الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسائل الاقتصادية لا تعني علماء وأساتذة الاقتصاد وحدهم

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق

2022 / 6 / 7
الادارة و الاقتصاد


المسائل الاقتصادية، لا تعني علماء وأساتذة الاقتصاد وحدهم، ولا تثير اهتمام ذلك الفريق الذي كرس حياته، لدراسة أصول هذا العلم، دراسة مجردة عن الهوى والتحزب الأعمى؛ ولكنها تعني في نفس الوقت المرأة والرجل في المنزل وخارج المنزل، وأصحاب القرار، لأنها تتصل بكل شاردة وواردة في حياتهم اليومية العادية، فأقل القرارات شأناً، التي يقدم على اتخاذها المسؤولون في وزارة المالية أو وزارة الاقتصاد والتجارة أو وزارة والصناعة أو وزارة النفط وغيرها من وزارات الحكومة ومصالحها، تؤثر بلا شك تأثيراً يتفاوت خطره، ويختلف مداه، في حياة الملايين من الأفراد، والهيئات التي تؤلف بينهم، لتنظيم شأن من شؤونهم، بصفتهم مستهلكين، أو منتجين، ليتمكنوا حين مناقشة القرارات التي تتخذ، معرفة آثارها ونتائجها، إنهم يقومون بوظيفتهم، التي تفرضها عليهم واجبات المواطن الواعي، ولكنهم أحياناً لا ينظرون المسائل الاقتصادية من جوانبها المتعددة، وأحياناً ينظرون المسائل الاقتصادية في ضوء مصالحهم الخاصة.
ما الفائدة من العناية والاهتمام بالمسائل الاقتصادية للجماهير غير المتخصصة، غير الواعية لمنطق العلم وأصوله وأركانه، وهل تؤدي إلى بلبلة الفكر واضطرابه، لأنها قد تحيط المسائل الاقتصادية بضباب كثيف من الآراء المتعارضة، وهالة من الغموض والإبهام أحياناً، يعسر معها على أصحاب القرار الذين ألقيت على عاتقهم مقادير الأمور، أو الذين يرغبون في التمييز بين الخير والشر من النتائج، ليصلوا إلى قرار يستقيم مع مصالح البشر وطبائع والأشياء، ويتفق مع الهدف الذي ينشده ويسعى إليه الجميع، تحقيق الرفاهية للفرد والمجتمع.
إن نظر كل فئة في المجتمع للمسائل الاقتصادية من ناحية واحدة، وهي النظرة التي تمس مساساً مباشراً، مصالحها القريبة، من شأنه أن يؤدي إلى تضارب خطير في الآراء والمصالح، ويبرز صورة من التنافر بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع، وقد تلغي صورة للتضامن الاجتماعي، الذي يجب أن يسود، بين مختلف فئات المجتمع، هذا النوع من التكافل الاجتماعي يجب أن يحتل مكان الصدارة، بصفته الدعامة الأساسية لسلامة النظام الاجتماعي، هو الغاية التي يجب أن تسعى إليها جميع الأبحاث والمناقشات، سواء اصطبغت بالصبغة الخاصة، أو تجردت عن هذه الصبغة، فسعت نحو السمو والترفع والتجرد والنزاهة.
يبدو أن اهتمام أصحاب المصالح الخاصة، بمصالحهم والدفاع عنها، ليس عيباً بحد ذاته، إذا انحصر الجهد بتوضيح الأسس العلمية، التي يستندون إليها في إبراز وجاهة رأيهم، وإذا لم يتجاوزوا الحدود التي تفرضها عليهم واجبات المواطنين الواعين، إلى دعاية واسعة النطاق، تقوم على التضليل، وتستند إلى إثارة الشهوات وتحين الفرص.
على أن ثمّة عيباً آخر، قد يكون له شأن أخطر، وهو عدم إصاخة المسؤولين أسماعهم، سواء أكانوا من الرسميين، أو ممن أخذوا على أنفسهم العناية بالمسائل العامة، لمناقشات آراء وحجج الفئات الأخرى، التي قد لا تبلغ مكانتها أو قدرتها مبلغاً، تستطيع معه أن تجد مجالاً للتأثير في الرأي العام، تأثيراً يعدل في قوته، الأثر الذي تتركه دعاوى أصحاب المصالح المتعارضة، الأقوياء ذوي النفوذ..
والعيب الأكبر بعد كل ذلك، أن تترك الأمور عند هذا الحد، فلا يفصل فيها فصلاً حاسماً، على أسس من العلم القويم السليم، إذ غير خاف، أن فسح المجال لعرض وجهات النظر المختلفة والمتعارضة ولو أنه خطوة موفقة، من شأنها أن تساعد الجمهور على تتبع التطورات التي تجري على كل ما يتصل بمستوى معيشته وشؤون رفاهيته، إلاَّ أن الوقوف عند هذه المرحلة، قد يؤدي إلى نتائج سيئة الأثر. فلا يكفي تهيئة جو من الفرص المتكافئة لتبادل الآراء ومقارعة الحجج، ولكن يجب رفع مستوى المناقشة بعد ذلك، وطرح موضوع النزاع على هيئات علمية عليا، تتولى البحث والدرس والتمحيص، مسترشدة في ذلك، بقواعد التحليل العلمي الدقيق، لا بفنون المناقشات، التي تبغي كسب قضاياها، مستخدمة في ذلك كل أسلحة البراعة والدهاء، للتدليل على أحقيتها بالفوز بأغراضها، ومستهدفة الصالح العام في مجموعة، لا مصلحة فريق معين أو فرق معينة.
هناك خطوات واسعة، نحو إثارة اهتمام الجمهور، بالمسائل الاقتصادية التي تعنيهم عن قرب أو بعد، وأفاضت الصحف في معالجة كثير من الشؤون، وأولت قسطاً وفيراً من العناية، بالمشكلات التي تواجه الصناعة والتجارة والنظام النقدي وشؤون العمال وما إلى ذلك، كما أن محاضر اجتماعات البرلمان زاخرة بهذا النوع من المناقشات والبحوث، مع ذلك يبدو أن هذا التطور في معالجة المسائل الاقتصادية، تطور قاصر عن بلوغ الغاية التي نسعى لتحقيقها، بل قد يكون عقيم النتائج والأثر، إذا لم يدفع إلى الأمام دفعاً قوياً ليبلغ مرحلة أعلى من مراحل النمو والارتقاء، والتي تقتضي عرض جميع هذه المسائل على لجان من العلماء والمختصين، لدراستها درساً يقف موقف الحياد بين المصالح المتشابكة والمتعارضة، ويأخذ نصب عينيه الصالح العام في مجموعه.
من أشد الأمور إيلاماً للنفس، أن بعض البحوث العلمية التي قام بها الاقتصاديون وأساتذة الجامعات في كليات الاقتصاد والإدارة والمختصون، لا تزال مطوية في أدراج المكاتب في بعض الإدارات والوزارات، لا تنشر ولا تذاع ويعتريها الإهمال. علينا أن نقتدي بمسير البلاد التي تريد أن تناقش وتلقي الضوء على قضاياها الاقتصادية ومشاكلها، وإشراك الرأي العام في فهم القضايا الاقتصادية والصعوبات التي نواجهها، علينا مشاركة الجمهور بكل ما يتعلق بالإحصاءات والبيانات والتقارير التي تتصل بشؤون الاقتصاد والتجارة وعالم الأعمال والمال. لأن في ذلك تطبيق لأبسط قواعد الديموقراطية، وتثقيف الشعب، وإشراكه في العلم بالتطورات التي تحدث، سواء أكانت تطورات سعيدة أم غير ذلك، وفي ذلك تسهيل لمهمة علماء الاقتصاد والأكاديميين والمختصين بالشؤون الاقتصادية، في بحث ودراسة مسائل الاقتصاد بحثاً سليماً، لا يقوم على مجرد التخمين والتقدير الجزافي، إنما يقوم على أساس الوقائع والبيانات والإحصاءات.
فالتقارير التي ينشرها المكتب المركزي للإحصاء عن الأوضاع الاقتصادية والسياسة النقدية التي يجب اتباعها مهمة ومفيدة جداً للتحليل الاقتصادي، كذلك التقارير التي يرسلها الدبلوماسيون في الخارج عن الأحوال الاقتصادية والتجارية للبلاد التي يوفدون إليها، إضافة إلى تقارير البنك المركزي حول السياسة النقدية، والبيانات والإحصاءات الخاصة برقابة الصرف، والتي يمكن في ضوئها، تكوين فكرة صائبة عن الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وعدم التعامل معها كسر من أسرار الدولة العليا، أو من المحذور الكشف عنها أو إلقاء الضوء عليها.
أ. د. مصطفى العبد الله الكفري
قسم الاقتصاد - كلية الاقتصاد - جامعة دمشق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”


.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو




.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة