الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب الرياض كانقلاب صنعاء، صناعةٌ خارجية: 4/3

منذر علي

2022 / 6 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قلتُ في خاتمة الحلقة السابقة أنَّ هناك من سينبري وسيقول بحماس: لماذا تعقِّد الأمور، وتعكِّر صفو السلام، وتُشكِك في كل شيء، وتخنقنا بتشاؤمك الذي لا مبرر له، وتختلق الأخطار من خيالك، وتحط من شأن مجلس القيادة الرئاسي المُوقَر، وتطلق أحكامك السريعة والمسبقة، بناء على أوهام وفرضيات أيدلوجية مُعلَّبة، عفا عليها الزمان، على جماعة سياسية وعسكرية لم تـُجرَّب في الحكم؟
***
وجوابي على هذه التساؤلات، المشروعة منها وغير المشروعة، بسيطٌ للغاية، وهو أنني، كمواطن ذي رؤى يسارية وطنية، لا أميل للتعصب لهذه الجهة الجغرافية من الوطن أو تلك، ولا لهذه الطائفة أو تلك، ولا لهذه القبيلة أو تلك، ذلك إنَّ تعصبي هو للإنسان وللعدالة وللكرامة الوطنية. وأنا لا أصدر أحكامي وفقًا لتوجيهات حزبية ضيقة، ورؤى أيديولوجية معطوبة بالتشوش وضيق الأفق والجمود. وأنا إلى ذلك لا أصدر أحكامي على الأفراد، بشكل مسبق ومتعسف، لمجرد أنَّهم يخالفوني الرأي، ولكنني أنطلق من ضميري الوطني وأنظر، بشكل موضوعي، إلى الواقع، وأعمد إلى تحليل الوقائع واستيعابها، ثم أوازن بين الفعل السياسي السلبي، والفعل السياسي الإيجابي، وعادة ما أتسامح مع الأفعال السلبية غير الضارة بالوطن، وأتحيَّز للحقيقة الموضوعية، وأتعاطف مع المواقف الإيجابية، ولا سيما تلك المواقف التي تنافح عن استقلال اليمن، وتُعزِز وحدته الوطنية، وتبتغي تحقيق الحرية والعدالة والتقدم في ربوعه. وأنا إلى ذلك لا أحتكر الحقيقة، وكأي إنسان، أصيبُ بعض الأحيان في توقعاتي وتقديراتي وأحكامي وأخطئ في أحيان أخرى، وللقارئ الكريم الحرية المطلقة في قَبُول استنتاجاتي أو رفضها.
***
وفي سياق الحديث عن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الجديد فأنني أنظر إليهم انطلاقًا من تاريخهم السياسي والعسكري ومؤهلاتهم الأكاديمية وموقفهم من الشعب وعلاقاتهم أو تبعيتهم الخارجية، وأتجنب إصدار الأحكام الشخصية المُتسرِّعة ضد أي منهم، وأنظر إلى السياق السياسي الذي يتحركون ضمنه. وفي هذا الإطار يمكنني أنْ أسجِّل خلفية أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والظروف المحيطة بهم، والعوامل المتنافرة الكامنة في تكوين المجلس، ثَمّ الأخطار المحتملة التي يمكن أن تنجم عن كل ذلك، على النحو التالي:
الخطر الأول هو أنَّ أعضاء مجلس القيادة الرئاسي نُصِّبُوا في الرياض من قبل السُّعُودية والإمارات، ولم يُنَصَّبُوا في عدن، أو صنعاء من قبل الشعب اليمني، أو من قبل ممثلي الشعب اليمني. وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي يُدْعَمُونَ من قبل السُّعُودية والإمارات، وكانوا يُقِيمُونَ، مع عائلاتهم إلى وقتٍ قريب في أراضي هاتين الدولتينِ. وفي مطلع الأسبوع المُنصرم قُذِفَ بهم إلى عدن، أو أنهم عَضُّوا عليها بالنواجذ، وتجاسروا وعادوا إلى اليمن دون عائلاتهم، على أمل العودة مرة أخرى إلى السُّعُودية والإمارات أو غيرهما. ولقد أدوا يوم 19 أبريل الجاري، اليمين الدستورية، بشكل يوحي بالتنافر الشديد إزاء الموقف من النظام الجمهوري والوحدة اليمنية والولاء للشعب اليمني، وبالمقابل فأنَّ سلوكهم السياسي كان يوحي بقوة بأنهم يحملون امتنانًا عظيمًا وولاءً شديدًا للسعودية والإمارات. والسؤال هنا، هو: هل رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس الوزراء والوزراء، ورئيس مجلس النواب والنواب سيقيمون في عدن بشكل دائم، وهل سيعتمدون على دعم الشعب اليمني، وهل سيتحررون من التبعية للقوى الخارجية التي نصَّبتهم في مواقعهم الرسمية؟ والجواب هو لا. إذْ لا أعتقد أنَّ أعضاء مجلس القيادة جميعهم سيقيمون في العاصمة عدن بشكل دائم، ولا أعتقد أنهم سيتخلون على الاعتماد المطلق على من نصَّبهم، ولا أعتقد أنهم سيعتمدون على الشعب اليمني في كليته باعتباره مصدر السلطات، وعلى هذا لا أعتقد أنهم سيتمكنون من خدمة اليمن، حتى لو أرادوا ذلك، والسبب هو أنهم وَقِعُوا في فخ القِوَى الإقليمية وليس لهم من مَهْرَب. وهذا يعني أنَّهم سيظلون أسرى لتوجيهات السُّعُودية والإمارات، وسيُلَبُّونَ المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، البحرية والبرية التوسعية، لهاتين الدولتين الإقليميتين، على حساب اليمن وتطلعات الشعب اليمني الوطنية.
***
الخطر الثاني، هو أنه من بين أعضاء مجلس القيادة الثمانية ليس هناك مَنْ يتميز بشخصية كاريزمية ويحظى بقاعدة شعبية وطنية واسعة على امتداد الأرض اليمنية، كما كان عليه حال الرئيس سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل، وإبراهيم الحمدي وقحطان الشعبي وعبد الله السلال، فهم، في أحسن الأحوال، زعماء قُرى ليسوا على وفاق، وليس لهم قاعدة الشعبية حتى على نطاق المحافظات التي ينتمون إليها جغرافيًا. وهذا العامل لا يجعلهم عنصر توحيد ونهوض وطني شامل. كما أنَّ الجدير بالإشارة أنَّ ستة من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الثمانية ذوو خلفية عسكرية، باستثناء الدكتور عبد الله العليمي وعثمان حسين مجلي، الأول شيخ دين والثاني شيخ قبيلة، لذا لا أظن أنَّ هذا الفريق سيُقرِّبنا من مشروع الدولة المدنيِّة الحديثة التي ننشدها. وباستثناء رئيس المجلس، الدكتور رشاد العليمي، والنائب الدكتور عبد الله العليمي باوزير، وعثمان حسين مجلي، ليس بينهم من له تجرِبة في الحكم وإدارة الدولة، وهذا يترتب عليه نتائج سلبية؛ وأعني أنَّهم سيكونون أقل فعالية في الحكم من الحكام السابقين. هذا على افتراض أنَّ الحكام السابقين تميزوا بالفعالية السياسية!
***
الخطر الثالث هو أنَّ المؤهلات التعليمية والسياسية لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، باستثناء الدكتور رشادا لعليمي، والدكتور عبد الله العليمي، محدودة للغاية. وهذا لا يترتب عليه ضعف في إدارة الدولة فحسب، بل يوفر ظروفًا مواتية لاستغلالهم من قبلِ مراكز القوى الجهوية والطائفية والقبلية، في الداخل، ومن قبلِ القِوَى الخارجية الإقليمية التي عينتهم في مواقعهم، فضلًا عن استغلالهم من قبل القوى النافذة في المجتمع الدُّوَليّ.
***
الخطر الرابع، يتصل بتوزيع وتنافر القِوَى السياسية والعسكرية في إطار مجلس القيادة الرئاسي. فباستثناء رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي الذي ليس لديه قوة عسكرية، أو قبلية يستند إليها، تتوزع القِوَى العسكرية بين المؤتمر والانتقالي والسلفيين والإصلاح، وهذه القوى ليست فقط غير موحدة في مؤسسة عسكرية وأمنية واحدة، بل هي متنافرة سياسيًا وجهويًا وقبَلِيًّا، وكل قائد من قادة هذه الكُتل العسكرية المتنافرة يرى في نفسه أميرًا، أو رئيسًا لدويلة أو لدولةٍ، لها حدودها الجغرافية الواضحة. وهذا يعني أنَّ خطر التصادم بين هذه الأطراف أمرٌ لا يمكن تجاهله، ولاسيما عندما يبدأ الحديث عن تقاسم المناصب وتوزيع المكاسب في إطار الحكومة ومؤسساتها المختلفة.
***
الخطر الخامس، هو أنَّ القِوَى العسكرية المتنافرة المنفلتة ضمن مجلس القيادة الرئاسي، لم تنشأ بشكل احترافي، ولذلك فهي تشبه الأبقار المجنونة، يمكن لها أن تتناطح في أي وقتٍ، دفاعًا عن قياداتها والحدود المتوهمة لأقاليمها أو لدولها المزعومة، وتُوجه، حسب الولاء، من قبل مراكز القِوَى المتعددة والمتنافرة في إطار هذا الطرف أو ذاك من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي ومن قبل القِوَى الخارجية المساندة للمجلس وليس بالضرورة من قبل رئيس مجلس القيادة وفقًا للدستور اليمني.
***
خلاصة القول: إنَّ الأخطار الكامنة والشواهد المتنافرة المتصلة بتكوين مجلس القيادة الرئاسي لا تُنْبِئ أنَّ هناك ما يدعو إلى التفاؤل، وأنَّ أعضاء المجلس يؤمنون بالوطن ويدركون المخاطر المحدقة به، وسيتوحدون حول هدف وطني عظيم، وسيسعون لتحقيق السلام والاستقلال والاستقرار وسيعملون بتناغم كفريق واحد من أجل مصلحة الوطن والشعب. ولذلك لا يمكن أن نُداري انتكاساتنا وأحزاننا بالتفاؤلِ الساذج، ذلك أنَّ مجلس القيادة الرئاسي الذي أُلِّفَ في الرياض بإرادة سُعُودية إماراتية، مثله مثل المجلس السياسي الأعلى الذي أُلِّفَ في صنعاء بإرادة إيرانية، تجمعٌ قسري من العناصر المتنافرة، كومةٌ من المتناقضات، لا تحمل مشروعًا وطنيًا شاملًا لليمن. المجلسان ليسا لهما من أهداف سوى خدمة مصالح أعضائهما الفئوية الضيقة، القبلية والجهوية والطائفية، وخدمة المصالح الإيرانية والسعودية والإماراتية في اليمن.
وعليه يجب على اليمنيين الأحرار أن يؤلفوا كيانهم السياسي الديمقراطي التقدمي الموحد لاستعادة وطنهم المسلوب والشروع في بناء نظام وطني حديث مُستقل، كامل السيادة، على أنقاض هذه الكومة الشائنة من الأوباش، المحليين والإقليميين، نظامٌ من شأنه أنْ يُحقق العدل والحرية والتقدم والكرامة للشعب اليمني العظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ