الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصتنا مع تركيا

أحمد فاروق عباس

2022 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بدأت القصة مع بداية التسعينات ، ومع إنتهاء الاتحاد السوفيتي عدو أمريكا الأكبر خلال القرن العشرين وعودة فيالق الجهاد التى حاربت فى أفغانستان تحت الرعاية الأمريكية ..
وكانت المشكلة : أين يذهب هؤلاء المقاتلين بعد إنتهاء مهمتهم في الحرب بديلا عن الامريكان فى صراعهم مع السوفييت ؟
كان الحل السريع هو الاستعانة بهم فى تصفية بعض جيوب وبقايا حقبة الحرب الباردة ، فتم الاستعانة بهم فى تصفية دولة يوغسلافيا ، وهي دولة سلافية وحليف طبيعى لروسيا ، حيث تم اصطناع حروب لتفتيت تلك الدولة ، بدءا بحرب البوسنة والهرسك الى حرب كوسوفو ..
ثم جاء الدور على روسيا فتم الاستعانة بهم فى محاولة خلخلة الدولة الروسية وتغذية نزعات الإنفصال فيها ، وهنا كانت حرب الشيشان الأولى عام ١٩٩٤ والثانية عام ٩٨
كان كل ذلك استخدام سريع ومؤقت فى أهداف محدودة تنتمى إلى فترة إنتهت وتلاشت ..
فى بداية التسعينات حدث فى أمريكا ما عرف وقتها بالمناظرات أو المناقشات الكبري great debates وقد شارك فيها الجميع ( مؤسسات ومراكز تفكير وباحثين ومفكرين )

وكان محور النقاشات هو : ما هو طبيعة الدور الأمريكى فى هذه العصور الجديدة ، وخلص الحوار الدائر باتساع الدولة الأمريكية إلى نتيجة محددة وهى :
" يجب عدم السماح بوصول أي دولة فى العالم إلى منزلة تستطيع منها تهديد القيادة الأمريكية للعالم " ..
واختلفت الوسائل والاجتهادات فى كيفية تحقيق هذه الغاية

.. وهنا تقدم عالم السياسة الأشهر والرجل المقرب جدا من دوائر صنع القرار في أمريكا صمويل هنتنجتون بفكرته الغريبة والجديدة وهى :
إن صورة الصراع في العصور الجديدة القادمة يجب أن تتعدي مرحلة صراع الطبقات أو صراع الدول والأمم على الموارد او على النفوذ ، وهى الصورة التي طبعت الحياة الدولية منذ نشأة الدول/ الأمم الحديثة مع معاهدة وستفاليا عام ١٦٤٨ ..
وانما يجب أن يأخذ الصراع الجديد صورة الصراع بين الحضارات وليس بين الدول والامم ..
كانت الحضارات الرئيسية فى العالم طبقا لهنتجنتون هى الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية والحضارة السلافية حول روسيا والحضارة الهندية البوذية والحضارة اليابانية والحضارة الغربية والحضارة اللاتينية ..
وكان منافس الحضارة الغربية الرئيسي طبقا لهنتجنتون وغيره فى مراكز التفكير وصنع القرار في الغرب هو الصين اقتصاديا وروسيا عسكرياً وسياسياً..
وكانت الفكرة العبقرية هى استخدام الحضارة الاسلامية وإدخالها في حروب لا تنتهى مع الروس والصينيين ..
كان رأى الغرب أن هناك بعض الدول حول العالم تعد " دولاً أكبر من اللازم " ولابد بصورة أو بأخري من تفتيتها إذا أراد الغرب بقاء سيطرته على العالم لقرن جديد ، وحدد هذه الدول فى المقام الأول بالصين وروسيا والهند والبرازيل !!

وبالنسبة لروسيا والصين فكلتاهما مجاور للعالم الإسلامى ، وكلتاهما يحتوي على عشرات الملايين من المسلمين ..
وإذا كان هناك نداء قوى من العالم الإسلامى لهؤلاء الملايين فمن السهولة تحولهم إلى مشكلة كبري لدولهم يستغلها الغرب فى صراعه الممتد مع هاتين الدولتين الكبيرتين ..
وكانت المعادلة واضحة ..
- لابد من دولة تقود العالم الإسلامى ، وتنسق الجهد المطلوب في هذا الاتجاه، خلفها تاريخ يمكن استدعاءه كمبرر لدورها الجديد ، وفي يدها ادعاء ما يسند هذه الزعامة المنتظرة ..

- ولابد من تنظيم - أو تنظيمات - تكون منتشرة على رقعة العالم الإسلامى تقوم بدور الوكلاء الاقليميين للدولة القائدة ..
وهنا وقع الاختبار على تركيا لتكون هى الدولة القائدة ، وعلى تنظيم الإخوان المسلمين ليكون هو الوكيل الإقليمي ..
فتركيا بتاريخها العثمانى الذى يمكن استدعاءه واعاده طلاؤه وتجميله أكثر من مناسبِة ، خصوصا وهى عضو عتيد في التحالف الغربي وفى حلف الناتو ..
وتنظيم الإخوان المسلمين هو الآخر أكثر من مناسب ، فهو تنظيم من المعروف أن النفوذ البريطانى ثم الأمريكي فيه غالب ، وهو تنظيم منتشر في أغلب الدول الإسلامية ، ويمكن الاعتماد عليه فى خطط الغرب الجديدة ..
وكانت النظرية السياسية التى ستسند الإدعاء التركى بالزعامة ، وتساعد الإخوان فى دورهم الجديد هى نظرية " عودة الخلافة "
وتم تأهيل تركيا والاخوان لدورهم الجديد ..
أولا : بالنسبة لتركيا :
١ - تم إيصال الإسلاميين للحكم فى تركيا عام ١٩٩٦ ، وعندما وضع الجيش التركى فيتو على هذه الحكومة وأسقطها ، عمل الغرب من وراء الكواليس على ضمان حياد الجيش التركى ، وعندما وصلوا للحكم مرة أخرى عام ٢٠٠٢ كان الجيش التركى متفهماً هذه المرة ؛ وباستثناء بعض المناوشات البسيطة عام ٢٠٠٧ تفهم الجيش التركى الضرورات الجديدة وتعايش معها ..

٢ - تم خلق صورة زاهية لتركيا على طول العالم الإسلامى ، فصدرت فجأة مئات الكتب تمجد في الخلافة العثمانية ، وتعيد كتابة تاريخ الدم والجهل لهذه الدولة التى تنتمى إلى العصور الوسطى بكل ما فيها ، وإذا بنا نجد أنها كانت الدولة العادلة ، المتقدمة ، التى حمت العالم الإسلامى ( على الرغم من أن أغلب العالم العربي والاسلامى وقع تحت الاحتلال الغربي أثناء حكم هذه الخلافة وبسبب ضعفها )
وظهرت الدراما التركية لتحتل فجأة الشاشات العربية وكأن
مايسترو أو يدا خفية ترتب الأمور من وراء ستار ..
ومع إهتمام الدراما المصرية بمسلسلات البلطجية والفئات الشاذة في المجتمع أو الكوميديا شديدة الإسفاف( لم يكن ذلك أيضا بدون قصد ) لم يجد الناس حولهم سوى مهند ومحمد الفاتح وارطغرل ليكونوا هم الأبطال الجدد !!

٣ - تقاربت تركيا بشدة مع العالم العربي ونظمه الحاكمة وقتذاك ، واستفادت اقتصاديا بشدة ، ولم يفهم اغلب الحكام العرب وقتها حقيقة النوايا التركية الخبيثة..
وكانت لحظة الانفجار ..
جاء عام ٢٠١١ ، وجاءت معه لحظة تركيا الكبري في العالم العربي ، وجاء معها زمن الإخوان المسلمين ..
وبدا للجميع أن الخطة الأصلية تسير بشكل ممتاز ..
فهاهي الدولة التى تم اختيارها للقيادة تتسلم دورها المنتظر ، وهاهو التنظيم الذى تم إعداده ليكون الوكيل الإقليمي يصل إلى قصور الحكم في أغلب البلاد العربية ..

وفجأة حدث ما لم يكن فى حسبان أحد ، حدثت مظاهرات عارمة في مصر فى صيف ٢٠١٣ تنادى بسقوط حكم الإخوان ومرشدهم ، وتنادى الجيش المصري أن يتقدم - كما تقدم قبلها بسنتين فى يناير ٢٠١١ - ويعطى الشعب بداية جديدة..
وبعدها بقليل تجد روسيا فى نفسها الشجاعة لتوقف المهزلة الحادثة في سوريا ، وينزل الجيش الروسى بكامل قوته إلى المسرح السوري فى صيف ٢٠١٥ ويوقف زحف الإخوان المسلمين وحلفاؤهم على دمشق ثم يستعيد السيطرة علي مدن سوريا الكبري : حلب وحماة وحمص ولا يتبقى لفيالق الغرب فى سوريا إلا جيوب محدودة ..

وبضربة مزدوجة يضيع من الغرب ومن حلفاءه الأتراك والاخوان وخلافتهم المنتظرة أهم دولتين في الشرق : مصر وسوريا ..
وهنا جن جنون الأتراك والاخوان والغرب وراءهم ، لم يستطع أحد منهم تصديق ما حدث ، فالثمرة كانت فى اليد ، واللقمة كانت فى الفم !!
- ظهرت أولا داعش فى صيف ٢٠١٤ ، لعلها تستطيع بنشر الرعب استعادة ما ضاع ، والدور الغربي والتركى وراء تكوين داعش وتيسير احتلاله لأجزاء واسعة من سوريا والعراق ( ومحاولة ذلك فى سيناء أيضا ) أصبح معروفاً ومكشوفاً للجميع ، وفى صحافة الغرب نفسه قبل غيره ..

- ثم ظهرت أذرع تركيا الإعلامية ، حيث تولى الإخوان المسلمين وبعض الليبراليين أمر الفضائيات التركية الناطقة بالعربية ، لعلها تستطيع غسل ادمغة الشعب المصري وباقى الشعوب العربية ..
.. وكانت الشهور ثم السنين تمر ، ولم يحدث شئ مما تمناه الأتراك ورجالهم من العناصر المحلية الداعمة ..
وفى هذه الأثناء كان الإقتصاد التركى يئن من طول تحمله ضريبة التوسع التركى بدون جنى الفوائد المتوقعة ، سواء بالسيطرة على البترول الليبي والغاز المصري ، او الأسواق المصرية والسورية والخليجية ..
كان واضحاً أن المشروع التركى الإخوانى قد أصابه العطب ، وتكشفت صورته الحقيقية أمام الجماهير العربية ، ولم يجد ِ الطلاء والمساحيق فى إعادة تجميل صورته إلا أمام بعض البلهاء ..
* وانتهى حلم - أو وهم - إعادة النفوذ التركى إلى البلاد العربية تحت ستار الخلافة ..
* وانتهى حلم الإخوان المسلمين فى سيطرة جماعتهم الوظيفية على العالم العربي ، وتحويله إلى مجرد محطة فى ترتيبات الدول الكبري وخططها العالمية ..
* وانتهى حلم الغرب المجنون باستخدام الإسلام والدول الإسلامية فى اصطناع تناقض مع الصين وروسيا فى صراع يستهلك القرن ٢١ كله ، ويترك الجميع في حالة اعياء شديدة ، تاركا للغرب وحده مقاليد الحكم والسيطرة العالمية ..

أنتهى كل ذلك ..
ولكن إلى حين ، فالدول الكبري لا تغير خططها بسهولة ، ربما تغير اساليبها أو أدواتها ، ولكن أهدافها تظل كما هى انتظارا لفرصة أخري ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة