الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوتوبيا الراوي في (نادي الحفاة) للقاص ضاري الغضبان

طالب عمران المعموري

2022 / 6 / 4
الادب والفن


تصدر السرد مملكة الأدب في أواخر القرن العشرين بعد أن كان الشعر متربعا لقرون طويلة ربما لحاجة العصر لفن جديد في ظل تطور العلم والتكنولوجيا بمثابة الخيط المتين الرابط بين العلم والفن والخيال والواقع، لذلك تطور فن السرد تطورا سريعا وتنوعت ميادينه فشمل جميع مناحي الحياة فطرحت من خلاله مواضيع ذاتية وأخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية، ومن ثمة تطورت تقنيات السرد والرؤى.. وهيكلة السرد بعناصره من احداث وزمان ومكان وشخوص وحبكة عبر راوي الذي يعد قطب الرحى في العملية السردية، بتعدد انواع الرواة سواء كان خارجي أو مشارك او تعدد الرواة والخروج من إشكالية الصوت الواحد والتحرر من بعض القيود التقليدية وسطوة الراوي العليم في القص الى تقنية السرد الجديد او ما يسمى بالقصة الجديدة، ومرحلة تيار الوعي ينقل لنا الحدث من طور الحكاية الي خطاب قصصي، فالحدث قد يرويه الكثير الا ان اسلوب القاص وتقنيته هو المطلوب وهو الذي يشد القارئ ويتفاعل معه..
بين يدي مجموعة قصصية تحمل عنوان (نادي الحفاة) للقاص ضاري الغضبان والفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية في دورتها الحادية عشرة
في طبعتها الاولى الصادرة عن الشركة السودانية للهاتف السيار2021
يطرح لنا تيمة العمل كجنود مجهولين من أجل اسعاد الناس والإصلاح ونشر الجمال والمحبة والانتصار لقيم الحق والخير يبين لنا مدى قدرته على بناء عالم قصصي متخيل
سيميائية المناص:
النصوص الموازية في المجموعة القصصية (نادي الحفاة ) كونها نصوص دالة ومرافقة للنص وعلى علاقة وثيقة معه وله سلطة توازي سلطة المتن / القص ومن هذه النصوص الموازية العنوان الرئيس الذي جاء عنوان استنباطي من أحد عناوين المجموعة حيث يعد مكوناً نصياً فاعلا وعلامة لغوية تمنح النص سلطة سيميائية مهمة واعني القصد من وراء اختيار العنوان وممهدا للموضوع وهو المدخل الى فهم النصوص للولوج الى عالم المجموعة القصصية جاء عن قصد وليس اختيارا اعتباطيا ، يتوجه الى القارئ للتحاور مع افكاره والتأثير فيه و يعد غاية العنونة للتعريف بالمجموعة ومشاركة في احداث تفاعل اجتماعي ..
اما بخصوص غلاف المجموعة ربما كان من اختيار الناشر وارى انه اخذ الطابع التجاري الترويجي علما ان المجموعة غنية بمحتواها القصصي وتقنيتها العالية ، فلا يمكن اغفال سيميائية الغلاف ودوره في تقديم اي نتاج ادبي وكل ما يحيط به من نصوص موازية فيتخذ كل من اللغة والايقونة البصرية شكلاً محيطاً دلاليا يحدد المعنى الذي يمكن ان ينتج من خلال" تحليل البنية اللغوية والايقونية للغلاف، ويتم هذا التحليل على مستوى المتلقي فيساعد على تثبيت المعنى والاحاطة به"1
عناوين المجموعة بوصفها عتبات نصية تتصدر كل عمل قصصي وهي بمثابة المفاتيح التي تساهم في فك مغاليق النص والتوغل في بنيتها الدلالية، جاءت بلفظ مركب وبتنوع عتباتها العنوانية بين اللغة الانزياحيه التعبيرية المؤثرة التي تتحقق بدافع التجاوز والتمرد على اللغة التقريرية واليومية واللغة البيضاء : مصنع السعادة/ لص الابواب المواربة/ بيادر الديم/ ناخي الحافي /استنتاجات /هجرة الحواس / غياب بحضور ذهبي / المقعد الشاغر/ نادي الحفاة/ النهر الابتر/ عصابة الخضر/ ما بين السطور/ الهروب نحو العطش /الموديل
وكذلك الاهداء في النص القصصي بوصف الاهداء من المناصات المهمة ونصا موازيا يمثل تواصلا حميميا بين الكاتب والمهدى اليه حيث جاء اهداء الكاتب ملمحا يحمل في طياته قيماً اخلاقية واجتماعية وايديولوجية ومطابقا للأفعال وسلوك شخصياته:
الى/ الجنود المجهولين ..
اولئك الذين يوشمون وجه الارض ببصمات أقدامهم
الحافية ...
الكادحين بدون كلل أو شكوى، لكنهم يصنعون
الفارقَ
فمن مفردة الحفاة ننطلق الى فهم ما وراء المعنى وما اعتمده القاص في توظيف الميتا قص وفي نمط سردي تميز بالبساطة وعمق المعنى بتقنية عالية وانسيابية في السرد بمفارقة وادهاش تشد المتلقي وتغرس فيه روح التعاطف مع معشر الحفاة .
وبغض النظر عن المعنى القاموسي والمعنى المتداول على صعيد البعد الفلسفي والصوفية لمفردة الحافي فأن القاص ضاري الغضبان يوظف المفردة في مجموعته القصصية ( نادي الحفاة) والخروج من سكونيتها عبر شخوصه يحاول القاص تقديم رؤيا محاكيا البعد الفلسفي الفيثاغوري
فقد كان للمدرسة الفيتاغورية نظام من الأخوة، كأنها دير أو معبد، فجميع الطلبة يرتدون زياً واحدا هو الملابس البيضاء، ويعيشون معيشة واحدة هي حياة الزهد والتقشف والبساطة، ولا ينتعلون – في الأعم الأغلب – بل يمشون حفاة الأقدام 2، هدفها تطهير النفس للوصول الى الحياة السعيدة ، لهم قواعد اخلاقية منها الولاء للأصدقاء وكل شيء مشترك بينهم والاعتدال والبساطة في استخدام الخيرات، نرى يتجلى ذلك المعنى في قصة دار السعادة 3 :
- عبير حدائق المدينة نميزه ويميزنا؛ لأن فيه بصمتنا، نفحات عطر الجميلات رديف إحساسنا، أسرار العشّاق في بئر عميقة محفوظ في صدورنا، مسرات الأمهات الصغيرات والجدات الهرمات تبكي لهنَّ بفرح أعيننا، عذابات الفقراء المُدقعين وسبل حيلهم الساذجة في علمنا، خيبات المُفلسين تحت ظِل أجنحتنا، تحوّل الخائبين من فكرٍ لآخر- وفق مرض ركوب الموجات ـ نوثقها بخطوطنا، المعلومات عن المخطوبات للمتسائلين من الباحثين عن زوجات مواصفات معينة دیدننا، خرائط بيوتات المستترين تُعلن بعد وصفنا، أقول نجوم المال والجاه من توقعاتنا، وعودة الضّالين لذويهم - بعد جفاء . تحت إشرافنا، دروب المدينة نعرفها جيداً تعرفنا، حرمان البائسين أهم همومنا، هؤلاء نحن، أصدقاء ثلاثة، القدر قد جمعنا، نهرب منه، فيتبعنا لينصفنا.... ص٧
وقد تأخذ بعدا اخر يكاد يشبه إلى حد قريب المدينة الفاضلة نرى ذلك في قصة نادي الحفاة بقعة من الارض بعيدة عن المتطفلين تكمن خصوصيتها في نوعية روادها ، وهم هجين متناقض فكريا ، متعايشين بشكل مدهش جعلها مرتعا خصباً لشاربي الكحول حليقي الوجوه بميول اشتراكية وللملتحين بميول دينية على حد سواء ، دون تخطيط قسمت هذه البقعة من الارض لجناحين يسار يرتاده اشتراكيون مع بعض اصدقائهم من الفنانين والادباء الاقرب الى الصعلكة ، ويمين يتخذ منه أصحاب الزي الديني والافكار الروحية ولا تقاطع بين الفريقين رغم التناقض الواضح في الافكار :
" لم تسجل لدى اجهزة الشرطة أية مشكلة بين الطرفين ، وهذا ما جعل السلطات تغض البصر عن هذه البقعة العجيبة وتتركها دون تدخل خارجي .. لكن روادها كانوا دوماً يشكلون عوناً للشرطة النهرية في انقاذ الغرقى ، كون الجسر القريب مرتعاً للهاربين من كابوس الحياة ، فقد اشترك الملتحون مع الحليقين مرات عديدة في الاسراع نحو منتحر على وشك الغرق وانقاذه" ص 80
القائم بالحكي ومتلقيه:
قصص ضاري الغضبان اشبه بمملكة ينشئها ثم يولي عليها راوٍ يختاره يديرها ويراقب سكانها ومعرفة احوالهم ، فتارة يكون الراوي داخل مملكته (راوي مشارك) كما في شخصية السارد المشارك في( قصة مصنع السعادة) يروي لنا حقيقة واحداث دار السعادة والتي هي عبارة عن مجموعة من الافراد الذين شكلوا اشبه بجمعية تدعو إلى الإصلاح بعد الانضمام اليهم والتقرب من شخوص وابطال القصة " فرصة للتقرب من الثلاثة ومعرفة طقوسهم في دار السعادة التي أثارت الجميع ، وزرعت الانقسام بين الاهالي .فالتقيت بهم ، وطلبت موافقتهم على الانضمام للساكنين بهذا البيت المثير الجدل" ص8
يصور لنا الكاتب على لسان السارد المشارك شخوصه تصويرا خارجيا فهو يهتم بتصوير ملامحها الجسمية وما ينعكس عنها من افعال وانفعالات نفسية " عايشتهم بأم عيني كيف يعالجون المواقف المعقدة بدراية " ص 13
فقد صار امرا معروفا لدى جميع النقاد والمشتغلين في مجال السرد على "ان النص القصصي يقوم اساساً على مبدأ الوساطة، فلا يصلنا كلام المؤلف الا عن طريق أعوان سرد يفوضهم عنه فيكتسي كلامه صبغة تخيّليّة" 4
ففي قصة ( ناخي الحافي ) وظف الكاتب سارد مشارك ينهض بفعل الحكي يتمثل في شخصية المحامي الذي ينقل لنا حكاية موكلته السيدة باهرة: " فهي طلقت زوجها الثالث ومن خلالي كمحامٍ قبل ستة أشهر والمُطلّق شخصين قبله، تزوجتهم على أمل أن تلد ولداً؛ يرث آلاف الهكتارات وعشرات البساتين والمزارع من بعدها، فهي وحيدة المرحوم ابيها، وتدير كل شيء بمفردها ، وكان أملها أن يستمر اسم العائلة"ص37
فالراوي كائن متخيل يتقمصه المؤلف ويكون وسطا بين المؤلف وشخصياته ، وان معظم شخصيات (ضاري الغضبان) في مجموعته نادي الحفاة شخصيات مثقفة تعاني الغربة مدانة ومستهدفة ، وانطوائية خجولة ، ومرفوضة نشعر بحيويتها داخل عالمها القصصي وليس مجرد كائنات من ورق ، نلمس ذلك في قصة (عصابة الخُضر) التي يروي لنا حكايتها سارد مشارك عن مجموعة اشخاص اربعة رجال وثلاث نساء اطلق الناس عليهم هذه التسمية وذلك لانهم يوشمون اي خطأ يرتكبه العامة بدهان أخضر تنبيها لهم والتي تأخذ على عاتقها مهمة الإصلاح في المجتمع من قبل هؤلاء الجماعة :
" حين غادرت وسط السوق كان بائع الشطائر – ماكر الوجه – يلوم ؛ لتشويه واجهة محله باللون الاخضر ليلاً ، بينما تُركت له ورقة توجيه بعدم استخدام زيت القلي اكثر من مرة والا سيحطم زجاج المحل "ص 110
معمارية قصصه تقوم على الوحدة العضوية المتمثلة في التآلف والتماسك والانسجام محكمة البناء مترابطة مكثفة ومركزة ، ومتميزة في تقنياتها انسكبت لغتها سائغة بسيطة مباشرة مرسلة شبه عفوية ، وهذا ما يدل على امكانية سردية عالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا