الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكتبات العامة زاد ثقافي واجب التحديث

صادق الازرقي

2022 / 6 / 3
الادب والفن


ذكريات عطرة تحملها الاجيال السابقة عن المكتبات العامة، التي كانت تتواجد في العراق، التي يلجأ اليها الشباب والدارسون طلاب المعرفة؛ واتذكر الاوقات الممتعة التي كنا نقضيها حين كنا صغارا، في مكتبة "العباس بن الاحنف" في مدينة الثورة، التي اختفت الآن، وكانت نشطة لاسيما في سبعينات القرن الماضي حين كان يستقبلنا مديرها بترحاب ونجلس على المقاعد الوثيرة ليوزع بيننا قصصا مصورة، سرعان ما نتناوب على قراءتها تباعا، ما ان نفرغ من واحدة منها، كما ان المكتبة كانت توفر المصادر المتنوعة للدارسين وتسمح لهم باستعارة الكتب خارجيا لقاء تأمينات.
لقد اسهمت تلك المكتبات العامة بتزويدنا بالزاد الثقافي والمعرفي المطلوب لإدامة نسغ الحياة ووتيرتها الثقافية، ولقد اختفى كثير من تلك المكتبات بسبب الاحداث السياسية غير الملائمة التي مر بها البلد لاحقا؛ فيما شكل التطور التكنلوجي الرقمي والكتب الالكترونية التي تنتشر الآن ظاهرة جديدة في التعامل مع الكتاب، ووسائل الحصول على المعلومة المعرفية.
لقد صدمنا قبل ايام بتقرير للبنك الدولي جاء فيه ان نحو 90% من الطلاب العراقيين يعجزون عن فهم ما يقومون بقراءته، فتذكرنا الاجيال السابقة التي لم تك تكتفي بالدروس الصفية بل تنشط منذ الصغر بالقراءات الخارجية سواء في المكتبات العامة او البحث عن الكتب في الاسواق؛ فتضاف المعارف الى حصصها المدرسية وتتوسع آفاق ثقافتها.
وفي الحقيقة فانه من الضروري الانتفاع الايجابي من التطور في التكنلوجيا الرقمية المعاصرة، ونأمل الا يسبقنا الآخرون كثيرا كما كان دأبهم دائما، وان ننتهز الفرصة التي توفرها الوسائل البديلة لنتمكن من جسر الهوة التي تحدثها التكنلوجيا والفضاءات الافتراضية بخلق اجواء تعوض عن انحسار المكتبات العامة في العراق.
أبرز ما يسجل للتطور الرقمي بحسب تشخيص المتابعين، هو ظاهرة ما يسمى الاكتفاء الذاتي للمستخدمين، اذ تتواجد مكاتب توفر المواد المطبوعة والرقمية السمعية والبصرية وأصبحت تستحوذ على مزيد من الأقراص المدمجة والكتب الإلكترونية وكثير من أجهزة الكمبيوتر، وصارت تلجأ إلى الأفكار المبتكرة لتغيير مواردها ونماذج البرمجة المعتمدة لديها ومجموعة الخدمات التي توفرها، وتعمل ايضا على الموازنة بين النتاج المطبوع والالكتروني والتقنية الصوتية لتواجد المنشورات الورقية والرقمية جنباً إلى جنب، بحسب ما يسجله مرتادو تلك الاماكن.
ونشأت مؤخراً كثير من المكتبات الحديثة حول العالم، تجاوز دورها الاطلاع على المعرفة فقط، وقد صُمم كثير منها ليقدّم خدمات متنوعة، مثل الأنشطة المخصصة للأطفال وقراءة الكتب وورشات عمل متنوعة، كما تضمّن بعضها مساحات مخصصة للأبحاث والدراسات والتعاون والتواصل العالمي؛ وضم بعضها الآخر مراكز للنشر ومختبرات للتعلم الرقمي، وجميع هذه الأنشطة أخذت تستقطب شرائح متزايدة من المجتمع المحيط بالمكتبات؛ للالتقاء والتفاعل والتبادل الثقافي، ويقول المتخصصون انها بذلك نجحت في الاسهام في الحياة المدنية وبناء العلاقات الاجتماعية من جديد؛ ولذلك أهمية خاصة، لا سيما في زمن تزايد الفردية في الحياة الاجتماعية، على حد وصفهم.
ووفرت البنايات المتجددة للمكتبات العامة اماكن هادئة بعيدا عن الضوضاء لاسيما لأولئك الذين يريدون التفكير والتأمل والقيام بكتابة الابحاث، فضلا عن توفير حيز للتعليم المبكر للأطفال بمصاحبة اسرهم، وغرفا للغات.
وعلى سبيل المثال فان مديرة مكتبة كولونيا العامة في المانيا، هانيلور فوغت، تشدد في لقاء على اهمية انتقال دور المكتبات الى العصر الرقمي وانخراطها في العملية التعليمية والخدمات المجتمعية، وتقول انهم في مكتبة كولونيا يعملون على المحافظة على الدور التقليدي للمكتبة بالتزامن مع اضافة التقنية الرقمية للخدمات التي توفرها المكتبة، مشيرة الى شاشات العرض المتوفرة لديهم التي تمكن الزائر من استعراض جميع الكتب الالكترونية المتواجدة وتحميلها على اجهزة الحاسوب الشخصية، وكذلك تتواجد غرفة للغة لتعليم الاجانب.
وصُمِّمت بعض المكتبات الحديثة لتكون جزءاً من مستقبل اقتصادي أفضل، مثل مكتبة برمنغهام في بريطانيا التي افتتحت في عام 2013 وعدت أكبر مكتبات أوروبا من حيث المساحة، وتضمنت مركز دعم تجاريا هو عبارة عن طابق كامل يأمل بوساطته القيمون على المكتبة إطلاق 500 مؤسسة تجارية عالمياً، بحسب المتابعين.
ويلفت المراقبون الى ان المكتبات لم تتغير فقط في المضمون بل تغير شكلها عن المكتبات القديمة فأصبحت المكتبات شاملة وجذابة، ذات مساحات رحبة، وأقرب إلى مراكز ثقافية على طراز الهندسة المعمارية المعاصرة المستعملة في المحلات والمراكز التجارية؛ وهذا ما جعلها منفتحة أكثر على الخارج، مضاءة وشفّافة، بحسب تعبيرهم، مثل مكتبة سياتل العامة في الولايات المتحدة الأمريكية التي بنيت في عام 2004، وعد بناؤها الأكثر ابتكاراً وثورية في العصر الحديث، وقد اشتهرت هذه المكتبة بغرف القراءة ذات الأسقف الزجاجية التي تجذب إليها الأشخاص من شتى الأعمار والفئات المجتمعية، كما يمكن للناظر من الخارج رؤية حركة المصاعد الكهربائية في داخلها، الأمر الذي من شأنه أن يجذب المارة إليها، تماماً مثلما تفعل المراكز التجارية ومراكز التسوق.
ويتفق المتخصصون والمتابعون على ان العصر الرقمي الحديث فسح المجال لتحديات عدة للمكتبات، إلا أنه قدَّم لها فرصاً كبيرة لتبقى وتزدهر، ويقول أحد المسؤولين عن المكتبات ان المكتبات الحديثة تقوم بمساعدة أي شخص للعثور على الموارد المطلوبة، وعلى سبيل المثال شخص يأتي للحصول على معلومة طبية معينة فنساعده في ذلك ونعلمه كيف يستعمل قواعد البيانات الرقمية المتواجدة على الإنترنت، وفي المكتبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل