الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أعرف متى سأموت!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2022 / 5 / 31
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


سأموت عندما أتوقف عن القراءة؛ ففي القراءة روحُ الكون التي تطاردني ولا تسمح لي أن أفلت منها فأضيع في الفضاء اللا نهائي، ففيها وضع الخالقُ سِرَّه البديع.
سأموت عندما تجف ينابيع الحب داخلي، وتنبت بدلا منها كراهية مصنوعة من دين الشيوخ والأئمة والدُعاة، مبتعدة عن روح الله ورحمته وغفرانه ومحبته.
سأموت عندما أردد بيني وبين نفسي: إذا متّ ظمآن فلا نزل القَطــْـرُ، فلا أكترث لسجين مظلوم، ولا لطفل مُغتصَب، ولا لامرأة مُستعبَدة، ولا لشعب يحتفل أفرادُه بخنوعهم قبل النوم و.. بعد الاستيقاظ!
سأموت عندما أطرد حاضري وزمني لأتلبس بماضٍ لا يعرفني ولا أعرفه، وأرثُ منه حكاياتٍ مجهولةً جدباء تُصَحّر حياتي، ولا تُسقي مستقبلي، لكنها بحُكم جاذبية التخلف تجرني إلى الخلف خطوتين كلما تقدمت إلى الأمام خطوة.
سأموت عندما أتحالف مع طغاة الدنيا بالصمت، والخوف، والعمىَ الفكري؛ فأترك لهم خيرات الأرض يسرقونها، وينهبونها، ويبيعونها لحرمان أحفاد أبناء الوطن منها.
سأموت عندما أرى في كل رجل أمن شبحــًا يطاردني في منامي ويقظتي، وفي كل رجل دين حيّة تنفث سمومها باسم السماء، فتتسمم حياتي و.. أمارس الخرس الذاتي.
سأموت عندما أهجر المعرفة ساعة أو بعضَ الساعة، فالكون مخلوقٌ من أجلي؛ ولست مخلوقاً من أجله.
سأموت عندما أخاف من الموت كأنه نهاية النهايات، فأنا لا أتحول إلى تراب تحت الأرض؛ إنما فوقها عندما تلتحم روحي بروح ضفدع أو أرنب أو فأر بعدما أمسكت لدى مولدي بالكون كله.
سأموت عندما لا أشاهد، ولا ألمس، ولا أشمّ رائحة كتاب؛ فغيابه لحظات يغيب عنها الزمن، وتذبل أيام العُمر حتى لو ظننت أنني عشتها أو أعيشها.
سأموت عندما أرى الصغارَ كبارًا، وتتضاعف حياتي عندما أرى الكبارَ صغارًا؛ ففي الأولى يرونني صفرا من الأصفار، وفي الأخرى أتساوى معهم في الإنسانية.
سأموت إذا مارست البُخل الشُحَ ولم أتقيأ على نفسي؛ فالكاذب أوالجبان أوالسفيه نحتمله لبعض الوقت، أما البخيل الشُحّ فهو مولود من جنسٍ آخر، وفي كوكب آخر، دخل عنوة على حياة البشر.
سأموت عندما لا يتذكر أبنائي وأحفادي وكل أجيال من صُلبي أنني مررت بالقرب منهم حتى لو غادرتهم لعقود طويلة.
سأموت عندما أفغر فاهاً أمام حكاواتي جاهل يُخدّرني بحكايات ليس لها أصل أو غَزْل نُسجتْ منه؛ فأرفع قدْرَه، وأخسف بعقلي الأرض.
سأموت عندما يمر أمامي ديكتاتور سادي، فأغمض عيني، وأسدّ أذنيَ، وأكتم أنفاسي؛ ثم أزعم بعدها أن لا أحد مرَّ بالقرب مني.
سأموت عندما أصفق، وأهلل، وأطبــّـل، طواعية، لديكتاتور، ثم أطلب من الله أن يغفر لي لأنني زعمت عدم رؤيته، والحقيقة أن روحي هربتْ خائفة من شبحه.
سأموت عندما لا أتخيل نفسي فارسا مغوارًا فوق صهوة جواد، حتى لو كنت نائما تحت الفراش في غرفتي، فهذا أشرف وأفضل من تصوري أنني فأرٌ يفعصه سيدُ القصر بحذائه، ويكمل عليه رجل الدين بالفردة الأخرى من الحذاء.
سأموت إذا اكتشفت أن ينابيع الحب في قلوب أبنائي وأحفادي نحوي بدأتْ تجفّ رويدًا.. رويدًا؛ ليس بسببهم، إنما بسببي أنا!
سأموت عندما يُسرّ لي حفّار القبور وهو يحملني بأنه رآني من قبل عشرات المرات وقد هربتْ مني الشجاعة، وأشفـَـق علي؛ حتى جاء أجلي المحتوم!
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 31 مايو 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية لانتهاء مفاوضات القاهرة دون اتف


.. نتانياهو: إسرائيل مستعدة -للوقوف وحدها- بعد تعهد واشنطن وقف




.. إطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية في العراق للتقليل من الاعتما


.. نتنياهو: خسرنا مئات الجنود بغزة.. وآمل تجاوز الخلاف مع بايدن




.. طلاب إسبان يدعمون غزة خلال مظاهرات في غرناطة