الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نادية في -رهائن العبث- -5-

عبدالإلاه خالي
(Abdelilah Khali)

2022 / 6 / 3
الادب والفن


وأنا أتسكع في "دار دبيبغ"[1] ذات مساء، إذا بي ألمح نادية تمشي متأبطة ذراع رجل لا أعرفه.. رجل في الخمسينات..
كانت تبدو أكبر من سنها إذ أسدلت شعرها خلف رأسها وعهدي بها تجمعه في ظفيرتين تطلقهما على صدرها تارة وعلى ظهرها تارة أخرى..
لأول وهلة لم أصدق عيني، خلت نفسي قد أخطأتُ النظر. ولكنني قد أخطئ في كل شيء، إلا نادية.. اقترَبْتُ منها متلحفا ازدحام المارة. كانت هي بدمها ولحمها تسير إلى جانب رجل ذميم الخلقة.. رجل في سن والدها..
تُرى ما طبيعة علاقتهما؟!
سِرْتُ في أثرهما وقلبي يدق بقوة..
دخلا إلى محل تجاري. من بعيد رأيت الرجل يخرج محفظته. نقد البائع ثم خرجا. كانت نادية تلوك شيئا.. اشترى لها ابن اللئيم علكة..
واصلا المشي متقاربين. تأبطَّتْ ذراعه من جديد. سارا في شارع "الحسن الثاني" وعند محطة "الباصات" توقفا. تواريتُ خلف سور "بنك المغرب" وعيناي لا تفارقهما. جلسا فوق كرسي كان ينتظرهما.
بعد وهلة بدت حافلة "عين هارون" مقبلة. نهضت نادية واقفة. وضعَت قبلة على خد الرجل القبيح ثم تقدمت وغابت وسط الراكبين..
تحركت الحافلة. رفع الرجل يده محييا ثم مضى إلى حال سبيله متعجرفا.
بقيتُ متسمرا في مكاني..
أكانت نادية حقا!؟
أكانت الفتاة التي واعدتني بالحب أبد الدهر!؟
تلبّستني الوساوس..
أخذتني الهواجس مآخذا..
ولكن، قد أكون مسيئا في ظني.. فأنا إنسان والإنسان عرضة للخطإ..
حطّت حافلة "عين هارون" ثانية. قذفتُ بنفسي داخلها وكلي غليان.. فور نزولي ركضتُ نحو البيت.. ناديتُ نادية فخَرَجَتْ مبتسمة كعادتها.. جلسَتْ بجانبي فوق العتبة بمدخل البيت.. تصنعتُ الاطمئنان وأنا أحادثها. قلتُ:
- « ماذا فعلتِ هذا المساء؟ »
أجابت بهدوء تام:
- « لا شيء. أشغال البيت وكفى. »
- « ألم تفعلي شيئا عدا أشغال البيت؟ »
ردت وصوتها يصطنع الثقة:
- « لا.. »
- « ألم تخرجي من البيت؟ »
ـ « لا! »
قالتها ثم استدركَت بشيء من الارتباك:
- « لم هذا الإصرار منك؟ »
قلت بعزم وإصرار:
- « فقط قولي لي نادية، أين ذهبت هذا اليوم؟ »
أجابت متلعثمة وكأنها قرأت أفكاري:
- « آه! نسيت.. ذهبتُ عند سناء لاسترجاع بدلتي الخضراء، كانت قد استعارتها مني لحضور زفاف ابن عمها.. »
ساعَتَها أيقنتُ أن علاقتها بذلك الرجل لم تكن طبيعية، وإلا لما حاولت التستر على خروجها معه.
قلتُ بصوت باك:
- « نادية! لقد رأيتكِ اليوم صحبة شخص لا أدري من كان. رأيتُكِ بأم عيني. مشيتُ وراءكما. شاهدتُكِ وأنتِ تُقبِّلينه قبل أن تفترقا عند المحطة. »
ارتبكَتْ وغَضَّتْ بصرَها..
ساد الصمت فترة ثم رفعَتْ رأسها ناحيتي..
علق بصرُها ببصري فتناسج حوار بلغة العيون.. لغة لا يفهمها إلا مالكها.. ثم انقطع الحوار بنطقها جملة مقتضبة لخَّصت الموقف كله:
- « جبريل، أخطأتُ في حقك وأنا نادمة! »
قالتها ونَهَضَتْ في حياء.. وَلَّتْ لي ظهرها ودخلَتْ.. ظللتُ جالسا في مكاني: لا عليك يا جبريل، كل منا مُعَرَّض للخطإ، فما حدث زلة يمكن أن يُقْدِم عليها في ظروف معينة أي إنسان..
بعد يومين، جاء وكيل الشرطة إلى منزل نادية.. سلم والدتها مكتوبا أزرقا غامضا وانصرف دون كلام. هرولت "السعدية" نحوي لفك رموز ذلك الإشعار. قالت ويداها ترتعشان:
- « جبريل، شنو فهاد الكاغيط؟ الحاج غير موجود وقلبي مقبوض.. »
انقبض قلبي كما انقبض قلب السعدية.. كان المكتوب إخطارا رسميا يطلب من والدي نادية باسميهما الحضور حالا إلى الدائرة الخامسة..
لم تستطع السعدية انتظار قدوم الحاج عبد الرحمان. رجتني اصطحابها إلى الدائرة ففعلت. بمجرد وصولنا أخبرنا المدير وبدون أي مقدمات أن نادية تم ضبطها في دار للدعارة وستقدم صباح غد للمحاكمة!
........
........
تجمد الدم في عروقي.
ذهلتُ..
استفقت من ذهولي وأنا بالبيت.. من كان يظن أن تبيعني نادية.. من كان يظن أن تستبدل الفحش بالنقاء والسفالة بالطهر..
آه منك نادية!
امتهنتِ الرذيلة وعانقتِ شهوة مزيفة على حسابي أنا المغفل. رغبتُ فيك ملاكا فأبيتِ إلا أن تتدنسي وبأرخص الأثمان.
هكذا وُلدَت المرأة.. غاوية هي وغوايتها حارقة.. همُّها الرجل، تعذبه ولا تتركه إلا حطاما..
كم كنت شريفة يا أمي!

يتبع

الهوامش:
[1] دار ادْبِيبْغْ: اسم دارج يطلق على المدينة الجديدة بمدينة فاس والتي بناها الفرنسيون إبَّان الحماية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_