الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة وحدة قبل الهاوية

ميخال شفارتس

2006 / 9 / 17
القضية الفلسطينية


قطع هنية شوطا طويلا باتجاه القبول بالشروط الدولية، والضغوط لتقديم المزيد ستزيد. هنية اليوم يقف امام خيار المضي قدما في التنازلات، او الرفض الذي سيحكم على حكومة الوحدة بان تكون حكومة مؤقتة مما سيفرض انتخابات جديدة. الاستقرار لن يكون اسم اللعبة.

ميخال شفارتس

اتفاق حكومة الوحدة الذي توصل اليه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ورئيس الحكومة، اسماعيل هنية، خلط الاوراق الفلسطينية من جديد. رئيس الحكومة البريطانية، طوني بلير، الذي زار رام الله وعد ابو مازن بان حكومة الوحدة ستكون مقبولة على الاوروبيين. وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود اولمرت، قد صرّح بعد اجتماعه ببلير، باستعداده لقاء ابو مازن دون شروط مسبقة.

ينص الاتفاق على ان يستند برنامج الحكومة الجديدة على وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الاسرى)، وان تستفيد (وليس تستند) الحكومة من المبادرة العربية للسلام، وان تحترم (وليس تلتزم) الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير واسرائيل. وستمنح الحكومة عباس ومنظمة التحرير تفويضا باجراء مفاوضات سياسية مع اسرائيل. وذكرت عدة مصادر ان الاتفاق يضمن ايضا موضوع تبادل الاسرى.

حسب مصادر مقربة من حماس، يتجه هنية نحو تشكيل حكومة مهنيين (تكنوقراط)، تتولى فيها حماس ثماني حقائب، وفتح اربع، وستتقاسم الكتل البرلمانية من فصائل ومستقلين 12 حقيبة اخرى (الحياة، 12/9).

ولكن هناك علامات استفهام عديدة حول الاتفاق، وحول امكانية صمود حكومة الوحدة، خاصة على ضوء الخلافات الكبيرة التي تجعل من الصعب صياغة برنامج سياسي متفق على فتح وحماس. من جهة اخرى، اعلنت اسرائيل رفضها التعاون مع الحكومة الجديدة، ما دامت لم تلتزم صراحة بالشروط الثلاثة، وهي الاعتراف باسرائيل، نبذ العنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة، ومن المرجح ان يكون هذا الموقف الامريكي ايضا.

موافقة هنية وعباس تأتي على خلفية خطر انهيار السلطة الفلسطينية بشقيها رئاسةً وحكومة، بسبب العدوان الاسرائيلي والحصار الخارجي والانقسام الداخلي وتأكل مصداقية الطرفين الفلسطينيين. الاتفاق هو محاولة من كل طرف انقاذ الآخر، ووقف التدحرج الوشيك نحو الهاوية.



واقع بؤس وحزن وفشل

تهميش القضية الفلسطينية على ضوء الحرب في لبنان، اطلق يد العدوان الاسرائيلي لاعادة احتلال غزة. التقتيل والدمار اشنع من كل ما سبق، ومع هذا فالعالم لا يحرك ساكنا، لا قيود ولا رقابة، وكأن اهل غزة غير محسوبين على البشر.

صحيح لقد نجح خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، في اختطاف المبادرة من حكومة حماس المنتخبة، عندما قام باختطاف الجندي جلعاد شليط في 26/6. كما حقق امين عام حزب الله نصرا اكبر في 12/7 عندما اختطف القضية الفلسطينية برمتها من الشعب الفلسطيني. ولكن هذه الانتصارات المزعومة عادت بالمآسي على الشعبين اللبناني والفلسطيني على حد سواء.

عادت اسرائيل للاغتيالات بكل ضراوة، واختطفت نوابا ورموزا في المجلس التشريعي. كما هدّمت البنية التحتية مسبّبةً نقصا في المواد الاساسية، كالماء، الكهرباء، الوقود والادوية وحتى المواد الغذائية، مما ادى لتفشي الامراض خاصة بين الاطفال.

تقرير مؤسسة "بتسيلم" الصادر في 5/9، يشير الى انه منذ اختطاف الجندي شليط وحتى نهاية شهر آب، قتل 226 فلسطينيا في قطاع غزة برصاص اسرائيلي، منهم 45 من الاحداث، واكثر من نصفهم لم يشارك في القتال اثناء تعرضه للقتل.

تقرير البنك العالمي الصادر في نهاية شهر آب، اشار الى هبوط دخل الفرد الفلسطيني الى نصف معدله، منذ بداية الانتفاضة. وعزا التقرير ذلك الى اغلاق المعابر ووقف التصدير من غزة بشكل مطلق. في 3/9 ذكر تقرير آخر للبنك العالمي ان اغلاق معبر المنطار (كارني)، الوحيد الذي يربط غزة بالعالم، سبّب خسائر مادية، خاصة للمزارعين، قيمتها نحو 600 الف دولار يوميا.

منسق المساعدات الانسانية في الامم المتحدة قال لهآرتس (4/9) ان غزة تحولت الى "قنبلة موقوتة". واشار ان اسرائيل حالت دون وجود معابر آمنة بين غزة والضفة، وقطعت اوصال الضفة نفسها الى ثلاث مناطق، ورفعت عدد الحواجز العسكرية من 376 قبل عام الى 540، هذا علاوة على الحاجز الكبير: الجدار الفاصل.

أليس هذا الجحيم الذي وعد به شارون غزة، عندما اعلن نيته الانسحاب الاحادي الجانب منها، متوعدا ايها بما هو اسوأ من نكبة ال48؟

علاوة على القمع الاسرائيلي، ازدادت حال الفوضى الداخلية اشتعالا لدرجة جعلت الناطق بلسان حكومة حماس، الدكتور غازي حمد، يتساءل "اين هو مردود المقاومة اذا كان قطاع غزة من داخله يعج بالفوضى والفساد والزعرنة والقتل العصبوي العبثي". كما اشار حمد الى "حالة الفلتان والقتل العبثي وسرقة الاراضي ونزاع العائلات وفوضى المرور"، وتساءل عن "علاقة ذلك كله بالاحتلال". وقال ايضا: "تعودنا دائما ان نعلق فشلنا على اعناق غيرنا ولا زالت تتفشى فينا عقلية المؤامرة...". ووصف حمد الواقع بانه "بائس وحزين وفاشل". (الحياة الجديدة، مقال بعنوان "ارحموا غزة"، 27/8)



اضراب الموظفين

اضراب المعلمين وموظفي الحكومة الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ خمسة اشهر، تحول لامتحان قوة بين قيادات فتح وحماس، وادخل شعبية حماس الى خطر. الحصار المالي والدبلوماسي الدولي المفروض على حكومة حماس، يمنعها من دفع الرواتب، مما افقدها الكثير من المصداقية والتأييد الشعبي.

وفي حين أعرب الرئيس عباس وهيئات منظمة التحرير عن تضامنهم مع "المطالب العادلة" للمضربين، لجأت الحكومة لقمع المضربين وتهديدهم بالمحاكمة والفصل. وتهم رئيس الحكومة، اسماعيل هنية، منظمة التحرير بانها "دأبت على التحريض على الحكومة بطريقة سافرة" (الحياة، 4/9). كما حمّل اسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحماس، الرئيس عباس مسؤولية الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني.

ردا على هذه الاتهامات كتب المعلق عبد الرحمن الراشد في صحيفة "القدس" (4/9) متسائلا: "هل يعقل ان كل مئات الآلاف لعبة في يد فتح؟ الحقيقة ان خمسة اشهر بلا مرتب انتحار يُسقط أي حكومة مهما كانت مبرراتها".

الواقع ان الاضراب عم حتى قطاع غزة، معقل حماس. ققد تظاهر في مدينة غزة في 5/9 الآلاف من رجال الامن الفلسطينيين، بعضهم مسلح، مطالبين برواتبهم، ورددوا شعارات مثل "ارحل ارحل يا هنية، كيلو الزعتر صار بمِيّة." (الحياة، 6/9). وفي الضفة الغربية انضم بعض التجار للاضراب العام في 6/9 تضامنا من الموظفين المضربين.

لقد كشف الاضراب عجز حكومة المقاومة عن حل القضية الاساسية للشعب، قضية المعيشة. وكشف اكثر من ذلك عن هشاشة "الاقتصاد" الفلسطيني، الذي يعتمد منذ اتفاق اوسلو على معونات الدول المانحة وحدها.

تحت عنوان "ارحموا فلسطين كلها" انتقد الصحافي علي الخليلي بشدة شعار حماس "الجوع ولا الركوع"، واعتبره خاطئا لان "جوع شعب باكمله يعني توقف الانتاج والعمل، او توقف الحياة كلها. وبكلمة اوضح، هو الانتحار على المستوى الجمعيّ الشمولي الذي يؤدي تلقائيا الى الركوع، ولما هو اكثر من الركوع حتما، يعني، تحوّل هذا الشعار نفسه الى عكسه...!". (الايام، 31/8)



خلافات داخلية

رغم الاتفاق عن تشكيل حكومة وحدة، تبقى العلاقات بين الطرفين مشحونة. قبل الوصول للاتفاق صرح عزام الاحمد، رئيس كتلة فتح البرلمانية، بان الرئيس عباس سيمارس حقه الطبيعي وصلاحيته الدستورية في اقالة الحكومة واختيار حكومة جديدة، واضاف: "اذا كانت القيادة غير قادرة على توفير لقمة العيش لشعبنا، وتحمل المسؤولية، فهي لا تستحق الكرسي الذي تجلس عليه". (الايام، 4/9)

مسؤول رفيع المستوى في حماس رد في اليوم التالي بان "عددا من مساعدي عباس يسعون لاحباط جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية، لانهم يريدون لحكومة حماس الحالية ان تفشل امام الحصار المفروض عليها." (الحياة، 5/9)

وأشار المصدر ذاته ان بعض مساعدي عباس لا يخفون عدم رغبتهم في تشكيل حكومة وحدة مع حماس. وفي رأيهم ستتعرض الحكومة الجديدة ايضا للحصار، ولن تكون افضل من سابقتها، خاصة ان الادارة الامريكية ابلغت عباس "انها لن تتعامل مع حكومة لا تستجيب للشروط الثلاثة". وقال مسؤول مقرب من عباس انه: "في حال شاركنا في حكومة حماس فانها ستغرق وتغرقنا معها".

تواجه حماس اليوم تناقضاتها الداخلية. في هذا كتب الصحافي هاني المصري في "الايام" (5/9) ان "حماس... اخطأت عندما شكلت الحكومة، خصوصا بمفردها، وتصرفت على اساس انها يمكن ان تحصل على مزايا السلطة دون دفع ثمنها". فحماس تتوجه للمجتمع الدولي بطلب وقف العدوان الاسرائيلي، لكنها في نفس الوقت لا تريد الاعتراف بالاتفاقات الدولية ولا تقبل بشروطها، الامر الذي قادها وشعبها الى طريق مسدود.

الصراعات الداخلية في حماس تصب الزيت على النار. فحتى لو قبل هنية الشروط الدولية، فان تيار حماس في دمشق بقيادة مشعل، سيرفض ذلك. وما زاد الخلافات بين التيارين داخل الحركة كانت تصريحات نائب مشعل، موسى ابو مرزوق لصحيفة "الحياة" (2/9) بان الحركة تنوي استنساخ تجربة حزب الله في الاراضي الفلسطينية.

عباس يواجه مأزقا، فالقانون الاساسي يسمح للرئيس بتشكيل حكومة طوارئ فقط لمدة شهر واحد، وينص على عرضها على المجلس التشريعي لنيل الثقة. وابعد من ذلك، قال هاني المصري: "اي حكومة غير متفق عليها وطنيا خاصة من كتلة "التغيير والاصلاح" (حماس) التي حصلت على اغلبية مقاعد المجلس التشريعي، لن تحصل على الثقة من المجلس التشريعي، الا اذا كان البعض يراهن او يعمل لكي يعتمد على فقدان كتلة حماس بالتشريعي بسبب الاعتقالات التي طالت اعضاءها.. ان الحكومة التي تحصل على الثقة بسبب اعتقالات نواب حماس، حكومة غير شرعية ولن تحظى باية مصداقية..." (الايام، 5/9)

ولا يبدو ان الوضع الداخلي في فتح بافضل حالا. فالتشرذم الذي قاد فتح للهزيمة في الانتخابات، لا يزال من ابرز مميزاتها. كان هذا واضحا في تذمر واستياء اوساط في فتح ازاء نتائج اجتماعات اللجنة المركزية للحركة التي اختتمت في عمان في 27/8، والتي لم يكن فيها اي جديد، "وكلها قرارات مكررة". (الايام، 28/8)

في الانتخابات الاخيرة تناصفت فتح وحماس اصوات سكان المناطق المحتلة، والحال ان التيارين عاجزان عن الحكم بمفردهما، ويواجهان الآن امتحان الوحدة.



اعادة الانتداب

ازاء الطريق المسدود الذي يمنع الفلسطينيين من ادارة شؤونهم بانفسهم، جاءت دعوة الرئيس عباس للقوات الدولية لاداء المهمة في المناطق الفلسطينية وليس فقط في جنوب لبنان. اقتراح عباس ومنظمة التحرير بشأن حكومة الوحدة المستقبلية، ينص على ان الحكومة سترفع هذا الطلب للامم المتحدة. (الايام، 31/8)

مع هذا، فالمبادرة لنشر قوات دولية في غزة وتحديدا عند معبر المنطار، ليست مبادرة فلسطينية بهدف رفع الحصار، بل امريكية واسرائيلية. في جولتها الاخيرة لاوروبا عرضت وزيرة الخارجية الاسرائيلية، تسيبي لفني، الموضوع امام الاتحاد الاوروبي، وخاصة ايطاليا.

اسرائيل تريد المزيد من الرقابة على معبري رفح والمنطار، وذلك لمنع تهريب الاسلحة والاموال لحماس. كما ان تسلم اوروبا مسؤولية قطاع غزة بما في ذلك، سيريح اسرائيل من همّ صواريخ القسام، ويتيح لها التنصل من مسؤوليتها المدنية، كقوة احتلال، تجاه غزة. واذا تم في الوضع الجديد الوصول لاتفاق يحول غزة الى "دولة فلسطينية مستقلة"، منفصلة عن الضفة الغربية، تحت اشراف قوات دولية، فسيكون هذا الوضع الامثل بالنسبة لاسرائيل.

ولكن سياسة اسرائيل تتضمن مشكلتين: فأي اتفاق بينها وبين ابو مازن دون موافقة حماس سينتهي الى فشل، كما ان أي اتفاق حل وسط بين ابو مازن وهنية سيكون مرفوضا بالنسبة لاسرائيل.

رئيس الحكومة الاسرائيلي، ايهود اولمرت، يواجه ازمة سياسية تهدد مكانته. الطريق المسدود الفلسطيني يزيد من عدم استقرار حكومته، خاصة انه بقي دون برنامج سياسي بعد تراجعه عن سياسة الانسحابات الاحادية الجانب. الحرب الاسرائيلية على غزة التي جاءت تعبيرا عن فشل هذه السياسة، عقدت الامور.

الوضع الفلسطيني يعكس الطريق المسدود الذي وصله الشعب الفلسطيني، منذ انتفاضة 2000، والذي زاد تعقيدا في الانتخابات الاخيرة. لقد قطع هنية شوطا طويلا باتجاه القبول بالشروط الدولية، والضغوط لتقديم المزيد ستزيد. هنية اليوم يقف امام خيار المضي قدما في التنازلات، او الرفض الذي سيحكم على حكومة الوحدة بان تكون حكومة مؤقتة مما سيفرض انتخابات جديدة. الاستقرار لن يكون اسم اللعبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة