الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أزمة المؤسسة القيادية الفلسطينية

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2022 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد أبو غوش
انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية الفلسطينية خلال الأيام الماضية، بخبر تعيين القيادي في حركة فتح حسين الشيخ في موقع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ وفاة الدكتور صائب عريقات في نوفمبر 2020. وسبب الضجة هو أن أول من أورد هذا النبأ كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فنقلته وسائل الإعلام الفلسطينية ثم نفته، وعادت بعد ذلك لتأكيده، تماما مثلما فعل بعض أعضاء اللجنة التنفيذية الذين علموا بالخبر من وسائل الإعلام، ليتبين أن التعيين صدر بموجب قرار للرئيس محمود عباس بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذه الواقعة ذكّرت المتابعين والمعلقين أن اللجنة التنفيذية، المفروض أنها أعلى هيئة قيادية فلسطينية، لم تجتمع أصلا بصورة نظامية منذ النصف الأول من فبراير الماضي، أي منذ اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الذي أثار انعقاده في ذلك الوقت عاصفة من الانتقادات، وما زالت قراراته حبرا على ورق، وبالتدقيق يتبين أن "التنفيذية" لم تكن تجتمع أصلا إلا بصفة استشارية، من دون حضور الرئيس، وكانت ترفع له القرارات كتوصيات ليجيزها.
ولا تقتصر أهمية الموضوع على الجانب الإداري أو القانوني ، ففي كل نظام يمكن أن تجري تجاوزات، ولكن أي نظام مؤسسي يكفل إعادة تصويبها في أقرب محطة للتقييم والمراجعة، الأمر هنا يتعدى ذلك إلى طبيعة الخيارات السياسية المستقبلية للفريق المتنفذ في القيادة الفلسطينية ، إذ يربط المراقبون بين هذا التعيين، وبين تهيئة حسين الشيخ وريثا للرئيس محمود عباس (87 سنة). وهذا يمثل في حد ذاته خيارا سياسيا يتبنى التنسيق الأمني والمدني مع الاحتلال، والسعي للتكيُّف مع سياساته تحت حجة "تثبيت الناس على الأرض" والاهتمام بشؤونهم وقضاياهم المعيشية، وتجنب الصدام مع الاحتلال أو اللجوء للخيارات الكفاحية العنيفة.
يشغل الشيخ منذ سنوات طويلة منصب رئيس هيئة الشؤون المدنية برتبة وزير، وهي الهيئة المكلفة بالتنسيق مع إسرائيل ولا تعتبر جزءا من مجلس الوزراء بل يجري تعيين مسؤولها مباشرة من قبل الرئيس. والشائع في الأوساط الفلسطينية أن الشيخ مقبول من دولة الاحتلال، ويقوم عمله الرئيسي على الاتصال الرسمي بمن يعرف ب"المنسق" وهو ضابط إسرائيلي رفيع يتولى المسؤولية عن الإدارة المدنية المنبثقة عن جيش الاحتلال، كما سبق للشيخ أن أجرى لقاءات مهمة مع عدد من الوزراء الإسرائيليين ومن بينهم وزير الجيش بيني غانتس، والخارجية يائير لابيد، وهو كان طيلة السنوات الأخيرة الأقرب إلى الرئيس أبو مازن، يرافقه في جميع زياراته ولقاءاته المهمة جنبا إلى جنب مع مدير المخابرات اللواء ماجد فرج.
جاء خبر تعيين الشيخ في هذا المنصب الرفيع، وسط حالة من الضعف والتفكك وحالة العجز والشلل في بنية النظام السياسي الفلسطيني، والذي يشمل كل مؤسسات منظمة التحرير ودوائرها والسلطة الفلسطينية وأجهزتها وحتى الفصائل المشكلة لها، وهي حالة لا تقتصر على الجوانب البنيوية والهيكلية التي شاخت وتكلست بسبب عدم تجديد دمائها والامتناع عن إجراء الانتخابات بحجج شتى، ولكن، وهو الأهم، بسبب عجز هذا البنى عن الاضطلاع بمسؤوولياتها وواجباتها إزاء الأحداث السريعة والعاصفة التي تشهدها فلسطين، وبخاصة منذ معركة سيف القدس في أيار من العام الماضي، ثم على امتداد العام التالي حتى التطورات الأخيرة في القدس والحرم القدسي الشريف ومساعي إسرائيل المحمومة لتهويد المدينة، وتغيير "الوضع القائم" وتنفيذ خطة التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.
كان أبرز دليل على حالة الفشل والعجز هو إعلان القيادة الفلسطينية في منتصف رمضان الماضي عن عقد اجتماع قيادي طارىء لبحث الأوضاع الخطيرة في القدس، وما أثار دهشة المتابعين وحنقهم هو تحديد موعد الاجتماع بعد أربعة أيام من الإعلان ما أثار تساؤلات ساخرة وحادة عما تفعله القيادة خلال هذه الأيام لكي تنشغل به وترجىء بحث ما يجري في القدس، لكن المفاجأة الصادمة تمثلت في تأجيل الاجتماع بحجة ارتباطات الرئيس، ثم إلغائه نهائيا، والاستعاضة عنه برسائل واتصالات وبيانات.
عبّر الكاتب الفلسطيني البارز مهند عبد الحميد عن هذه الحالة مبديا خيبة جيله مما آلت إليه منظمة التحرير بالقول " أعيش مع جيلي هبوط المنظمة إلى الدرك الاسفل الذي بلغ ذروته بتعيين أمين سر اللجنة التنفيذية الجديد للمنظمة. أعيش زمن استبدال قيم الثورة بقيم نقيضة وبالمضي في التحول الرجعي الى مداه. ما أصعب ذلك! ما أصعب الثمن المعنوي والأخلاقي المطلوب دفعه".
تراجع شعبية السلطة والمنظمة والتآكل المتواصل في شرعيتهما لا يقلق المسؤولين، لا سيما مع تسرّب أنباء عن عدم تعجّل الإدارة الأميركية إجراء مثل هذه الانتخابات وفق ما قاله المبعوث هادي عمرو لمن التقاهم من ممثلي المجتمع المدني الفلسطيني. وذلك على الرغم من النتائج ذات الدلالات الواضحة التي أسفرت عنها الانتخابات البلدية والنقابية والطلابية الأخيرة وبخاصة نقابات المهندسين والأطباء والمحامين، ففي انتخابات جامعة بيرزيت منيت حركة فتح وفصائل المنظمة بهزيمة لا سابق لها، حيث حصلت كتلة الوفاء المقربة من حركة حماس على 28 مقعدا مقابل 18 لحركة فتح، و5 مقاعد للجبهة الشعبية، بينما لم تفلح الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب في اجتياز نسبة الحسم. باقي الفصائل التي تحظى بمواقع ثابتة في المجلس المركزي واللجنة التنفيذية وتحظى بموازنات شهرية سخية مثل جبهة النضال والجبهة العربية وجبهة التحرير الفلسطينية وحزب فدا لم تشارك في الانتخابات أصلا.
ولا يقتصر التراجع على الجانب الوطني، بل يمتد ليشمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، من تخلٍّ شبه كامل عن قطاع غزة، إلى تراجع مستمر في أوضاع الحريات العامة. فعلى الصعيد الأمني تكاد السلطة تفقد سيطرتها على بعض المناطق مثل محافظة الخليل التي تنهشها الصراعات العائلية المسلحة، وجنين، وأجزاء من نابلس وعدد من المخيمات، إلى أزمات معيشية خانقة تعبر عن نفسها بالعجز عن دفع رواتب الموظفين بشكل منتظم وكامل، وإضرابات المعلمين والأطباء بسبب إخلال الحكومة بالوعود التي قطعتها لهم. كل ذلك بينما تواصل القيادة توزيع المغانم من تعيينات في وظائف مرموقة وترقيات لأبناء المسؤولين وأقاربهم.
لا تصب مجمل هذه التطورات في مصلحة فريق أو حركة معارضة، مثل حركة حماس مثلا التي ما زالت تمنع الانتخابات في قطاع غزة، لكن النتيجة المؤكدة هي اتساع الفجوة بين القيادة ومؤسساتها من جهة وبين الفعل الميداني الشعبي والمقاوم الذي يجترح كل يوم إنجازات باهرة، ويقدم تضحيات هائلة، لكن الوضع القيادي والمؤسسي المترهل يحدّ من القدرة على مراكمة هذه الإنجازات فضلا عن استثمارها لإنهاء الاحتلال ووقف معاناة الشعب الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا