الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع على السلام

نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)

2022 / 6 / 3
القضية الفلسطينية


لا غرابة، أمام واقعنا العربيّ المأزوم، أن يُصبحَ السلامُ مع "إسرائيل" عند البعض قضيّة خاضعة لمعايير النسبيّة وتباين وجهات النظر فيها، إذ أنّ هذا التحوّل التراجيدي لفكرة السلام من خيانةٍ عظمى الى وجهة نظر لم يكن الّا نتيجة لعجز العرب عن إزالة هذا الكيان من الوجود. انّما الغرابة، بل الوقاحة، أن يعمدَ بعضُ منتعلي الأقلام وممتطي المنابر السياسيّة و"الثقافيّة" الى التشكيك الوجودي في نضال الشعبين الفلسطيني والعربي ضد العصابة الصهيونيّة. في الواقع، لا منفعة تُرجى، مع هؤلاء المشكّكين، من إخبارهم عن النضال العربي، لأنّ من لا يرى الشمس، وهي تحرق جلدَه في أظهار تمّوز، لن ينفعه الحديث عنها.

"ولكن أين كل هذا النضال؟" أمرٌ مقبولٌ، بل طَبَعيٌّ، أن يتبادر هذا السؤال الى وجداننا، نحنُ الذين نعيشُ في حالةٍ مركّبة من العجز والتشتّت والشقاء، فنتساءل، مشكّكين، عن نضال آبائنا. على أنّ الشكَّ الوجدانيّ، إذا صح التعبير، يختلف بصورةٍ جذريّة عن الشكّ العقلي المطلوب. فالشكُّ الوجداني يكون تعبيرًا عن أسى وجلدٍ للذات التي لم تحقّقْ ذاتها بعد، أمّا العقلي فهو من باب النقد الذاتي، الذي يعترف بنضال الفلسطينيين والعرب، ثم ينقدُه بصدق في محاولة لإعادة تشكيله في صورةٍ تتناسب مع الطبيعة التي صار اليها الصراع "الإسرائيلي"-العربي. وليس من جلدٍ للذاتِ اذا قلنا أن نضالنا، نحن العرب، لم يزل نضالًا فِطريًا ولم يرتقِ بعدُ الى مستوى الصراع الوجودي القائم بالضرورة بين "إسرائيل" والعرب. ولعل أحد أوجه تدنّي النضال عن المستوى المطلوب هو أنّنا نسمّي الصراع مع "إسرائيل" بـ "الصراع العربي- الإسرائيلي" بدلًا من الصراع "الإسرائيلي- العربي"، وكأنّنا نحنُ من خلقَ هذا الصراع. ولذلك لم تزل قضيّة السلام العربي-"الإسرائيلي" قائمةً الى الآن.

إنّ الحديث عن سلامٍ ما يلزم عنه، بالضرورة، وجودُ طرفين يريدان السلام. وهنا نجدُ أنفسنا مضطرّين للاجابة عن سؤالٍ ضروريٍّ لتحديد موقفنا من القضيّة الفلسطينيّة؛ هل يُمكن للـ "إسرائيلي" أن يكون "شريكًا"؟

إنّ الجواب العربي الشعبي هو؛ "لا، لا يمكن ذلك". ولو أردنا أن نصوغ الجواب بصورة علميّة وإنسانيّة لما غيّرنا في صيغته الشعبيّة حرفًا واحدًا؛ "لا، لا يمكن ذلك" هو الجواب الوحيد الذي يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الصراع من جهة، وطبيعة المتصارعَين من جهة أخرى. فمن يعرفُ كيف نشأتْ، أو أُنشئت، مؤسّسةُ "إسرائيل"، كما وصفها السيد موسى الصدر، يدركُ تمامًا أنّه لا حقّ لها في أن تكون شريكًا في حكم فلسطين. ومن يعي سننَ التاريخ وصيرورته يُدرك، بل يؤمن، بأنَّ "إسرائيل" هي كيانٌ حتميُّ الزوال ولا مستقبل له على هذه الأرض.

سنتناسى، لصفحة او صفحتين، مسألتي الحق في الشراكة والصيرورة التاريخيّة ونطرح سؤالًا آخر على عقولنا؛ هل يريد "الشريك الإسرائيلي" سلامًا مع الفلسطينيين والعرب؟

لكن إن تناسينا صيرورة التاريخ فلا يمكننا أن نتناسى وقائع التاريخ الحديث التي تؤكّد، لمن يملكُ ذاكرة غير مثقوبة، أن "الإسرائيلي" لا يريد سلامًا، بل يريد استسلامًا، وكأنّه يوحي بأفعاله أنّه يتفضلُ على الفلسطينيين فيسمح لهم بالعيش على أرض ميعاده المزعوم. ولو سددنا الثقب في ذاكرتنا واستعرضنا مجريات الأحداث لرأينا أن "إسرائيل" لم تُقدم على خطوة واحدة تدلُّ، ولو تأويلًا، على نيّة جدّية للسلام.

فبعد توقيع اتّفاقيّة أوسلو، التي كانت مذلّة للعرب رغم مبرّراتها شبه المقبولة، ظهر انقسامٌ "إسرائيليٌّ" آنذاك بين يسار مؤيّد ويمينٍ معارض للاتّفاقيّة، وهذا يدلُّ على أنّ فكرة السلام غير منجزة عند "الإسرائيليين" أنفسهم. ومن غير المعقول أن يبقى العرب رهنَ المزاج "الإسرائيلي" المتبدّل بين الحرب والسلام.

كثيرةٌ هي الأفعال "الإسرائيليّة" اللاغية لفكرة السلام؛ فالاستمرار باحتلال جنوب لبنان حتى عام 2000، وانتهاكات "إسرائيل" الواضحة لأوسلو التي أدّت الى الانتفاضة الفلسطينيّة، ثم حصار كنيسة المهد، وحصار أبو عمّار، وضلوعها في اغتياله فيما بعد، وانتهاك "إسرائيل" المستمر لقوانين الشرعيّة الدوليّة بخصوص مدينة القدس، وما يحدثُ من اقتحامٍ مستمر للمسجد الأقصى واعتداء على المصلّين، والوحشيّة التي تتعامل بها المؤسّسات العسكريّة "الإسرائيليّة" مع الفلسطينيين، والاعتداء على الصحفيين واغتيالهم، وغير ذلك من الجرائم بحق الإنسانيّة وجرائم الحرب التي لم تتوقف منذ عام 1948، كلُّ هذا يدلُّ على حقيقة واحدة؛ إنّ طبيعة "مؤسّسة إسرائيل" تجعلُ من فكرة السلام معها أمرًا مستحيلًا عمليًا.

ليست "إسرائيلُ" وحدها من يريدُ الاستسلام بعنوان السلام، بل المجتمع الدولي، ممثّلًا بالأمم المتّحدة وأجهزتها، لا يُظهرُ نيّة جدّية للسلام. فأمام كل الجرائم والانتهاكات "الإسرائيليّة" بحق الفلسطينيين والعرب لا يُحرّك المجتمعُ الدوليُّ إلّا لسانه ببعض الشجب والاستنكار كأنّه يقول لـ "إسرائيل"؛ لا تقتلي دفعةً واحدة، اقتلي على مهل.

لقد أثبتَ حلُّ "الدولتين"، تجريبيًا، أنّه حلٌ فاسدٌ علاوةً على أنّه لاإنساني، لأنّه يُقرُّ بحقّ الاحتلال في المزيد من الاحتلال والقتل. فلا سلام إذًا في الشرق الأوسط في ظل وجود "دولتين" على أرضٍ واحدة.

وانطلاقًا من أنّ صراعَنا، نحن العرب، ليس مع اليهوديّة وإنّما مع الصهيونيّة والتلموديّة، يمكننا أن نطرحَ حلًّا هو قيام دولة واحدة هي الدولة العربيّة الفلسطينيّة على مساحة فلسطين، كل فلسطين، تسمحُ لليهود بتأدية طقوسهم الدينيّة بحريّة يكفلها وينظّمها قانون الدولة الفلسطينيّة التي لا شريكَ "إسرائيلي" لها. وبذلك يمكن للـ "مستوطنين" أن يعيشوا بسلامٍ تحت الحكم العربي الفلسطيني، أو يرحلوا بسلامٍ ويتركوا الأرض لأهلها. وبالتالي، إنّ أولى خطوات السلام بين الفلسطينيين والعرب من جهة ومكوّنات المجتمع "الإسرائيلي" الراغبين في العيش على أرض فلسطين من جهة أخرى هو زوال مؤسّسات "الدولة الإسرائيليّة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس