الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشاء ليلة

محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)

2022 / 6 / 6
الادب والفن


عشاء الليلة
البنت تنظر حولها بفرح طفولي ، خيوط المخاط تنساح من أنفها ،ملامسة شاربيها ، تمسحها بين الحين والحين بظهر كفها ، تمسك بتلابيب أمها ، الأم متأففة تسير ، تلعن البشر والحيوان ،وتشتم الجدران والشوارع ، وكل ما ترى أمامها ،سرا وعلانية ،عيناها تشيان بحقد دفين ، وقلبها يفيض بِغلّ لا حدود له ،
تمرق فجأة بمحاذاتها سيارة رباعية الدفع ، تقودها سيدة شقراء، تكاد تدهسها ، لولا انفلاتها بسرعة ، وهي تجر ابنتها ، ترفع صوتها صارخة :" الله يلعن جد بوك ألخانزة شوية وتقتليني أنا وبنتي "
السيارة تبتعد ، والغضب ينفجر داخل صدرها ، تزيد من اللعنات ،والسباب ، تصادف عند إشارة المرور- حيث ، اعتادت أن تتسول من أصحاب السيارات ، المتوقفة كلما اشتعل الضوء الأحمرما تعيل به أسرتها ، وتدفع ثمن كراء غرفتها بسيدي الخدير - عائلات سورية يرفع أطفالها يفطات مكتوبة ، أطفال "قافزون " علمتهم الحياة والحرب أن لقمة العيش تؤخد من فم الأسد، ابنتها "مرخية" ومتواكلة لم تعلمها الحياة شيئا .
تهتف بابنتها : " تحركي ، إفعلي شيئا ، السوريون والأفارقة أصبحوا يزاحموننا ،وعلينا أن نأخد حقنا بالدم والنار ، لعن الله الحرب والجوع ، وداعش "
الابنة ، تطيع أمها ،تهرول نحو السيّارات ، تمد يدها النحيفة ، تردد اللازمة التي علمتها إياها والدتها :" صدقة على الله ، الله يرحم ليك اميمتك ، ". تفتح سيدة زجاج سيارتها ، تنفحها درهما ،تندفع إفريقية كانت قربها نحو صاحبة السيارة وهي توجه نظرة شزراء للطفلة ،تطلب ايضا حقها الذي افتقدته في بلدها ، تغلق السيدة زجاج سيارتها ، تسرع الأم نحو ابنتها ، تلوح بيدها مهددة الافريقية التي تنسحب بسرعة ،تردد بصوت غاضب :" ولّيتوا باغين تقسموا معنا اللقمة والجغمة ، وفين بغيتونا نمشيوا ..للجايحة الكحلة ، لتدّينا وتَدّيكُمْ ".
تتبادل البنت الابتسامات مع الأطفال السوريين ، تشاركهم اللعب والتسول، تحس الأم أن البراءة لا وطن لها ، هي هبة ربانية ، يقذفها الله في قلوب الأطفال ، أينما كانوا ووجدوا ،الوقت يمر،ملحمة الاستجداء تتواصل ، بكل الوسائل ،بكل اللغات ،ترافقها الاشارات ،والحركات ،الأم والإبنة تشاركان بحماس ونشاط لا يفتر في الملحمة ، تتداخل الخيوط وتتشعب الفصول .سيارات تتوقف ، ثم تتحرك لتعوضها أخرى ،نفس الكلام يتكرر، مع بعض الرتوشات .
تنتبه الأم إلى الوقت المنسل ، السماء تلبس ثوباً أحمراً بدأ يميل إلى السواد ، تمسك يدَ ابنتها ، ثم تنسحبان بهدوء ، يبدو أن " عشاء الليلة طلع ، الله يجعل البركة".
يوليوز 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل