم من ذلك الهدر، لا تزال تبيع الكهرباء بسعر مرتفع، وبالتالي تمنع تحقيق نمط الحياة الحديث، وتتحدث فقط عن فائض الكهرباء.
هنا، نملك مثالاً يفسر وقوع العديد من الناس في الفقر برغم وجود الثروة. لا تصل الكهرباء للمستخدم. بيد أن شركات الكهرباء تعاني من فائض الانتاج. لو لم يكن هذا تناقضاً، ماذا ينبغي أن ندعوه إذن؟ علاوة على ذلك، لحل هذا التناقض، تسعى شركات الكهرباء لتخفيض الانتاج. هذا يعني أن المنشأة التي تحلمنا المتاعب لبنائها لن تُستخدم. وبدون ذلك التخفيض لن تستطيع تلك الشركات مواصلة الانتاج. في ظل المجتمع المعاصر، ذلك التناقض لا يحل إلا بتخفيض الانتاج، أي، بتعطيل القوى المنتجة، وتعمد منع أي زيادة في انتاج الثروة. هذا يعني بوضوح الصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج، مشيراً إلى أن علاقات الانتاج الحالية (العلاقات الاجتماعية أو آلية عمل المجتمع)، قد أصبحت بالفعل عائق لأي تطوير إضافي للقوى المنتجة.
كيف نشأ مثل ذلك التناقض؟ يجيب لينين:
انقسام الواحد، ووعي أجزائه المتناقضة هو جوهر الديالكتيك... تماثل الأضداد (ربما سيكون من الدقة قول "وحدتها")، هو وعي (اكتشاف) الميول المتناقضة، والمتضادة، والمتعارضة لكل ظواهر وعمليات الطبيعة (من ضمنها العقل والمجتمع). معرفة كل عمليات العالم في "حركتها الذاتية"، وفي تطورها العفوي، وفي واقعها، هو النظر إليها كوحدة من المتناقضات. (11)
ويضيف:
في رأس المال، يحلل ماركس أولاً العلاقة الأكثر بساطة، واعتيادية، وجوهرية، وشيوعاً للمجتمع البرجوازي (السلعي)، علاقة تحدث مليارات المرات، أي، تبادل السلع. في تلك الظاهرة شديدة البساطة (في تلك "الخلية" للمجتمع البرجوازي) يظهر التحليل كل تناقضات (أو أصل كل تناقضات) المجتمع المعاصر. التفسير اللاحق يظهر لنا تطور (تطور ونمو) تلك التناقضات وتطور ذلك المجتمع في مجموع أجزاءه المفردة، من البداية للنهاية.(12)
هذا العرض البسيط للينين يوضح بشكل كافي طبيعة النظرة الجدلية في الاقتصاد السياسي.
يجب تحليل السلعة ك"شكل أولي" لثروة المجتمع الرأسمالي -والسلعة ك"خلية" وجزء مكون أساسي للمجتمع الرأسمالي- أولاً، كما قيل سابقاً، ولكن هذا التحليل يسعى لتقسيم السلعة إلى أجزائها المتناقضة.
بمجرد اكتشاف احتواء السلعة على تناقض، يمكن وعي حركة السلعة كحركة ذاتية، لأن التناقض هو أصل الحركة. الحركة الذاتية هنا تعني أن تلك الحركة لا تعتمد على شيء آخر، ولكنها بالأحرى حركة تملك قوة محركة خاصة بها. فقط بوعي حركة الشيء في ذلك المنحى يمكننا الوصول إلى فهم جوهري. هذا لأنه إذا لم يحتوي الشيء نفسه على القوى المحركة، ولكن وجدناها بداخل شيئ آخر، ستتعقب دراستنا ذلك الشيء الآخر، وبالتالي سنحقق الهدف الأساسي.
المتناقضات الرئيسية داخل السلعة هي القيمة الاستعمالية والقيمة. يجب أن تكون السلعة ذات نفع للناس، أي يجب أن تكون قيمة استعمالية أو ثروة مادية. في نفس الوقت، كل سلعة تملك ثمن محدد، مثل معادلة العملة اليابانية للذهب. القيمة المتضمنة في السلعة يُعبر عنها بالمال. لذلك فالسلعة ثنائية الطابع -قيمة استعمالية من جهة وقيمة من الجهة الأخرى.
القيمة الاستعمالية نتيجة القوى المنتجة، ولكن القيمة هي المعبرة عن علاقات الانتاج. السلعة هي وحدة المتناقضات (القيمة الاستعمالية والقيمة)، والسلعة تحتوي على ذلك التناقض الجوهري. تتضمن السلعة تناقض (وجوهر كل تناقض) لمجتمع الانتاج السلعي -والمجتمع الرأسمالي كشكل أكثر تطوراً للانتاج السلعي.
حقيقة تخفيض شركات الكهرباء للانتاج، بالرغم من توصيل الكهرباء لمن يحتاجها، هو نتيجة لانتاج الكهرباء كسلعة. لو أُنتجت فوق نقطة محددة، تُدمر الوحدة بين القيمة الاستعمالية والقيمة. تحت هذا يقع سبب أساسي، وهو التعارض بين القوى المنتجة للمجتمع الرأسمالي وعلاقات انتاجه.
في مقدمته لكتاب <<إسهام في نقد الاقتصاد السياسي>>، عرض ماركس الاستنتاج العام لبحثه:
في الانتاج الاجتماعي، يدخل البشر في علاقات مستقلة عن إرادتهم، أي علاقات الانتاج، والملائمة لمرحلة محددة من تطور قوى الانتاج المادية. مجموع علاقات الانتاج تلك تشكل البنية الاقتصادية للمجتمع، الأساس الحقيقي، وعليه يقوم البناء الفوقي القانوني والسياسي، ويقابله أشكال محددة من الوعي الاجتماعي. نمط انتاج الحياة المادية يحدد المجرى العام للحياة الاجتماعية، والسياسية، والفكرية. ليس وعي البشر هو ما يحدد وجودهم، ولكن الوجود الاجتماعي هو ما يحدد وعيهم. عند مرحلة محددة من التطور، تتعارض قوى الانتاج المادية للمجتمع مع علاقات الانتاج الموجودة أو -هذا يوضح نفس الشيء ولكن بمصطلحات قانونية- مع علاقات الملكية ضمن الإطار الذي تعمل فيه. تلك العلاقات تتحول من أشكال محفزة لتطور القوى المنتجة إلى قيد عليها. ثم تبدأ مرحلة الثورة الاجتماعية. التغيرات في الأساس الاقتصادي تقود، عاجلاً أم آجلاً، إلى تغير كامل البنية الفوقية.(13)
عند وصول الانتاج الرأسمالي إلى مرحلة محددة من التطور، تتعارض قوى انتاج المجتمع المادية مع علاقات الانتاج الرأسمالية. كيف يمكن لعلاقات الانتاج، والتي طورت قوى الانتاج، أن تتحول لنقيضها وتصبح قيداً على القوى المنتجة؟ هذا السؤال هو ما يسعى رأس مال ماركس إلى توضيحه.
_____________________________________________________
رابط المقال: https://www.marxists.org/subject/japan/kawakami/economy-science.htm
_____________________________________________________
المصادر:-
1. Karl Marx, Capital, vol. 1, trans. Ben Fowkes (London: Penguin Books, 1976) 92.
2. The word “revolution” (kakumei) was removed by censors and replaced with “xx.”
3. Capital vol. 1, 101.
4. Ibid.
5. Karl Marx, Grundrisse, trans. Ben Fowkes (London: Penguin Books, 1973), 106.
6. Capital vol. 1, 90.
7. Names are listed with the family name second, which is the opposite of the custom in Japan.
8. The words “fundamentally” (konponteki) and “revolutionize” (henkaku) were removed by censors and each replaced with “xx.”
9. Capital vol. 1, 101.
10. Karl Marx, MECW vol. 43 (New York: International Publishers, 1988), 68.
11. Lenin “On the Question of Dialectics” in Collected Works vol. 38 (Moscow: Progress Publishers, 1976) 357-8.
12. Ibid. 358-9.
13. MECW vol. 29 (1987), 263.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد


.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض




.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس


.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس




.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين