الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف قرن من الصراع في الصحراء الغربية 1

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


كان ملف الصحراء الغربية جامدا جمود الجليد، إلا أن تأسيس "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"تنظيم الدولة الإسلامية " في أعقاب الفوضى الليبية ، وتناسل الجماعات الإرهابية جنوب الصحراء، أجبرت أكثر من جهة إلى النظر إلى هذا الصراع المنسي ، صراع الصحراء الغربية.

على الرغم من ضجر الدول الأفريقية والغربية وعدم اهتمام الدول العربية بهذا الملف واللامبالاة الرأي العام الدولي وخصوصه وملل المؤسسات والتنظيمات الدولية من اجتراره ، يبدو أن هناك ثلاث ضرورات أملت بقوة إعادة الانكباب على هذا الصراع سعيا لحله:
- الوضع الأمني الذي أضحى يتطلب إنهاء الصراع ، أكثر من أي وقت مضى، لعدم دفع الصحراويين دفعا للقدوم على تضخم الجماعات الجهادية المستعرة في المنطقة.
- الوضع الاقتصادي المتدهور لبلدان المنطقة الذي يستلزم تكامل المغرب العربي وتكامل اقتصادي أفضل للخروج من الأوضاع الاقتصادية ومن الأزمات المستمرة.
- انعدام الآفاق أو قلتها بالنسبة للصحراويين الذين سبق لهم التعبير عن غضبهم الشديد قبل الربيع العربي بوقت طويل.

واليوم، بعد مرور ما يقارب نصف قرن على هذه القضية، برزت تساؤلات قديمة – جديدة، كيف أثرت الديناميكيات الإقليمية في نزاع الصحراء تطور الصراع بخصوصه ؟ ما جدوى انخراط فرنسا في قضية الصحراء ضمن السياسة الفرنسية للصحراء؟ وما أسباب التوازن الصعب للسياسة الإسبانية في الصحراء الغربية؟ وكيف كان تعامل الأمم المتحدة مع ملف الصحراء ؟ وما هي رؤية الجزائر عن للوضع الراهن في الصحراء الغربية ؟ وما هي مطالب الجيل الثاني الصحراوي؟ وهل من تطور في موقف القادة الصحراويين على امتداد الفترة بين "حرب العصابات" إلى "التجميد المستدام"؟ وما هي الكفة المرجحة في "ميزان الاندماج أو الاستقلال"؟

موقع نزاع الصحراء في خريطة الديناميكيات الإقليمية

تميزت البيئة الإقليمية منذ سنوات ، من ناحية بعنف الجماعات الجهادية ومن ناحية أخرى بأشكال جديدة من المطالب عبر عنها الجيل الثاني في نزاع الصحراء ، والتي رامت إخراج الصراع في الصحراء من جموده. ويبدو أن هذه المطالب تنحو منحى تفضيل التكامل المغاربي والأمن الإقليمي على المبادئ الأصلية الجدرية. وقد يكون لدول جنوب أوروبا ، ولا سيما فرنسا وإسبانيا ، دور على هذا المسار للخروج من الأزمة التي خيمت على امتداد نصف قرن.

في منتصف السبعينيات ، أدت المغادرة المتسرعة لإسبانيا - على حين غرة- من مستعمرتها السابقة في الصحراء الغربية إلى نشوب صراع شديد وقوي بين المغرب ومجموعة من أبناء الصحراء الذين أسسوا جبهة البوليساريو في سنة 1973. هذا المولود الجديد حظي بمساندة ومساعدة ساعدته ليبيا أولاً ، ثم من القائد الليبي "معمر القذافي" منذ الميلاد، ثم الجزائر بينما نفاه المغرب جملة وتفصيلا. استقرت جبهة البوليساريو بالمنفى على الأراضي الجزائرية في تندوف، وأنشأت "دولة" أطلقت عليها اسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" ، التي نصبت نفسها في سنة 1976.

وانطلقت حرب الصحراء في سياق اتسم بالتنافس الحاد بين الجزائر والرباط. تعلق الأمر في البداية يتعلق بخلاف ارتبط برسم الحدود بين البلدين. لكن المغرب والجزائر ظلا يتنافسان على موقع الريادة في منطقة المغرب العربي ، قد استغل كل طرف الصراع في الصحراء لتدعيم دولته ونظام حكمه. وفعلت موريتانيا الأمر نفسه لترسيخ مكانتها في المنطقة ، قبل الانسحاب الرسمي والعلني من الصراع في سنة 1979.
في الوقت الذي كانت المواجهة بين المغرب وجبهة البوليساريو – علما أن قواتهما العسكرية غير متكافئة تمامً- فإن استمرار الصراع على المدى الطويل لا يمكن تفسيره إلا من خلال النزاع بين الجزائر والرباط ، والذي لم يتم تجاوزه على امتداد أكثر من نصف قرن بعد استقلال الجارتين .
في سنة 1975 ، كانت المملكة المغربية تعاني من صعوبات ومشاكل داخلية جامة منذ عقد من الزمن: أعمال شغب وتظاهرات جماهيرية قمعها الجيش والأمن ، وحالة الطوارئ ، وحل مجلس النواب ، ورفض الدستور من قبل الأحزاب السياسية ، وانقلابين عسكريين واستهدافا شخص الملك في عامي 1971 و 1972. وشكل إعلان مدريد عن مشروع استفتاء من أجل إنهاء الاستعمار في الصحراء الإسبانية ، منحت إسبانيا النظام الملكي المغربي الفرصة لخلق إجماع حوله من خلال إطلاق عملية "استرجاع الأقاليم الصحراوية المغربية".

دخول الجزائر على الخط

إن ظهور الجزائر على ركح هذا الصراع أملته عوامل تتجاوز ملف الصحراء الغربية. ففي البداية ، تردد الرئيس هواري بومدين في دعم جبهة البوليساريو ، مفضلا الحفاظ على مناخ التفاهم الذي كان قد أقامه وقتئذ أخيرًا مع المغرب بعد "حرب الرمال" سنة 1963 (1). لكن طالب تيارين في الركح السياسي الجزائري قررا دعم الجزائر لجبهة البوليساريو : من جهة الجنرالات الذين دافعوا على عدم تقديم تنازلات للنظام الملكي المغربي، ومن جهة أخرى رجال الأعمال و الاقتصاديين الذين طوروا الصناعة الجزائرية خلال تلك السنوات وتطلعوا إلى العلاقات الإقليمية من حيث الأسواق المحتملة .
____ (1) كانت حرب الرمال في أكتوبر 1963، وهل نزاع عسكري بين المغرب والجزائر (بمساعدة مصر وكوبا)، وذلك من أجل الحدود، بعد فترة وجيزة من استقلال الجزائر. بعد عدة أشهر من الحوادث الحدودية ، اندلعت حرب مفتوحة في منطقة "تندوف" الجزائرية و"حاسي بيضا" ، ثم امتدت إلى "فجيج" في المغرب. توقف القتال في 5 نوفمبر ، وحصلت منظمة الوحدة الأفريقية على وقف نهائي لإطلاق النار في 20 فبراير 1964 ، وتركت الحدود على حالها دون تغيير.__________________

وعلاوة على هذه الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية ، تقدم الجزائر تبريرًا أيديولوجيًا: لزوم الولاء لمبادئها الثورية. وقد شرعت الحكومة الجزائرية رسمياً في سياسة التضامن مع النضالات التي شنت ضد الاستعمار تخليداً لذكرى حربها لإنهاء الاستعمار وباسم المبدأ المنصوص عليه في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية: "حق الشعوب في تقرير مصيرها".

سواء في الرباط أو في الجزائر، يتم تحديد السياسة المتبعة بخصوص الصحراء وفقًا لمبادئ تعتبر مقدسة هنا وهناك: الوحدة الترابية من جهة المغرب، والحق في تقرير المصير من جهة الجزائر. ورأى العديد من المحللين أن هذه المبادئ في حد ذاتها ليس لها أي شيء مقدس، لكنها أصبحت "مقدسة" عن عمد من قبل سياسات القوى التي لم تتوقف عن التنافس. وبذلك ، تغلق الدولتان نفسيهما في طريق مسدود ، بقدر ما يصبح أي تفاوض مستحيلًا ، وبالتالي أي تنازل عن هذه السياسة يعتبر فشلًا في مواجهة الجار.

وهكذا ربط المغرب مصيره بمصير الصحراء ، والجزائر تجعل من مواصلة دعم جبهة البوليساريو- بغض النظر عن تطور سياستها الداخلية واستراتيجيتها الإقليمية- مسألة مبدأ لا يمكن التخلي عنه. وهكذا أضحى الهدف الرئيسي لكل من الرباط والجزائر يكمن في نجاح الاستراتيجية التي وضعها كل منهما والتي لم تتغير ، لدرجة دفع رهان إنهاء الاستعمار فيهذا الصراع إلى الخلف ونسيان الجهة المعنية الأولى: الصحراويون.

وإن التنافس الحاد بين البلدين الجارين وتفاعله مع الصراع إلى حد كبير في جمود واقع الحال هذا ، خاصة وأن كل طرف لم يتصور نجاحه في قضية الصحراء إلا بالهزيمة الكاملة للخصم. ومع ذلك ، رغم مرور نصف قرن ، تطور هذا الصراع دون تكريس انتصار أي طرف من الطرفين.
_________________ يتبع _____________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح