الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آسيا .. ما بين عقلانية وسطها و راديكالية أطرافها

عبدالله المدني

2006 / 9 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في ذكرى مرور 15 عاما على إغلاق ميدان " سيميبالاتينسك" في كازاخستان و الذي استخدمه الاتحاد السوفياتي لإجراء نحو 500 تفجير نووي على مدى خمسة عقود، أقدمت كل من كازاخستان و أوزبكستان و طاجيكستان و تركمانستان و قيرقيزيا في الثامن من سبتمبر الجاري على خطوة تاريخية هامة بتوقيعها على معاهدة إعلان آسيا الوسطى منطقة خالية من الأسلحة النووية. و بهذا تكون الدول الخمس قد التزمت طواعية بمنع إنتاج أو استخدام أو اقتناء أو نشر السلاح النووي ومكوناته و تكنولوجياته و توابعه، بما في ذلك الامتناع عن القيام بالتفجيرات النووية. و بهذا أيضا تنضم آسيا الوسطى إلى أكثر من مائة دولة في أربع مناطق أخرى في العالم (أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، أفريقيا، جنوب شرق آسيا، و منطقة جنوب الباسيفيكي) سبق لها أن أعلنت كمناطق خالية من الأسلحة النووية منذ ظهور الفكرة في عام 1965 .

و هذا بطبيعة الحال سوف يساعد جمهوريات آسيا الوسطى، التي تضررت بيئيا على مدى نصف قرن من جراء التفجيرات النووية يوم كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، على التفرغ للتنمية و السلام والاستقرار بدلا من توجيه مواردها و إمكانياتها إلى سباق التسلح و عرض العضلات و عمليات ابتزاز الآخر أو مشاغبته بالإمكانيات النووية. و بعبارة أخرى فان هذه الدول تقدم اليوم نموذجا في الحكمة و التعقل والمسئولية و الرغبة في التعايش السلمي مع دول الجوار، و هو ما يتناقض مع النموذج الآخر الذي تجسده دولتان على الطرفين الجنوبي و الشمالي من القارة الآسيوية هما إيران وكوريا الشمالية. هذا على الرغم من أن جمهوريات آسيا الوسطى محاطة بأربع قوى نووية هي روسيا والصين و باكستان و الهند، ناهيك عن امتلاكها لقاعدة من المعارف و الخبرات النووية الموروثة من زمن الاتحاد السوفياتي السابق و التي يمكن البناء عليها لدخول النادي النووي بسهولة، خاصة و أن كازاخستان مثلا هي ثالث اكبر منتج لليورانيوم في العالم و ثاني اكبر دولة لجهة الاحتياطيات من هذه المادة المستخدمة في الطاقة النووية.

و قبل الدخول في تفاصيل المراحل التي قطعتها هذه المعاهدة، منذ أن لاحت كفكرة طرحها الرئيس الاوزبكي إسلام كريموف في عام 1993 أمام الدورة 48 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا بد من الإشارة ابتداء إلى أن سنوات طويلة ضاعت في إعداد مسودة المعاهدة، و أخرى ضاعت في تعديل وتنقيح بنودها. و لم يكن السبب في هذا التأخير عائدا إلى اختلاف الدول المعنية الخمس فيما بينها بقدر ما كان عائدا إلى غموض مواقف الدول النووية الكبرى من المعاهدة المقترحة، و لاسيما في ظل التجاذبات الإقليمية و الدولية في سنوات ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي و أنماط العلاقات الجديدة ما بين الأخير و جمهورياته السابقة في آسيا.

فالروس الذين لم ينظروا إلى المبادرة بجدية وقت طرحها، سرعان ما استشعروا أهميتها، ولاسيما في أعقاب التدخل العسكري لقوات الناتو في كوسوفو،الذي جعلهم يعيدون الاعتبار لدور السلاح النووي في حماية أمنهم الوطني. فحاولوا التدخل كيلا تأتي بنود المشروع المقترح بقيود تحد من مرونة نقل هذا السلاح عبر أراضي جمهوريات آسيا الوسطى في أوقات الأزمات، الأمر الذي تسبب في تباين وجهات نظر الأخيرة.

وبمجيء عام 2002 كانت هذه التباينات قد ذابت تدريجيا كنتيجة لبروز مستجدات كثيرة على الساحتين الإقليمية و الدولية من تلك التي لعبت فيها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 دورا. حيث أدت تلك الأحداث و ما أعقبها من الحرب الدولية على الإرهاب إلى تزايد الدور الأمريكي في آسيا الوسطى، سواء عبر نشر القوات أو الحصول على قواعد عسكرية في أوزبكستان و قرقيزيا، وبما جعل دول المنطقة اقل اعتمادا على الروس أو خضوعا لهم. كما و أن تزايد أنشطة الحركات الإرهابية الأصولية في المنطقة و انضمام الروس أنفسهم إلى الحرب ضد الإرهاب الذي نالهم نصيب منه في الشيشان و غيرها، ساهم في الاتفاق على ضرورة الخروج بمعاهدة تتضمن قيودا وآليات محكمة لمنع الانتشار النووي في آسيا الوسطى و الحد من احتمالات وقوع السلاح النووي في أيدي الجماعات الإرهابية.

على أن تفاصيل المعاهدة المقترحة ظلت محورا لمحادثات شاقة بين الدول الخمس المعنية في الفترة ما بين عامي 2002 و 2005 ، و ذلك بأمل الخروج بصيغة ترضى عنها جميع الدول النووية الكبرى كيلا يتكرر ما حدث من قبل حينما رفضت الدول النووية الغربية التصديق على البروتوكول الخاص بإعلان جنوب شرق آسيا منطقة خالية من الأسلحة النووية بحجة أن بعض بنود المعاهدة متناقضة مع مبدأ حرية استخدام أعالي البحار. و الجدير بالذكر أن موافقة الدول النووية الرئيسية على مثل هذه البروتوكولات ضروري لأنه من خلالها تلتزم هذه القوى بعدم مهاجمة الدول أصحاب المشروع أو تهديدها نوويا.

و كنتيجة لمحاولة إرضاء كل الأطراف النووية الكبرى حفلت المعاهدة في صيغتها النهائية ببعض الغموض الذي دفع كلا من واشنطون و لندن و باريس إلى إبداء تحفظاتها، و بالتالي عدم حضور مراسم التوقيع، في الوقت الذي دعم فيه الروس و الصينيون المعاهدة ووقعوا على بروتوكولها، إضافة إلى الأمم المتحدة و الوكالة الدولية للطاقة النووية.

و مما تحفظت عليه العواصم الغربية الثلاث بقوة بحجة وجود تناقض فيه، المادة 12 التي تتحدث عن الاتفاقيات الدولية السابقة للمعاهدة. و هي مادة تتضمن فقرتين: الأولى تقول بأن المعاهدة لن تتعارض مع حقوق وواجبات و تعهدات الأطراف الموقعة المقررة في معاهدات دولية سابقة، لكن دون تسمية تلك المعاهدات، و هو ما فسر بأنه إشارة ضمنية إلى معاهدة طشقند للأمن الجماعي الذي يلعب فيه الروس دورا هاما و بالتالي يستطيعون من خلاله استخدام أراضي جمهوريات آسيا الوسطى لنشر سلاحهم النووي. أما الفقرة الثانية فتتحدث عن التزام الدول الموقعة بعدم القيام بأي عمل من شأنه الإخلال بأهداف المعاهدة بما في ذلك إعادة نشر الأسلحة النووية في المنطقة.

و إذا كانت الدول الخمس الموقعة قد استجابت في العام الماضي لتحفظات واشنطون حيال مادة وردت في مسودة المعاهدة تقول بإمكانية توسعة منطقة آسيا الوسطى الخالية من الأسلحة النووية لتشمل دولا أخرى، و استبدلتها بمادة جديدة ترسم حدود المنطقة بدقة، فان ما ظل على حاله دون تغيير هو مادة أخرى رأى فيها الأمريكيون و حلفائهم تناقضا أيضا و طالبوا بتعديلها كي تبدو أكثر وضوحا. و لم تكن هذه سوى مادة تقول من جهة بحق كل طرف من أطراف المعاهدة قبول أو رفض مرور الأسلحة النووية عبر أراضيها، و من جهة أخرى تقول بمنع الدول الموقعة من المساعدة أو التشجيع على امتلاك مثل هذه الأسلحة.

و الحقيقة أن المعاهدة المذكورة، كغيرها من المعاهدات الدولية، بها بعض النواقص، إلا أن هذا ليس سببا وجيها للتقليل من قيمتها أو انتقادها، بل يجب دعمها و التفاهم حول وضع مذكرات تفسيرية لبعض موادها الغامضة، و من ثم استخدامها لحث مجموعات إقليمية أخرى على الإقتداء بأصحابها، لا سيما في هذا المنعطف الذي تتزايد فيه شهية بعض الأنظمة الراديكالية المتوترة على دخول النادي النووي بأي ثمن، و إن كان الثمن استنزاف ثروات البلاد و فرض العزلة عليها وإدخالها في مواجهات غير محمودة العواقب.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 17 سبتمبر 2006
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ