الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن و-مذهب التكذيبية- ..

حيان نيوف

2003 / 5 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الفن و"مذهب التكذيبية" ..

     عندما تنفجر قبة السماء لتلد لنا عائلة من النجوم ، وعندما يستيقظ الديك وقد أطاحت به ثلاث دجاجات ، وعندما يتحوّل الحلم إلى حقيبة سفر محشوّة بالتبغ البلدي ، عندها تصبح الحكاية أو الهرطقة أكثر نضجا وتصبح الابتسامة أكثر عفوية في زمن اغتيال الابتسامة والفكرة وتسوير العقل ليس بأشرطة شائكة وإنما بألبسة داخلية .النبات يضحك بكل طبقاته الاجتماعية : من السنديان إلى البلوط حتى النعناع . الحيوانات كذلك تضحك فرحة  بولادة الأميرة دوللي ، وزفاف الحمل الذي رفض أن يكون ضحية لابن آوى  ، وهذا الأخير ترك سلاحه أخيرا وقرر أن يصالح وأن لا يكشر عن أن أنيابه بعد اليوم . وحتى الحمار أصبح يتباهى بوجود اسمه مع ترجمات متنوعة في القواميس .
   إلا تلك الخشبة فقد سقطت عن كتف الحلم وغرقت في زمن النسيان . لقد رحلت الخشبة مع النص والمشاهد . فقد ملت الخشبة أرجل الممثلين بعدما عرفت أنهم يكذبون ولا يعرفون عن الحياة أي شئ : لا يسمعون عن قصة تدعى الحزن والرحيل إلى عالم آخر على متن خازوق  ، وأعينهم تحولت إلى عدسات لاصقة .وأما النص فقد احترق وتحول إلى كذبة . ما أسهل أن نبكي الناس وما أصعب أن نجعلهم يضحكون !، وهذا نص يحاول إضحاك الناس بالقوة . وأما المشاهد فقد توفي ودفن بجانب سعد الله ونوس . ولنتخيل كيف استبدلت خشبة المسرح الأصيلة بأرض من القش ،واستبدل النص بكلمة ترحيب ، واستبدل المشاهد بكرسي فارغ ! . في هذه اللحظة ، وفي جو عاصف ومثلج ، ترحل عنا كل الأشياء الجميلة لتستبدل بالقبح والقرف . لنبحث بعدها عن بطل يحمل الخشبة على ظهره ويعيد للجمال شكله وللفن رونقه ونسيجه .لا تسمع صيحة ، ولا تقوم نهضة عندما تنكسر ألوان الفن في الماء وتتحول إلى لون واحد ، ولا تنهض بعد انكسار خشبة المسرح وانعدام اللون الحقيقي لكل كلمة نخاطب فيها الآخر كائنا من كان : إن كان إنسانا أو منحوتة أو قطعة خزفية .
  وفيما ينقسم المسرحيون الآن في بريطانيا والولايات المتحدة حول تحديد مفهوم جديد للأدب بعيدا عن كل الأشكال القديمة والمذاهب المترهلة من كثرة النقد والكتابة عنها ، يدفن النص المسرحي في عالمنا العربي في حفنة من الرمال الباردة وحفنة من النقود – والدعوة عامة إلى مسرح الكذب الذي لا يمت للمسرح الحقيقي بأي صلة لا من حيث الشكل الديكوري ولا من حيث المضمون الأدبي الفذ . طبعا هذا ما اكتشفناه عندما علمنا أن الفنان المصري أحمد بدير قد عاد إلى نصوص ونّوس أكثر من مرة . فلم يعد " المسرح " يدر تكلفة ديكوره ، وهذا يعود إلى افتقداه شروط المسرح مما جعل الناس يفضلون مسرحية قديمة لعادل إمام أو سمير غانم عبر التلفاز ولا يذهبون إلى صالة المسرح خوفا من الإصابة بالقرف والمساهمة بتشجيع الكذبة .
        ويمكن لأي شخص أن يقارن بين نص لمحمد الماغوط أو سعد الله ونوس وبين نصوص هذه الأيام ، فيبدو للوهلة الأولى أنها(نصوص هذه الأيام ) كلمات للتجارة فقط والتزييف والصعود على درج منكسر .ويتساءل أحدهم عن الفرق ما بين هذا النص أو ذاك وكلّه مسرح . ولكن الإجابة تأتي من حيث لا يدري هذا الشخص ولا يعلم : إنها تأتي من حيث يمكن له أن يقرأ نصا هنا وبشغف ، ومن جهة أخرى لا يقدر على متابعة سطرين في نص آخر .والنص المسرحي ، إذا لم نقل المسرح ، تطور عبر الزمن . وأما كلمة مسرح بالإنكليزية Drama  فقد جاءت من الكلمة اليونانية Dran  ومعناه تأدية عمل أو إقامة عرض. وفي القرن الرابع قبل الميلاد تحدث أرسطو عن المسرح ووصفه بأنه محاكاة الواقع . قبل الميلاد يعرّف أرسطو المسرح على أنه محاكاة للواقع ، وفي أيامنا " الحديثة والعصرية " يتحول المسرح إلى محاكاة للكذبة وتزوير القهر الروحي والطغيان الأدبي وشمولية التفكير .وهذا العصر الذي شهد انطلاقة الحداثة المبنية على تفرعات عديدة في إيطاليا ، روسيا ، فرنسا مثل التعبيرية والتصويرية والرمزية : ينشا لدينا مذهب يضاهي الحداثة وكل ما ذكرت من تفرعات ، إنه مذهب " التكذيبية " القائم على ركيزتين : الركيزة الأولي وتتمثل بفن هندسي جديد هو " فن الخداع " والذي يبعد المتابع ( مشاهد ، قارئ ) عن الحقيقة مهما كانت بسيطة كأن نقول :" يجب أن نتعلق بالأمل القادم من خلف الشمس على بساط سحري .. " ، فهذا الكلام الأدبي يبعد المتابع عن تصوير الواقع وبل يزوّره ، وكان حريا بهذا الكاتب أن يعترف بالحقيقة من البداية كما المسرحي ونوس ويقول " إننا محكومون بالأمل " . وأما الركيزة الثانية فهي العدائية لكل ما هو جديد : ممنوع أن نبتكر ، وبحيث يصبح الابتكار معيبا ، ويتساءل أصحاب هذه الركيزة : لما نبتكر الجديد ما دامت لدينا النصوص الكثيرة من شكسبير و بليك و الماغوط ومحفوظ التي تتحدث عن واقعنا في القرن الماضي ! .ربما يدرك أصحاب المدرسة "التكذيبية " ولكن بعد حين أن الأشياء المتشابهة لا يمكن لها أن تتشابه إلا عندما تختلف وبهذا نعطي فرصة للآخر إن كان مقرفا أو لطيفا ليظهر ، وأن الأشياء المختلفة لا يمكن أن لها أن تختلف إلا عندما تتشابه وبهذا مهما اختلفنا في تصوير لوحة فنية سنتفق في النهاية أنها لوحة ويمكن تصنيفها ، وهذا على سبيل المثال .فجأة  يوضع الفن والمسرح ( العتيق !) والحديث في عربة قادمة من خلف التلال يقودها قروي تدلت من على ظهره ربطة بقدونس ونامت بين أصابعه لفافة تبغ تنير الطريق الطويل إلى وادي الضباب .
حيان نيوف / كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: أسقطنا طائرة إسرائيلية من نوع -سكاي لارك- وسيطر


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يعود لمخيم جباليا ويكثف غا




.. صرخات فتاة فلسطينية على وقع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة


.. رسميا.. مبابي يغادر باريس سان جيرمان نهاية الموسم الحالي




.. نٌقلوا للمستشفى.. دبابير تلدغ جنودا إسرائيليين في غزة بعدما