الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهل وانحدار الحضارات..

حسام علي

2022 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


إن ظاهرة قيام حضارة ما في أمة ما، لهو أمر ليس بالمستغرب، ذلك أن العالم يتطور ولكل أمة إنجازات معينة، سواء كبرت أو صغرت، فهي تبقى لها خصوصياتها المتعلقة بها التي من غير الممكن لأمة أخرى أن تتقمصها وتنسبها لها، ولكن أن تنهار هذه الحضارة وتنحدر بسرعة، وبالمنظور الواقع يكون من الصعب أن تنهض من جديد إلا بمعجزة، فهذا هو الذي يثير علائم الدهشة والاستغراب والتأسف في ذات الوقت. لذا، يتوجب التوقف ملياً عند هذه الظاهرة، للحديث عن السبب الذي وراءه يكمن الانحدار.
فعندما تحقق أمة أو بلد ما تألقاً حضارياً، نفهم من هذا، أنها نجحت في ضمان التحول الى أفضل حال من التمدن في العمل والإنتاج، بل تمتعت كافة قطاعات الدولة وحسب تخصصاتها، بأفضل المظاهر العلمية والأدبية والأخلاقية والبحثية والاجتماعية والفنية والعدلية والسياسية وغيرها. وهذا دون شك، يدعو للفخر والاعتزاز بهكذا أمة قد نقشت صورة مجتمعها الجذابة بين صفحات التاريخ، وخاصة في أنظار الآخرين الذين ما فتئوا ينهلون من علم وأدب علمائها ومفكريها على الدوام.
لكن بالمقابل يعني، أن زوال هذه المظاهر، سوف يؤدي بحضارة الأمة الى الانحدار شيئاً فشيئاً، بالتزامن مع كل خطوة أو مرحلة تشهد قطاعات الدولة تراجعاً فيها. أي أن الامة سوف تكون مقبلة على صفحات تخلف وجهل وانعدام حالات ابداع وتفكر، من جديد، بغض النظر عن اختلاف المسببات في زوال المظاهر، سواء أكانت نتيجة تفشي أمراض أو شن حروب أو تسلط حكومات ديكتاتورية قبيحة الاخلاق، وهنا تكمن الطامة الكبرى. لأن تفشي الأمراض سيكون له علاج ناجع يوماً ما، وشن الحروب لابد لها من نهاية. أما تسلط الحكومات الديكتاتورية القبيحة الاخلاق، فمن الصعب إحداث انقلابات فكرية إزاءها لإنشاد التغيير السياسي والاجتماعي. ذلك أن هكذا حكومات، تكون إبان حكمها قد أسست لقاعدة جماهيرية عريضة من المؤيدين السذج والجهلاء، يكونون على استعداد دائم وغير مشروط للتضحية من أجلها والوقوف الى جانبها كسد منيع يحميها من أية احتمالات قد تلوح لقيام ثورة شعبية ضدها.
وهؤلاء المؤيدين، في الحقيقة لم يعودوا بشراً لهم آراءهم، ولا هم باتوا يمتلكون عقولاً لها أفكارا واعية تدرك ما يدور حولها. في هذا الخصوص يقول ابن خلدون في مقدمته: إن من العوامل التي تؤدي الى انهيار الحضارة وسقوطها هو تعرض الدولة الى انقسامات، وشيوع الظلم وما ينتج عنه. وإن الشعوب التي اعتادت الكسل وعدم الجدّ، سهلٌ التمكن منها ومن ثم حكمها. ثم يؤكد على أن الدول والأمم تصاب بالهوان عادة إذا ما ثبت الحاكم فيها فترة طويلة، فمع استقرار حكم الحاكم الجديد سيفقد حماسه في شعبه ورعيته، وهذا ما سيمهد لظهور الفساد، وإن استمراره لفترة طويلة لابد وان تزيد الهوة بين الأغنياء والفقراء، لذلك ستخرج أجيالا غير فاعلة. وأما عن علاقة رجال الدين بالمال والثروة، فيرى ابن خلدون أن رجل الدين ينبغي ألا يكون صاحب ثروة، ذلك لأنه داع صاحب منهج توعوي، وما كسب المال واللهث وراءه، إنما لتحقيق مآرب دنيوية، تتنافى مع ما يدعو له. واذا كسب مالاً أو سعى بجد نحوه، فهذا بكل تأكيد سيمهد لبداية تفشي الفساد وبدء مرحلة الانحدار الاجتماعي، خاصة عندما يكون لهذا الداعي، رجل الدين، مؤيدون شتى.
إذن، فأن هناك علاقة بين تسلط الحكومات الديكتاتورية وتخلف وعدم وعي ممن يسعون لتأييد هذه الحكومات. فهي علاقة تشبه الاواصر المحكمة بين الالكترونات التي تدور حول نواة الذرة. وحسب النظرية الفيزيائية: إن الذرة تتكون من نواة تمثل المركز وتدور حولها الالكترونات، كالشمس التي تدور حولها الكواكب، وتكون هذه الكواكب تحت تأثير قوة مغناطيسية تجذبها نحو الشمس تساوي ذات القوة التي تبعد الكواكب عن الالتصاق او الاقتراب اكثر بالشمس. فتضمن الشمس ونتيجة هاتين القوتين المتضادتين، أولاً بقاء الكواكب تدور حولها وثانياً لا تقترب منها أبداً، لئلا يتغير نظام حكم الشمس للكواكب. وهذا يفسر، أن محاولة فصل الالكترونات عن النواة تعد من الأمور الصعبة لأنها تحتاج الى طاقة إضافية تسمى بطاقة التأين التي يمكن بها تحرير الالكترون عن نواة الذرة وبحسب نوعية العنصر.
كذلك الحال، حين محاولة فصل هؤلاء السذج او البسطاء عن السلطة وهم الذين يفدونها بأنفسهم لبقائها، يحتاجون الى طاقات إضافية تُضخ فيهم، لكي يفيقوا ويعلموا حجم المآسي التي جاءت بها سلطتهم الديكتاتورية القبيحة. وعلى هذا الاساس، يمكن القول إن سقوط حضارة في اي بلد مرهون بتراكم أعداد المدافعين عن حدود السلطة الحاكمة. السلطة التي يغيب في حكمها العدل والرفاه الاجتماعي، بل يسود خلالها الاستبداد بكافة اشكاله وانواعه، وما يسود، هو فقط الشعارات والتمريرات والتصرفات التي تعزز البقاء والتسلط. عليه، يكون انهيار وسقوط حضارة وكل ثقافات الدولة أكيد وليس محتمل.
أي ما معناه، أنه كلما أرادت الحكومات المستبدة تعزيز بقائها وفرض قسوتها، ما عليها سوى إحكام قبضتها الحديدية والتضييق على الحريات بل وحجر العقول من خلال تعطيل عجلة العلم بالدرجة الأولى مقابل شيوع حالات الجهل والخرافة ونشر القصص التي توهم الأفكار وتلوثها، فيسلم الواقع أمره للاستبداد أكثر لأن يفرش جناحيه ويغطي بهما على الناس. وهنا يؤكد ابن خلدون مرة أخرى، أن السبب في ذلك بحسب قوله: أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها فانقادت إليه وانتحلت جميع مذاهب الغالب لها، لذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في سائر أحواله كما في تشبه الأبناء بالآباء وما في ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم.
لكن ورغم خطورة سيادة الاستبداد في أغلب المجتمعات، فحالة التفاؤل دائمة ما تكون حاضرة، وحضورها يستند الى المتعارف عليه في كل الأزمان بأن عمر الاستبداد قصير قياساً بعمر التاريخ البشري، وأن سُنة الحياة ماضية الى التحولات والتغيرات، وأن بديل الاستبداد وتخلف الأفراد اللذان هما سببان رئيسان في انحدار الحضارات، لهو قادم وسيقول كلمته المبنية على العلم الذي أدركت كثير من الأمم قيمته في تأمين الوجود الإنساني وحفظ مكانته وتفوقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد