الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقاربةٌ مبدئيّةٌ لمساراتِ الحربِ الأوكرانيّة
حمدى عبد العزيز
2022 / 6 / 2مواضيع وابحاث سياسية
ما من شكٍّ أنّ نتائجَ الحربِ الأوكرانيّة المباشرة وغير المباشرة، ستحدّد شكلَ العالم، استكمالًا لما بدأته مرحلةُ فيروس كورونا، حيث شكّلت أوّلَ تحدٍّ حقيقيٍّ لطبيعة القوي الصاعدة إلى مستوى القطبيّة الدوليّة، ووضعت موازين القوى في اختبارٍ نجحت فيه الصين (الرأسماليّة المخطّطة بقيادة أكبر حزبٍ شيوعيٍّ في العالم)، وروسيا (رأسماليّة الدولة الكنزيّة).
وفي المقابل فقد سقطت مراكزُ الرأسماليّة النيوليبراليّة في اختبارات الوباء، عندما انتهى الأمرُ بتركّز أعلى معدّلاتِ الضحايا والخسائر في أمريكا وبعض دول أوروبا، في حين نجحت الصينُ في الخروج من حالة انتشار الوباء سريعًا، بفضل قوّة نظامها الصحي، وروسيا بفضل ما ورثته من الاتّحاد السوفييتي من مؤسّساتٍ صحيّة. وبمجرّد الخروج من ذروة نشاط وباء الكورونا؛ سرعان ما بدأت الولايات المتّحدة الأمريكيّة تحرّشاتها بكلٍّ من الصين وروسيا، وهنا فقد تحدّدت أهداف القوى المتصارعة على المسرح الأوكراني.
فبينما تخوضُ روسيا حربَ أوكرانيا - كنوعٍ من تصحيح وضعها الإقليميّ والأمنيّ على نحوٍ يتناسب مع وضعها الدولي كقطبٍ صاعدٍ وكدولةٍ لأمّةٍ كبيرةٍ - تجاوزت مرحلة انهيارها واستنهضت قواها من جديد، وبهدفٍ معلنٍ هو الحفاظ على الأمن القوميّ الروسيّ في مواجهة تحدّياتٍ وأخطارٍ حقيقيّةٍ تتمثّل في وصول الناتو على حدود روسيا، في حين خاضت أمريكا هذه المعركة، باعتبارها قطبًا يعاني من تراجعٍ ويريد أن يوقف هذا التراجع بهجومٍ عكسيّ، يقوم فيه بخنق فرص الأقطاب التي يهددها تصاعدها (أي الصين وروسيا)، بأهدافٍ استراتيجيّة :
أوّلها: فصل أوروبا المتّجهة نحو التواصل (البنيويّ) على قاعدة المصالح المشتركة مع روسيا والصين على نحوٍ قد يؤدّي إلى انسلاخها عن الهيمنة السياسيّة والعسكريّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة .
ولذلك ليس غريبًا أن تكون أوّل الأهداف الأمريكيّة هي ضرب خط نودستريم 2، وصولًا إلى وقف التعاون بين أوروبا وأمريكا في مجالات الطاقة الأحفوريّة والنوويّة.
ثانيها: هو وضع صواريخها النوويّة في خاصرة روسيا مباشرةً لخنق وتأديب وإزلال روسيا ومن ثمّ إنهاء مستقبلِ اتّصالٍ خطيّ الحزام البحري والطريق البري الصينيين، في إحدى أهمّ النقاط الاستراتيجيّة البنيويّة لمبادرة الحزام والطريق وتفجيرها عند هذه النقطة، بالإضافة لمحاولة تفجيرها بالتوازي في نقاط انطلاقها البري عند أفغانستان وباكستان (إسقاط عمران خان وعودة الرهان علي الجيش الباكستاني والرابطة الإسلامية)، بالتوازي أيضًا مع محاولة خنق نقطة الانطلاق البحري (التلغيم النووي للمحيط الهندي قبالة شواطئ استراليا)، وبنظرة جرد مبدئيّة على ما تحقّق حتّى الآن من الأهداف الروسيّة، فسنجد أنّ روسيا حتى هذه اللحظة التي يكتب فيها هذا المقال، قد اقتربت من ضمان تحقيق منطقةِ جوارٍ حليفةٍ وآمنةٍ وهي منطقة شرق أوكرانيا وتحديدًا إقليم الدونباس الذي أحكمت هي وحلفاؤها الأوكرانيّون السيطرة عليه، وأصبح هذا أمرًا واقعًا، يمثّل الاعتراف به ورقة محسومة من أوراق التفاوض على إنهاء الحرب، وقبل ذلك فقد أصبح الاعتراف الأوكراني بروسية القرم أمرًا مفروغًا منه، بالإضافة إلى حياد أوكرانيا الذي اعتقد أنّه قد أصبح حقيقةً سواءً للأوكرانيين أو لحلف الناتو ذاته، وهذهِ هي أهمّ الأهداف الروسيّة التي يمكننا الحديث عن الاقتراب من تحقّقها حتّى الآن، أمّا عن الأهداف الأمريكيّة، فمن السابق لأوانه الجزم بتحقّقٍ يضمن له دوام الأثر ولو جزئيًّا للأهداف الأمريكيّة.
صحيحٌ أنّ علاقات أوروبا بروسيا وصلت لأدنى مستوى لها وتمزّقت روابط التقارب الروسي بقلب أوروبا وكتلتها المركزيّة الصلبة المتمثّلة في ألمانيا وفرنسا ومن ثم باقي أوروبا.. لكن هذا ليس في المطلق سواءً في المنظور الآني أو المنظور الآجل، وخاصّةً أنّ هناك الدول المستهلكة للطاقة الأحفوريّة والنوويّة الروسيّة، غير مؤهّلة لفكّ روابطها المصلحيّة بروسيا وهناك دول أوروبيّة أعلنت ذلك صراحة: كالمجر وصربيا، بل إن الدولتين تقفان موقفًا رافضًا لمواقف الناتو تجاه روسيا، رغم عضويّة المجر في حلف الناتو.
كذلك، فإنْ كان من الصحيح القول: إن خط نودستريم، توقّف بشكلٍ يجعل البعض يعتدّ بهذا كقطيعة أوروبيّة روسيّة، ولكن المتابع للمواقف الألمانيّة والأوربيّة من مسألة الطاقة، سيستنج أن هذا الدول تنتظر مجرّد عقد اتّفاق إنهاء الحرب للعودة إلى بدء التعاون مع روسيا .
وبغض النظر عن بريطانيا التي لا يمكن اعتبارها جزءًا من اللحمة الأوروبيّة وبولندا، غير الفاعلة تاريخيًّا، فإنّ قلب أوروبا يعبّر بين حينٍ وآخر على أنه لا يمكن إقصاء روسيا، بل وهناك حالة تململ من الحصار الاقتصادي المفروض أمريكيًّا على روسيا، بل إنّ في أوروبا الآن أصواتًا تسمع بوضوح حول عدم جدوى العقوبات الاقتصادية بالنسبة لروسيا، من حيث إنّها جاءت عقابًا عكسيًّا على دول أوروبا المنخرطة في الناتو، وعلى الرغم من احتماليّة انضمام السويد إلى الناتو وتفكير فنلندا الجارة لروسيا في ذلك، إلا أنّ هناك تصدّعاتٍ في الناتو ذاته، تتمثّل صراحةً في مواقف تركيا والمجر.. وهناك من يتحيّن فرصة ما بعد انتهاء الحرب لطرح قضيّة الدفاع الأوروبي المستقلّ عن أمن أوروبا (فرنسا).
نشهدُ لأوّل مرّةٍ في تاريخ ما بعد الحرب العالميّة الثانية، خروجًا عن الطاعة للسيّد الأمريكي، من قوى كانت تمثّل في مراحلَ سابقةٍ دور الخادم الوظيفي للمصالح الأمريكيّة (السعوديّة - باكستان - الإمارات)، التي بدأت تتململ من أوامر السيّد الأمريكي في مواقفها بشكلٍ أو بآخر أثناء الحرب الروسيّة الأوكرانيّة التي هي في حقيقتها حرب من حروب الهيمنة الأمريكيّة، بل إنّ التشقّقات والشروخ، قد وصلت إلى داخل جدران حلف الناتو ذاته، فالمجر وتركيا عضوا الناتو يرفضان الامتثال لمواقف الناتو تجاه روسيا، بل إنه من المرجّح أن تُراجع أوروبا بعد أن تنتهي الحرب الأوكرانيّة، مسألة الأمن القومي الأوروبي وجدوي بقاء الناتو عرابًا للأمن القومي الأوروبي، وهذا ما يمكننا أن نأخذ بإشاراته من كلمات الرئيس الفرنسي ماكرون، عن ضرورة بناء الدفاع الذاتي المستقلّ عن الأمن القومي الأوروبي وضرورة استقلال أوروبا في مساري الأمن والطاقة، وهذه إشاراتٌ ذات دلالاتٍ عميقة، توضّح مدى تململ الحلفاء داخل جدران الناتو .
كذلك، لا يمكن أن يمرّ الحديث عن تأثيرات الحرب الأوكرانيّة حتى الآن، دون أن نقف أمام دورها في تعميق أزمة الغذاء والطاقة على صعيد المجتمعات، وهو ما ينذر بتطوّراتٍ مجتمعيّةٍ داخل العديد من بلدان العالم، سواءً في بلدان العالم النامي بالنسبة لأزمة الغذاء أو بلدان العالم المتقدّم بالنسبة لأزمة الطاقة، وهو ما يتوقّع لها أن يفجّر قلاقل وصراعات وتناحرات داخليّة، قد تسهم هي أيضًا في تغيير شكل العالم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ٌصحيح ...ولكن
د. لبيب سلطان باحث أكاديمي عراقي كاليفورنيا
(
2022 / 6 / 2 - 10:09
)
سيدي الكاتب الفاضل
باعتباركم يساري اين هو موقفكم من شعب اوكراينا وحقه في تقرير مصيره اذا اعطيتم الحق لروسيا في عدوانها الأمبريالي والتوسع لتكون قطبا.. ومقولة صحيح..ولكن ..التي ترددونها هي مقولة تجمع النقيضين والنتيجة صفرا للقارئ ..صحيح ان روسيا تعاني ولكنها تقوى ..وصحيح ان الناتة سيتقوى بانضمام فنلندا ولكنه يتشتت ..اليست تلك مغالطات..ثم اليس من اللائق لأي مثقف ان يدين هذه الحرب ومن بطأها وتسبب لمعاناة ملايين من الشعبين الروسي والأوكراني ومقالكم يخلو من اي موقف انساني وتدعون انكم يساريون وهو كمن يدعي التقوى منىالمؤمنين ثم يمارس الفاحشة
.. دول غربية تبدأ بوضع شروط للتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة.
.. سويسرا تكشف قيمة الأصول السورية المجمدة لديها
.. جولة تعريفية بكأس القارات للأندية قطر 2024 في نسختها الأولى
.. -ميتا- تتبرع بمليون دولار لصندوق تنصيب ترمب
.. نصيحة ذهبية للمستثمرين من صندوق يدير أصول بتريليونات الدولار