الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر والعراق .. من عانى من من ؟

داود البصري

2003 / 5 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                           

التنويه البسيط الذي صدر عن وزير خارجية مصر السيد أحمد ماهر السيد حول معاناة النظام المصري من النظام العراقي البائد لايمثل الصورة الحقيقية لتاريخية العلاقات المصرية/ العراقية في العصر الحديث ؟ وهي علاقات إتسمت بالتربص والتآمر والتدخل من الجانب المصري على وجه التحديد ؟ وليس سرا أن العديد من المصائب التي حدثت في العراق تتحمل السياسة المصرية جزءا كبيرا وفاعلا منها ؟ وإن بدت الأمور عكس ذلك ظاهريا ؟.

ولاأدري حقيقة ماهية تلك المعاناة التي تحدث عنها أحمد ماهر حديثه المقتضب ؟ أهي المعاناة التي تسبب بها حكام العراق السابقون في عزل مصر مثلا بعد مبادرة السادات عن العالم العربي ؟ وهي مسألة تتجاوز إمكانيات النظام العراقي الفعلية ، فقرار المقاطعة كان قرارا عربيا إتخذته أطراف فاعلة إستراتيجيا مثل السعودية ودول الخليج وسوريا وليبيا وليس النظام البعثي فقط الذي ظل يحتفظ بعلاقات خاصة وسرية جدا مع مصر تبينت أسسها وفاعليتها عند إندلاع الحرب العدوانية ضد الجارة إيران وقيام مصر ببيع جميع الأسلحة السوفياتية الخردة للعراق والمتبقية منذ حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973 التي أرادها المصريون أن تكون آخر الحروب حسبما كان يؤكد الراحل أنور السادات؟ وقد صدق في تأكيداته قولا وفعلا وظل الخلف يسير على نفس نهج السلف فلم يغير ولم يبدل وظلت أكتوبر وستظل آخر الحروب في الجبهة المصرية ؟ لذلك لم يكن غريبا ولامفاجئا أن تباع الترسانة المصرية الكاملة من السلاح الروسي المستهلك لترسانة صدام السابقة التي إستهلكها في حرب إيران التي كانت كجهنم تماما تتساءل كل يوم وساعة : هل من مزيد ؟ وهكذا كان الدور الإستراتيجي المصري دعما لنيران أبشع حرب إقليمية وبذريعة الحفاظ على عروبة البوابة الشرقية أيضا ؟ وبرغم إنقطاع العلاقات الدبلوماسية بين العراق ومصر منذ عام 1977 وحتى أواخر الثمانينيات إلا أن التنسيق بينهما كان في أعلى مستوياته وشهد العراق وبتشجيع من صدام البائد تدفق أعداد كبيرة وبالملايين من الكادحين المصريين للعراق ليشغلوا كل مجالات الحياة العراقية بعد إجبار الذكور العراقيين على الإنخراط في المذبحة القومية/ الصهيونية ضد إيران ؟ لأن كل عراقي هو ( مشروع شهادة ) وفقا لأراء صدام المهزوم!! ، وبرغم المداخلات والنتائج المأساؤية التي شهدها التواجد المصري المكثف في العراق كحكاية ( النعوش الطائرة ) بين بغداد والقاهرة إعتبارا من عام 1988 وهي الأيام التي تسبب النظام بمذبحة رهيبة طالت أشقاؤنا المصريين إلا أن العلاقات بين النظامين لم تتأثر سلبا؟ بل على العكس فلقد شهدت تلاحما وإنعطافة لانظير لها في تاريخ المنطقة المعاصر عبر الإتفاق على تشكيل ماكان يسمى ب ( مجلس التعاون العربي ) الذي شمل الأردن واليمن!! وجميعهم حلفاء لصدام في حربه ضد إيران؟ هذا المجلس الهش الذي أريد أن يكون غطاءا عربيا يحمي ظهر صدام وهو يعد العدة لغزو وإبتلاع الكويت وتشريد شعبها ، كان نكتة إستراتيجية كبرى لأنه عبارة عن تجمع للمفلسين أراد به صدام خلق زعامة قومية له فلم يحصد سوى البؤس والخسران واللعنة الأبدية ؟ كما أن شركائه في المجلس العتيد تبرأؤا من مسؤولية المشاركة في الطموحات البعثية للهيمنة ، فدخل في مستودعات التاريخ الخلفية ؟.

تاريخيا ... كان الدور السياسي المصري في العراق سلبيا منذ أواخر العهد الملكي ومع تبلور الخطط للأمن الجماعي في الشرق الأوسط ، وحيث وقف نظام البكباشية والضباط مواقفا سلبية من السياسة العراقية تميزت بالمناورة والخبث وتخريب الجبهة الداخلية وتشجيع التيارات المتطرفة والتآمر في الداخل العراقي لتقويض الإصلاحات التي ظهرت في أخريات العهد الملكي ؟ وكانت حكاية ( حلف بغداد ) هي القشة التي قصمت ظهر البعير ، وكما أكدتها محادثات سرسنك في صيف 1954 التي حضرها عن الجانب المصري الصاغ ( الرائد ) صلاح سالم مع كل من المرحومين الملك فيصل الثاني ورئيس الوزراء العراقي الراحل نوري السعيد والتي كانت من نتائجها المباشرة تهميش الدور السياسي المستقبلي لصلاح سالم إلى أن توفي منبوذا من عبد الناصر عام 1961 ، وقيام الإعلام المصري الغوغائي وقتها بأبشع عملية تضليل وتشويه إعلامية ضد السياسة العراقية عبر إستخدام الإعلام البذيء الموجه ضد دولة بكاملها ؟ وبعد سقوط النظام الملكي على إثر إنقلاب عام 1958 مارست السياسة المصرية تدخلها الإستخباري في الشأن العراقي متسببة بمآسي كارثية وعبر رجالها وأجهزتها في سوريا أيام الوحدة مع مصر وتسببوا بدمار عظيم ونزيف هائل للدماء في الموصل عبر حركة العقيد الإنقلابي عبد الوهاب الشواف عام 1959 ، وكذلك تشجيع وتخطيط كل خطط الإنقلابات العسكرية وأيوائها للإرهابيين البعثيين بعد أن حاولو إغتيال المرحوم عبد الكريم قاسم عام 1959 ، وأسبغوا الحماية على القتلة ومنهم الرئيس الهارب حاليا صدام حسين الذي ترعرع في الأحضان الإستخبارية ولعل السيد رئيس مركز الدراسات العربية في لندن حاليا عبد المجيد فريد يبوح يوما بملفات أسراره لأنه كان مسؤولا عن تدبير المؤامرات في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد كما كان مسؤولا عن شؤون اللاجئين السياسيين العرب في مصر ؟ وهو الذي كان وإلى سنوات قليلة يفتخر بلبسه لساعة تحمل صورة صدام حسبما كنا نقرأ في مجلة ( الوطن العربي ) الباريسية أيام الدعم العراقي المليوني؟؟، كما لايمكن للتاريخ أن يغفل عن الدور المصري المتميز في تدبير إنقلاب فبراير/ شباط 1963 الإرهابي الفاشي الأسود الذي صبغ شوارع وبيوت العراقيين بالدم وكان التسلل الفاشي البعثي الأول لدروب السلطة في العراق ، وهو الإنقلاب المدعوم من المخابرات الأميركية والمصرية والأردنية ؟ في خلطة غريبة إلتقى فيها ثوار صوت العرب مع مناضلي صوت أميركا ؟ ليتبين مدى الحقد على العراق ؟ ، وبرغم سنوات العداء في التسعينيات بين نظامي مصر والعراق إلا أن التنسيق بينهما لم ينقطع ، ولم تنقطع المصالح الإقتصادية والسياسية والأمنية ، وكان العراقيون ومن حاملي جوازات السفر الأجنبية يجابهون بمواقف عدائية وإستفزازية غريبة في المطارات المصرية وعلى العكس تماما من حاملي جوازات السفر الإسرائيلية ؟ ثم يحدثونك بعد ذلك عن العروبة ... وأمجاد ياعرب أمجاد ؟ ، وحتى إلى ماقبل حرب إقتلاع صدام الأخيرة كان التنسيق الدبلوماسي على أرفع مستوياته ؟ وكانت القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ محجا وملاذا للدبلوماسية البعثية من خلال طه الجزراوي أو عزت الدوري أو طارق عزيز أو ناجي الحديثي ؟ بل أن علي كيمياوي ذاته كان مقررا أن يزور القاهرة بعد بيروت لولا مداخلات معينة أجلت الموضوع ؟ إذن عن أية معاناة يتحدث السيد أحمد ماهر ؟ ومن عانى من الآخر ؟ وماهي شكل المعاناة التي يقصدها ؟ هل هي في إدامة حبال الود مع النظام والتضييق على المعارضين والأحرار ؟ أم هي في توفير وحماية اللوبيات البعثية في القاهرة من تجار الشنطة وسماسرة السياسة الإرتزاقية من رجال الأعمال والفنانين وبعضهم مرتبط بجهات عليا ؟ وعلى مين يحاول وزير الخارجية المصرية لعب دور البراءة والتنصل من العلاقات مع صدام ونظامه ؟ ، لقد إنتهى وإلى الأبد عهد السياسات المخاتلة وإستغفال الشعوب ، والعراق الجديد سيكون مختلفا بالكامل عن السابق ، ولم يعد مسموحا اللعب بمصالح الشعوب من أجل شعارات غبية وهوجاء ، ولقد عانى العراقيون كثيرا من سياسات الأنظمة البائدة كما عانوا أضعافا من سياسات النفاق العربية التي لم تجلب سوى الكوارث على العراقيين ، والإعتذار من العراقيين لايكون بإبراز تبريرات سقيمة واهية بل بمواقف رجولية تعيد الثقة لعهد طويل من التآمر والدم واللعب بالدماء والمصالح ! .

ونكتفي عند هذا الحد ...؟.

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز