الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاشت تل ابيب ومات الفقراء

داني بن سمحون

2006 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في الواقع الذي تعيشه تل ابيب، عندما يقوم قائد اركان الجيش ببيع اسهمه في اول ايام الحرب، والبورصة تواصل الازدهار، فان النقاش حول لجان تحقيق ليست الا ذرا للرماد في عيون الفقراء. الرسالة الحقيقية من الدولة لمواطنيها الفقراء هي – واصلوا معاناتكم انتم، اما نحن فسنواصل المتعة وصنع الملايين.

داني بن سمحون

حرب لبنان كشفت عن نقطة الضعف الداخلية في اسرائيل، الفجوات الطبقية ونسبة الفقر التي اصبحت الاكثر احتدادا بين الدول المتطورة. في هذه الحرب واصل الاغنياء ادارة اموالهم واعمالهم، في حين تعرض المدنيون الفقراء للقصف ودفعوا الثمن الرئيسي للحرب، بالدم والمال.

تقرير الفقر الاخير الذي أصدرته مؤسسة التأمين الوطني يشير الى زيادة في نسبة الفقر. وصارت واحدة من كل اربع عائلات تعيش تحت خط الفقر. هذا الوضع هو نتيجة للسياسة الاقتصادية الاجتماعية المتبعة في اسرائيل في العشرين سنة الاخيرة. ولا يبدو ان الدولة تنوي احداث تغيير في هذا الصدد، كما يتبين من مشروع الميزانية الجديد، الذي يقترح مواصلة الخصخصة والمس بالفقراء.

المجتمع الاسرائيلي ينتج فقراء جدد كل عام، ثم يتركهم لمواجهة مصيرهم وحدهم، في ايام السلم والحرب ايضا. كل المدائح التي كيلت للجبهة الخلفية، او المدنيين، على صمودهم اثناء الحرب، كانت زائفة. آلاف العائلات التي فرّت من الشمال الى المركز، كشفت الحقيقة: من كانت لهم الامكانيات المادية، سمحوا لانفسهم باستئجار بيوت او غرف في الفنادق في مركز البلاد وجنوبها، اما من صمد فكان مرغم لا بطل. عشرات آلاف الفقراء والعجزة والمرضى، اضطروا للاحتماء مدة طويلة في ملاجئ مهملة وغير ملائمة.

في مقال للصحافي ميرون رابوبورت في هآرتس (30/8) بعنوان "اين الدولة؟ الدولة اختفت"، تقول سيغال حايموف، مديرة مركز لمساعدة المحتاجين "نيطل"، ان الناس شعروا بان الدولة تخلت عنهم. راحل برزيلاي التي لعبت دور "وزيرة الامن" في بناية رقم 213 في حي عوفر بصفد، والتي تولت المسؤولية عن 40 عائلة، قالت لهآرتس: "ان الحكومة تحاول التهرب من مسؤوليتها. اذا لم تكن قادرة على حماية الناس، كان عليها اخلاؤهم. ولكن احدا لم يقترح علينا ذلك. تركونا وحدنا".

بعد ثلاثة ايام من القصف الاول، زار المكان مسؤولون في الجبهة الخلفية، سجلوا بعض الملاحظات واختفوا بعد وقت قصير. وفي ظل غياب وزارة الرفاه، الصحة، المجالس المحلية، كان على السكان الاعتماد على المؤسسات الخيرية. مؤسسة "ماؤور بانيم" التي تعتمد على تبرعات من مصادر خاصة، وفّرت الغذاء لبعض المواطنين ولكنها لم تستطع خدمة الجميع.

مصدر في مكتب رئيس الحكومة قال انهم يعتقدون ان تقسيم العمل بين المؤسسات الاهلية والحكومة هو الاتجاه الصحيح. (مقال رابوبورت - هآرتس، 30/8). الى هذا الفراغ حاول ايضا بعض الشركات الصناعية الخاصة واصحاب الملايين امثال جايدماك ونوخي دنكنر، ان يدخلوا بغرض الترويج والدعاية.



العرب دون نصير

الوضع كان اسوأ في بلدات الشمال العربية التي تعرضت للقصف، مثل مجد الكروم، دير الاسد، المغار، ترشيحا وغيرها. قيادة الجبهة الخلفية نسيت المواطنين العرب، كما نسيهم كرم اصحاب الملايين. اما السلطات المحلية هناك فمشلولة اصلا، والملاجئ غير متوفرة، وفي معظم المواقع تنعدم اجهزة انذار (كما كان الحال في الناصرة). لم يكن لمعظم المواطنين العرب مكان يفرون اليه، ولا الامكانيات المادية لذلك. وببساطة بقوا في بيوتهم وتعرضوا للصواريخ.

عرب كثيرون لن يحصلوا على تعويضات كاملة عن فقدان ايام العمل. وذلك لان النسبة الاكبر تعمل لدى مقاولين فرعيين غير رسميين في البناء او الزراعة، او يعملون بشكل مؤقت.



فقاعة تل ابيب

وفي حين انهالت الصواريخ على فقراء الشمال، تواصلت الحياة كالمعتاد في تل ابيب. المقاهي، المطاعم والمراكز التجارية عجّت بروادها. الصحافي يوسي يهوشواع نشر معطيات حول التجنيد للجيش التي كانت امرا سريا حتى اليوم، وذلك في ملحق السبت لصحيفة "يديعوت احرونوت"، 1/9. ويتبين من المعطيات ان عدد الجنود القتلى من تل ابيب بلغ ثلاثة جنود فقط. تل ابيب التي تعتبر معقل الاقتصاد والثقافة الاسرائيلية، لم تشارك في المجهود الحربي. واذا كانت الخدمة العسكرية امرا رئيسيا يتباهى به المجتمع الاسرائيلي في الماضي، فانه اليوم يتباهى بمدى اندماجه في الاقتصاد الحر العالمي.

"أبدت البورصة صمودا مثيرا للاعجاب في ايام الحرب"، هكذا كتبت افرات نويمان في الملحق الاقتصادي لهآرتس ("ذي ماركر"، 8/9). في اوج الحرب كانت المفاوضات تجري لاتمام واحدة من اكبر الصفقات التجارية بين امريكا واسرائيل. اذ قامت شركة Hp بشراء شركة "مركوري" الاسرائيلية بمبلغ قياسي بلغ 4.5 مليار دولار نقدا. وهو اكبر من المبلغ الذي دفعه الملياردر الامريكي وورن بافت قبل ثلاثة اشهر مقابل شركة "يشكار" الاسرائيلية.

وعلق وزير المالية هيرشزون على الصفقة بالقول: "ان حقيقة توقيع الصفقة في زمن الحرب، تدل على ان الصناعة الاسرائيلية وتحديدا التكنولوجيا المتطورة، تنتصب في المقدمة. هذه الصفقة تساهم في تقدم الاقتصاد الاسرائيلي الذي يثبت يوميا صموده وقوته". (nrg ،(26/7



الدولة تتخلى عن مسؤوليتها

مواطن الفشل والنقص التي بدت واضحة على الجبهة العسكرية والجبهة الخلفية اي بين المواطنين، هي نتاج سياسة ثابتة مستمرة منذ عشرين عاما يتم خلالها التخلي التدريجي عن المسؤولية عن صحة المواطنين، تعليمهم حقهم بالعمل وامانهم الشخصي. كل هذا بدا بكل حدته في وقت الحرب.

"تهرب الدولة كشف بدقة عن وجه اسرائيل الجديد. في ظل حكومات اليمين واليسار، تخلت الدولة عن وظائفها الاساسية ونقلتها للسوق الحرة وللمؤسسات الخيرية". (مقال بعنوان "خيانة الدولة"، هآرتس 4/9)

بعد يوم من اعلان وقف اطلاق النار سارع رئيس الحكومة، ايهود اولمرت، للقاء النخبة الاقتصادية في اسرائيل. شارك في اللقاء ليف لفايف، يتسحاق تشوفا، نوخي دنكنر، ايلي يونس، اهرون فوغل، عيدان عوفر، بني لندا وعوفرا شتراوس. "احد المواضيع التي نوقشت في اللقاء كان ميزانية الدولة. معظم الحضور رأوا ضرورة الحفاظ على الميزانية بحدودها الحالية: عجز بقيمة 2% وزيادة نفقات الدولة ب1.7%". (يديعوت احرونوت، 20/8)

هذا اللقاء في هذا التوقيت هو مؤشر على سلم الاولويات الحقيقي الذي يهم حكومة الوحدة كديما-العمل. الحفاظ على عجز بقيمة 2% يمنع الاستثمار والانفاق في الخدمات للمواطنين، الامر الذي سيضمن استمرار التوجه العام الذي يزيد فقر الاغلبية لصالح ثراء الاقلية.

اللقاء المذكور عقد بهدف الاجابة على السؤال: من سيدفع نفقات الحرب؟ وقررت الحكومة ان تلقي بالحمل على كاهل الشرائح الفقيرة. "ممنوع توجيه رسالة للاجانب باننا ننحرف عن سياستنا"، قال يوسي باخر، مدير عام وزارة المالية، في مؤتمر حول سوق المال عقد يوم الثلاثاء 5/9، واضاف: "حتى في الاسواق الدولية يقولون لي – انقلوا لنا رسالة بان نهجكم وسياستكم الاقتصادية سيبقيان دون تغيير، وعندها واذا تضرر النمو الاقتصادي فاننا سنعتبر الحرب حدثا لمرة واحدة". (هآرتس، ذي ماركر، 8/9)

الواقع الذي تعيشه تل ابيب، وقائد اركان الجيش الذي يبيع اسهمه في اول ايام الحرب، والبورصة التي ترتفع حتى اثناء الحروب، كل هذه تجعل النقاشات حول لجان التحقيق في النواقص واهمال المدنيين مجرد ذرٍّ للرماد في عيون الفقراء. رسالة الدولة لمواطنيها الفقراء هي: واصلوا انتم معاناتكم، وسنواصل نحن المتعة وصنع الملايين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يغلقون مداخل جامعة -ساينس بو- في باريس تضامنا مع غزة


.. مراسل العربية: وفد مصري يحذر إسرائيل ويطالب يوقف عملية رفح ف




.. صباح العربية | مقاطعة الدجاج بالأردن بسبب ارتفاع الأسعار.. و


.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟




.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة