الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العهد التركي والمجتمع المتعدد في رواية -احتضار عند حافة الذاكرة- أحمد الحرباوي

رائد الحواري

2022 / 6 / 3
الادب والفن


العهد التركي والمجتمع المتعدد في رواية
"احتضار عند حافة الذاكرة"
أحمد الحرباوي
مهام الأدب عديدة، منها توثيق ما يجري/جرى من أحداث، لهذا نجد الرواية التاريخية تأخذ مكانها في الساحة الأدبية، لكن هناك روايات تتحدث عن أحداث قريبة، وليست غارقة في الماضي، فما تعانيه المنطقة العربية حاليا خاصة بلاد الشام يرجع إلى العهد التركي وما فعله في بلادنا من قمع وإرهاب وقتل وسفربرلك، ونهب خيرات البلاد لتموين حروبهم في البلقان، فسورية استخدمها الأتراك كمصدر لتأمين الغذاء والطعام والملابس والعتاد والوقود، وشعبها كرافد للمقاتلين في الجيش التركي، من هنا كانت بلادنا ُتنهب خيراتها الزراعية والصناعية، ورجالها يذهبوا وقودا للحروب، فأهملت تنمية البلاد، وتُرك شعبها يعاني من الفقر والجوع، وكل من حاول أن يعترض أو يحتج تعرض للإعدام أو للخازوق التركي المشهور.
في هذه الرواية نجد صورة العهد التركي وما فيه من ظلم وجور، وكيف أن الأتراك تعاملوا مع أجدادنا كمحتلين، وأيضا نجد صورة المجتمع المدني المتعدد، الذي ينعم بعلاقة اجتماعية مدينة بعيدا عن التعصب الديني أو الطائفي.
الاجتماعية
ما يميز بلاد الشام ومن ضمنها فلسطين قبولها للآخر والتعامل بطريقة اجتماعية بين أفراد المجتمع بصرف النظر عن التبيان في العقيدة الدينية، فالسوري بطبيعته تعلم الاهتمام والتركيز اجتماعية الأفراد وسلوكهم وليس على معتقدهم الديني، من هنا كانت العلاقات الاجتماعية تسير بشكل طبيعي وسوي، يتعاون/يتصرف الجميع على أنهم أسرة واحدة لا فرق بينهم.
الرواية قدمت صورة عن هذه الاجتماعية بأكثر من مشهد منها: "أنا محرمة عليك، ع قد ما أكلت من تكية المسلمين صرت مسلمة، تقربليش" ص35، هذا ما قلته زوجة الحاخام لزوجها، فنجد أن "التكية" مركز لتوزيع الطعام المجاني على الناس لم تكن تخص المسلمين فقط، بل كانت تقدم المعونة لكل من يحتاجها بصرف النظر عن ملته.
ولم يقتصر الأمر على تقديم الطعام فحسب، بل طال أيضا الزيارات الاجتماعية والمشاركة في الأفراح، وتقديم العون: " ـ شوفي ما أحلا هالبنت بتحرق القلب نفسي أقوم وأمسطها وأرضعها.
ـ شو أنت حمارة ومجنونة بلاك هبل!
ـ طول عمرنا بندير بالنا ع أولاد اليهود وهم بيديروا بالهم ع ولادنا، ما طلعت مشوار بعيد إلا أحط ولادي عند رفقة مرت الخواجة سلوم، وهي لما تروح ع الكنيس يوم السبت بتحط بنتها عنا، بعدين شو ذنبها مالمسكينة لساتها قطعة لحمة صغيرة" ص58و59، بهذا الشكل كانت العلاقات تسير في المجتمع الفلسطيني، فلم تكن الملة تحول دون قيام هذا التعاون الأسري بين المجتمع، واللافت في هذا المقطع أنه يؤكد على سلاسة العلاقة الاجتماعية في فلسطين بين الطوائف، على النقيض مما جرى فيها بعد قيام دولة الاحتلال التي عملت على نزع هذا الود والاجتماعية من المجتمع وتحويل اليهود إلى شعب الله المختار، ورسم صورة الفلسطيني كعدو وقاتل ومخرب وإرهابي.
الأتراك
الأتراك لعبوا دورا تخريبا في المشرق العربي، وتعاملوا مع المنطقة كمحتلين، ولم يعتموا بإعمارها ولا بتطويرها، وهم من مهدوا لإقامة وطن قوي لليهود في فلسطين: "...بدأ يقرأ للناس عن دعوات لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين إثر المؤتمر الصهيوني الأول، وعن موقف الاتحاديين الموالي للحركة الصهيونية... اليهود هي إللي بتعطي فلوس لجماعة الاتحاد والترقي، ليهك مش من مصلحتهم يوقفوا ضدنا" ص37و38، ولم يقتصر الأمر على المواقف من الحركة الصهيونية، بل تعداه إلى التنكيل وقمع الناس بوحشيه: "... فمنذ أن اشتدت حركة الانفصاليين العرب عن الحكم التركي، تصاعدت السياسة القمعية للسلطنة ضد هؤلاء المطالبين بلامركزية في الحكم" ص94، وكانت هناك إعدامات طالت كل من يعارض نظام الحكم: "كان جمال باشا السفاح قد عين يوم 21 آب موعدا لإعدامهم في ساحة بيروت" ص119.
أما عن حالة الناس العامة فكانت بهذا الشكل: "... حتى طوابير الجياع حول المخابز كانت فارغة، كان الناس يجلسون في الزوايا بشكل عشوائي، الأطفال توقفوا عن النبش في القمامة، والنساء توقفن عن التذمر والبحث عن الطعام، فما جدوى الصراخ وقد أصبح الموت يترصد الجميع في كل مكان،...بيروت ودمشق والقدس خسرت مئات الآلاف من الموتى" ص121و122.
وعندما كانت تحل الكوارث على المنطقة كانت التركي يتصرف مع الناس بهذا الشكل: "...أن مدحت باشا أصدر مرسوما يقضي بإلزام كل شخص بجمع ما مقداره عشرون كيلوغراما من بيض الجراد في اليوم، ومن لا يلتزم يغرم بأربعة جنيهات، وهذه مصيبة أخرى حلت على رؤوس هؤلاء المساكين" ص102.
المرأة
ما يميز الرواية "احتضار عند حافة الذاكرة" أنها تتحدث عن النساء ودورهن في المجتمع، فرغم أن أحداثها تعود إلى أواخر العهد التركي، إلا أن النساء كن لها دور اجتماعي، ويعرف مال يدور حولهن من أحداث سياسية، ويحملن طموحا في التعليم ويسعين للحصول على المعرفة: "ـ ما ضليش أهل، أبوي راح بالسفربرلك وما رجعش، وأمي ماتت وأخوالي راحوا ع الكرك، وإشي بيقول طلعوا مع جماعة المفتي ع القدس، والقدس م أحسن من الخليل، بدي أروح اتعلم أقرأ وأكتب وبدي أصير دكتورة، قالتلي صاحبتي البنات بيتعلموا وبيصيروا دكاترة في بلاد برا" ص77، هذا الكلام يشير على مجموعة مسائل منها، الظلم التركي من خلال أرسال رجال فلسطين إلى حروب لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، الانفتاح السكاني والمكاني في بلاد الشام من خلال الانتقال من الخليل إلى القدس والكرك، طموح المرأة الفلسطينية في تجاوز ما هو سائد.
الرواية من منشورات نوفل، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي