الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الارضوتوبيا-بعدعراق الانكليز وعراق الموتى؟/1

عبدالامير الركابي

2022 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


عام 2008 صدر عن/ دار الانتشار العربي/ في بيروت كتابي المعنون "ارضوتوبيا العراق وانقلاب التاريخ" بعد الاف السنين مضت، ظل من المتعذر ابانها على العراقيين ان يعوا ذاتهم، او يحاولوا مقاربة حقيقتهم الوطن/ كونيه، لابل انهم اصلا لم يسبق لهم ان جربوا، او حاولوا الخوض في مثل هذا المجال، يالاخص اليوم، ومنذ مايعرف بالعصر الحديث، في الوقت الذي غدت مسالة التعرف على الذاتيه ظاهرة شائعة، وتكاد تكون ضرورة ملزمه، سواء بسبب النموذجية الغربيه الغالبة، او لاسباب تحررية اقتضت من الشعوب الواقعه تحت وطاة الاستعمار بمختلف اشكاله، استدعاء الطاقات الوطنيه واستنفارها، ضمن ماقد تولد عن الهيمنه والضغط الاستغلالي الغربي، الشامل لغالبيه اصقاع العالم غير الاوربي.
وفي افضل الاحوال المعروفه، فان العراق لم ينبت فيه سوى نوع من تفاعليه "ايديلوجية حزبيه" نقليه، تقفز كليا على الخاصيات "الوطنيه"، او اية خصوصية بنيوية وتلغيها، لتسيد بالمطلق الاسس والمباديء المقرة من قبل الغرب، ماجعل هذا النمط، او النوع التعبيري يتسم بالنزوع لعملي المباشرالبحت، وبعدم الميل للجانب الفكري، غير المحبذ بوجه العموم، وتاتي ظاهرة احزاب الايديلوجيا بعد الثلاثينات في اعقاب محاولة "وطنيه" فاشلة سبقتها، انتهت اخيرا الى حل نفسها، مثلها حزب "جعفر ابو التمن"، المؤسس عام 1922 باسم "الحزب الوطني العراقي"، والذي كان يطمح، كما يشير احد الماركسيين، الى مجاراة نموذج "الوفد المصري"، او "المؤتمر الهندي"، وهكذا كتب على مايعود الى، او يماثل افتراضا، ظواهر "الوطنيه" كما تجلت في العراق بين الثلاثينات وثورة 14 تموز 1958، ان تتسم بنوع من الحضور الذي يلغي العراق شرطا، ولايسمح بالتعرض له كينونة، او بنية وتاريخا، بينما عد ذلك، او اي ميل من هذا النوع، من قبيل الخروج على المطلوب الملح، وممايؤول الى "الخصوصيات" في غير زمنها واوانها (الحداثي الاوربي).
ولا مهرب هنا من ان نعرض رغم ذلك، لواحدة من اهم خاصيات العراق وديناميات تاريخيه، وبالذات منها خاصية الدورات والانقطاعات الملازمة للتاريخ المذكور، والتي هي مظهر متات من كينونة وبنية هذا الموضع من المعمورة، الاطول تاريخا من بين المجتمعات قاطبة، والذي عرف دورة اولى سومرية بابلية ابراهيمه، انتهت بسقوط بابل 639 ق ـ م، وثانيه عباسية قرمطية انتظارية، توقفت عام 1258 مع سقوط بغداد علي يد المغول، وصولا الى القرن السادس عشر، حين بدات الدورة الانبعاثية الحالية الثالثة من ارض سومر التاريخيه، مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك"، والتي ماتزال مستمرة تشكلا. وليس هذا المظهر بالعارض، او ممايمكن نسبته الى الصدفة او التكرار والتواترالعرضي، فهذا المكان من العالم هو نمط ونموذج فريد بذاته، بؤرة تحول قائمه على الازدواج والاصطراعية المجتمعية لمجتمعية منشطرة عموديا، "لاكيانية"، او بالاحرى كونية متعدية للكيانيه، يقابلها الانشطار الافقي الطبقي على الضفة الاخرى الاوربية من البحر المتوسط، والمحكومة من جهتها وبحسب كينونتها للمراحلية التاريخيه، والمتوالية الطبقية، المنتهية اخيرا بظهور الالة وقلبها لثوابت العملية الانتاجية والمجتمعية.
ولكل نمط او نوع مجتمعي بالطبع، نوع تجلياته اذا تجاوزنا الرضوخ البديهي النمطي الكيانوي " الوطني"، وماتيشيعه من مفاهيم تتفق مع نوعه، من قبيل موضوع "المواطنه" التي هي في حال المجتمعية الاحادية السارية، شاملة لكل ساكن في ارض محدده جغرافيا، الامر الذي تتغير مواصفاته في حالة ارض مابين النهرين / العراق، لنتعرف هنا على شكلين من العلاقة بالموضع الذي يوجد فيه البشر، بين "سكان" هم مواطنو فترات توقف الدينامية والانقطاع، و"مواطنون" هم فقط اولئك الذين يواكبون فترات الصعود الدوراتي، فكوراجينا وابومنصور الحلاج وحمدان قرمط واخوان الصفا وكلكامش وحامورابي وهارون الرشيد وسرجون الاكدي، وجعفر الصادق، وابوحنيفة النعمان، والطبري، والجاحظ، والمتنبي، وابو نؤاس، والمئات من مشكلي عالم الدورتين الاولى والثانيه، هم مواطنون مواكبون للكينونة المتحققة في ارضهم، مقارنه بالسكان "الاموات" بحكم موت الدياميات وتوقفها، كما الحال ابان الفترة من سقوط بابل الى معركة ذي قار، والفتح الاسلامي، ومن سقوط بغداد، حتى الساعة، وهؤلاء طبعا ليسوا معنيين باي قدر بالتعرف على العراق كينونة، وان ارادوا افتراضا فهم لايستطيعون، وليسوا مؤهلين للتناغم مع ايقاعيته التاريخيه، اذا هم وجدوا بالاخص واليوم، قوة تاثير كوني فعال ومهيمن، من نوع الماركسية، والليبرالية، والقومية، حيث يسهل النقل والتماهي، والاغراق التوهمي الببغاوي، مقابل حالة عسيرة النوال، مثل حال ارض مابين النهرين، حيث الكينونة التي تتحدى العقللا الشبري، وتطلّب وثبة في العقل، كونية فوق استثنائية .
ولم يكن هؤلاء منتجا ذاتيا مستقلا، افرز من ضمن عملية التشكل الحديث، كما كان علبه الحال مع الفترة الاولى القبلية، او الثانيه الانتظارية، اللتين مرتا على العراق الراهن/ الحديث/ منذ القرن السادس عشر بالتعاقب، الاولى من القرن السادس عشر الى الثامن عشر، والثانية مع ظهور" دولة اللادولة المدينه" النجفية من الثامن عشر، الى دخول الانكليز للعراق عام 1914 واعلانهم احتلاله /" تحريره"/ كما جاء في بيان الجنرال مود الذي ارسل من لندن، بعد ان قام سايكس البليغ بتدبيجه،( النغمة نفسها جرب البعض استعمالها ومايزال كما هي، او بصيغ ملطفة توافق اللحظة مثل "التغيير"ابان الغزو الامريكي ومايزالون)، فهؤلاء ارتبط وجودهم كظاهرة بمفاعيل ومترتبات الاحتلال، وعلى وجه التحديد بعملية الفبركة الكيانيه التي لجأ اليها من قبيل الاضطرار، وكشرط ماكان واردا استمرار شيء من النفوذ البريطاني في العراق من دونه.
وكان الانكليز قد وجدوا انفسهم امام خيارات غير عادية، لم يالفوها من قبل، فاما الانسحاب وهو ماتم التنفكير به مع ثورة 1920، او فبركة كيانيه ودولة من خارج النصاب الاجتماعي وعملية التشكل الوطني، والاهم من كل هذا، تامين سردية للعراق الحديث تطابق الاليات الاستعمارية الراسمالية، وهو مانهض به الضابط الملحق بالحملة البريطانية " فليب ويرلند"(1) فربط كيانيه العراق وظهوره الحديث بالسوق الراسمالية العالمية، وبالتشكل الذي واكبها ونتج عنها منذ عام ض1831 الامر الذي صار مقرا من قبل " الويرلنديين" تاكيدا لغربتهم عن المكان الذي يسكنونه وانتمائهم لمحتليه.
يقول احد هؤلاء ومن ابرزهم "خلال العهد العثماني لم يكن هنالك مظهر بارز لحركة وطنيه : "حقيقية"/ التوكيد بالقويسات مني/ لقد كانت هناك فئات وطنيه صغيره كما كان هناك افراد قلائل يحملون افكارا وطنيه وقومية تنطوي على مناهضة الحكم العثماني، ولكنها كانت حركة ضعيفة غير منظنه، وكان مظهرها اكثرا بروزا ماارتبط منها بالحركة القومية العربيه التي نشات لها مراكز خارج العراق في الاستانه او بعض المدن العربيه، ولم يكن هنالك، الا صدى ضعيف لها داخل العراق، ولقد كان الوضع العام في العهد العثماني يتميز ببعد الناس عن السلطة، ذلك البعد الذي كان اكثر عمقا في الريف في والقرى والبوادي"(2) والنص الفائت هو اعلان انتماء الى عالم بذاته، مقتطع و مختلف، لاصلة تصلة بالتاريخ الممتد من القرن السادس عشر وتجلياته، وثوراته، وما اتصل بسيرورته الاحتدامية من نماذج واحداث كبرى، فلا وجود عند السيد الجادرجي لقرابة 150 انتفاضة مسلحة ومعركة، وهو يسمي مامضى من الوجود العثاني وكانه "حكم" وليس مجرد سيطرة برانيه على عاصمة دورة تاريخيه منهارة، ظلت السلالات واشباه الامبراطوريات تتعاقب عليها منذ سقوطها عام 1258 ، بينما العرق الاسفل شبه مستقل بلا اعلان، تحررتماما من بغداد الى الفاو، ابان الثورةة الثلاثية 1787 بقيادة ثويني العبدلله شيخ مشايخ المنتفك، والملتجيء للمنتفك احد امراء عبيد القبيلة المحاذية لبغداد، سليمان الشاوي، وبمساهمة فعالة من الفرات الاوسط، وحمد ال حمود شيخ الخزاعل والتي طالبت بتولية ثويني العبدالله كرسي الولايه في بغداد.
كذلك فان السيد الجادرجي وامثاله من الايديلوجيين الويرلنديين، لايمكن لهم ان ينظروا لمثل تجليات الاسطورة الحديثة التي تذكر بجلجامش انكيدو، لحمد ال حمود وحسين الصويح، وراويتها الشاعرة ىالعظيمه " فدعه"، وما تفصح عنه من نموذجية الشيخ المشاعي بمقابل نماذج الشيوخ التغلبيين، وشيوخ الحكومه، ولا هم ادركوا شيئا عن الاسباب التي جعلت القيادة الجديدة النجفية تظهر للوجود كحاجة بعد الثورة الثلاثية، تعبيرا عن رفض المشاعات القبلية للكيانيه المضادة لكينونتها اللاارضوية المناهضة لنوع السلطات الاحادية التغلبية الارضوية مماجعلها في حينه تختار" الانتظارية" النجفية المعاد تجديدها بدل ظواهر ميول ابدتها قيادة "اتحاد المنتفك" للكيانيه.
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقول فليب ويرلند" العراق الحديث حصيلة العملية التدريجيه للتوحيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للولايات التركية الثلاث: بغداد والبصرة والموصل، توحيدا نجم عنه وطن واحد وسوق وطنيه واحده، وقد بدات هذه العملية منذ الاحتلال التركي الثالث لبغداد في عام 1831 واشتد زخمها منذ ستينات القرن الماضي، حتى افضت الى تشكيل الحكومة المؤقته تحت الاحتلال البريطاني في 1920" نقلا عن واحد من اهم الاقتصاديين اليبساريين، محمد سلمان الحسن، الذي يصدر كتابه الضخم :" التطور الاقتصادي في العراق" في الصفحة 27 منه، بالمقولة السالفة/ المكتبه العصرية / صيدا ـ بيروت. ويورد ابراهيم علاوي في كتالبه " البترول العراقي والتحرر الوطني" مايلي ." فلقد حدثت في نهاية 1919 ونهاية 1921 احداث جسيمه فى العراق، كادت تؤدي الى هزيمة محقق لقوات الاحتلال البريطاني. فقد قامت الثورة في نهاية حزيران 1920، واشتعلت نيرانها في الفرات الاوسط،، وسرعان ماانتشرت الى منطقة الغراف والعمارة وديالى، وبقية انحاء العراق، ولقد تكبد البريطانيون خسائر كبيره مما اضطرهم الى الشروع بالانسحاب كليا من العراق، وبالفعل اعد الكولونيل ولسن مشروعا مفصلا بالانسحاب من العراق، لكن السلطات البريطانيه في لندن رات انه مازالت هناك فرصة لتدارك الهزيمه الكلية، فاستدعت السير برسي كوكس، واطلعته على الموضوع، فاشار الى ان هناك املا "خمسين بالمائة" بالنجاح في انقاذ النفوذ البريطاني في العراق، ولكن بشرط تشكيل حكومة عراقية تستعمل كواجهه للحكم البريطاني في العراق" يراجع /ابراهيم علاويم البترول العراقي والتحرر الوطني/ دار الطليعه/ بيروت / ص 56/ نقلا عن كتابي ولسن" الولاء" و" تعارض الولاء وكذلك رسالة جرترود بيل، التي تشبه حال الجيش البريطاني بانهيار الامبراطورية الرومانيه.
وهكذا يكون احتلال بريطانيه للعراق وقتها قد انتج الصيغة الاولى لانتهاء الاستعمار القديم الكولونيالي، وانبثاق شكل "الاستعمارالجديد" الذي لم يعرف لاحقا الا في الستينات بعد اربعين سنه على الواقعة العراقية,
(2) كامل الجادرجي( مذكرات كامل الجادرجي وتاريخ الحزب الوطني الديمقراطي) دار الطليعة / بيروت/ ص20 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة