الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة النّقابيّة في تونس/ إعصار التّحدّيّات

الطايع الهراغي

2022 / 6 / 9
الحركة العمالية والنقابية


"نقابيّ ومعترف /
ومنضبط / ومختلف
......................
وإخواني إذا وقفوا
هوى الشّرفاء والشّرف"
(أولاد أحمـــد).
"إنّك تخاطبني في حلّ الجامعة، وهي ليست ملكا من أملاكي، لي حقّ التّصرّف فيه، بل هي حقّ للعملة مشاع، ولي صوت لا أرفعه ضدّ الجامعة ما حييت".
(محمد علي الحامّي ردّا على مدير البوليس).

لعلّه من الغريب حقّا أن يتحوّل نقد اتّحاد الشّغل بقسوة على عدم تجذّر مواقفه وسياساته ممّا يجري في البلاد إلى تهجّم علنيّ وتهجين واتّهام بعدم مراعاة وضعيّة البلاد والتّورّط في خدمة طابور الفساد السّياسيّ والاجتماعيّ والإداريّ والمؤسّساتيّ.
يُفترض قبل أن نخوض في " لغـــز" موقف اتّحاد الشّغل من مجريات الأحداث التي تهزّ البلاد وقبل الانخراط في إدانات مستعجلة ( ونقيضها المدائح المريحة التي لا تخدم منظمّة الشّغّالين ولا الشّأن السّياسيّ في شيء) تقودها قراءات لا تقلّ تسرّعا، علينا أوّلا أن نستحضر ونتمثّل الملابسات -بعضها تاريخيّ- التي تحكم موضوعيّا مواقف الاتّحاد ممّا يعتمل في السّاحة السّياسيّة والاجتماعيّة. وعلينا ثانيا أن ندرك المطلوب من المنظّمات الوطنيّة في ظرفيّة حسّاسة. هل المطلوب التّسويق للحاكم فردا كان أم سلطة أم نظاما؟ في وضعيّة الحال هل المطلوب خدمة البلاد أم خدمة قيس سعيّد؟
مواقف الإدانة وجملة المؤاخذات - بعضها صادر عن نقابيّين-أقرب إلى المصادرة على المطلوب. الحكم جاهز، يبقى فقط تدبّر المداخل. فكلّ ما يأتيه الرّئيس سليم يرقى إلى مستوى المعجزة، لا يطاله الباطل لا من الخلف ولا من الأمام. إذن كلّ ما يأتيه خصومه ومنافسوه ومعارضوه ونقّاده باطل الأباطيل، كبيرة الكبائر، خيانة وجريمة في حقّ الوطن، حلم بالرّجوع إلى مستنقع منظومة ما قبل 25جويلية، مع إعلاء ما أقدم عليه الرّئيس إلى مرتبة كبرى الثّورات.
فداحة وخطورة الهجمة على اتحاد الشغل تتأتّى من كونها تسعى إلى ترسيخ ذهنيّة البونابرت، المنقذ الأعلى، الحاكم بأمره الذي يجب أن يُمكّن من كلّ السّلطات كشرط أساسيّ ومقدّمة ضروريّة للقطع مع حالة العطالة والإفلاس التي طبعت تونس ما بعد الثّورة، وتندرج في إطار أعمّ يتعلّق بترذيل كلّ الجهات التي تنآى بنفسها عن المبايعات اللاّمشروطة-إن لم تكن مجانيّة- فمن سمة التّزكيّات القطيعيّة أنّها تشعل الرّغبة الجامحة إلى الاستئثار، خاصّيّة كلّ حاكم وكلّ سلطة بحكم سلطان غريزة حبّ البقاء، وسبيلها اعتماد التّسلّط باحتكار السّلط الثّلاثة ما لم يجد الحاكم بأمره من يكبح جنوحه.

1/لعنة التّاريخ وانزلاقاته
اتّحاد الشّغل مثقل ومكبّل بتاريخ حكم عليه -منذ "ورّطنا" المؤسّسون محمد علي الحامّي، الطّاهر الحدّاد، مختار العيّاري، فرحات حشّاد والحبيب عاشور- أن يكون دوما في الواجهة إكراها لا اختيار.
جملة الخصوصيّات التي تحكّمت في انبعاث أوّل بذرة نقابيّة تونسيّة أملت على الحركة النّقابيّة عموما وخصوصا تعبيرتها الرّسميّة اتّحاد الشّغل أن ينهض بالمهامّ الموكولة تاريخيّا إلى الأحزاب السّياسيّة. غير أنّ للتاريخ – هذا الماكر أبدا- أحكاما وانزلاقات وانزياحات أخرى ليست بالضرورة منسجمة مع أهواء من يرومون صنع التّاريخ وتشكيله وخاصّة قراءته.
فالمعارضة في بلادنا حُكم عليها عنوة وقصدا بالتّصحير حتّى تخلو السّاحة للحاكم الأوحد (الزّعيم الواحد/ المجاهد الأكبر / العامل الاوّل/ صانع التّغيير، وآخرهم مفجّر ثورة 25جويلية) ليحكم قبضته على شرايين الحياة السّياسيّة بدمج الحزب الحاكم بالدّولة لتصبح دولته وتدجين المنظّمات لتصبح واجهة من واجهاته والتّنكيل بالمعارضة التي تُرجم دوما بأنّها تصطاد في المياه الآسنة. فكان أن حُكم على الحركة النّقابيّة أن تلعب دورها الاجتماعيّ المهنيّ ودورا هو موضوعيا دور المعارضة.
في قراءة مغايرة لخصوصيّات الحركة النّقابيّة التّونسيّة في ما بات يُعرف عند الجميع بتعدّد الأبعاد، وطنيّ/ اجتماعيّ/ نقابيّ/ سياسيّ يمكن الذّهاب إلى أنّ التّاريخ – وشكل تمثّله- أثقل الحركة النّقابيّة بمهامّ تتجاوز هويّتها وطبيعتها وخلق إشكالات :إضعاف المعارضة وتهميشها وجرّها في لحظات "مجدها" إلى تعديل مواقفها – وبالتّالي تلطيفها- على البوصلة المتموّجة للقيادات النّقابية، اضطرار المركزيّات النّقابيّة إلى صون شعرة معاوية مع الحاكم ومع معارضة الحاكم . ما تعيشه المركزيّات من ارتهان لإكراهات يمينها ويسارها،إرثها وواقعها تتطلّب سياسات حذرة تحفظ حبل الوصل مع النّظام القائم حزبا ودولة في مسايرة لا تصل حدّ الذّوبان و تراعي ما تمليه (وقد أملت عليها) ضرورات الاتّكاء على شرعيّة ما مكانها الطبيعيّ في النّسيج النّقابيّ بتموّجاته المتعدّدة والمتنوّعة وبنزعاته إلى التّحرّر من كابوس البيروقراطيّة من ناحية وهمجيّة السّلطة من ناحية ثانية . تلك هي معضلة اتّحاد الشّغل في ظلّ "دولة الاستقلال" / كيف السبيل الى رسم علاقة تتراوح بين التماهي والمسايرة والمساندة المشروطة والتنطع احيانا عندما يبالغ الحاكم في تضييق الخناق.الشّاهد على ذلك جملة الأزمات التي عاشتها القيادات النّقابيّة – قبل القواعد العمّاليّة- نتيجة تبرّمها بمحاولات الابتلاع وفرض المربّع الذي ترى الأنظمة أنه لا مناص للمنظّمات من التّخندق فيه .في هذا الإطار يمكن أن تُقرأ كلّ الأزمات -المفتعلة منها والحقيقية-التي حُشر فيها اتّحاد الشّغل وأُجبِر على التّعاطي معها من موقع المستهدف الذي تحوّل موضوعيّا إلى فاعل محتجّ، أساسا أزمتا الخميس الأسود26 جانفي1978 و1985 (لأنّهما الأكثر دلالة مقارنة ببقيّة الأزمات التي تمّ تمريرها بأقلّ التّكاليف).
كلّ الأزمات التي افتعلها الحاكم وضعته في ورطة وأجبرته على اعتماد جملة من المناورات لحلّها في/ وبإخراج ما. كلّ الحقب سلبيّها وإيجابيّها لم تسلم من اختلافات في هياكل الاتّحاد حول هويّة النّقابة ودورها وحدودها مع تباينات محتشمة أحيانا ومعلنة أحيانا أخرى في فهم وتأويل المسألة الدّيمقراطيّة وآليات التّسيير ودرجة الاستقلاليّة وموقع اتّحاد الشّغل من وفي الحكم .
لم تسلم مرحلة من مراحل تاريخ الاتّحاد من النّقد والصّراع بما في ذلك تجربتا محمد علي الحامّي وفرحات حشّاد. والعارفون بالتّاريخ يعرفون كم بذل محمّد علي الحامّي من مجهودات لإقناع بعض من رفاق- قيادات- دربه براهنيّة وأهميّة تونسة الفعل النّقابيّ في "الإيّالـة" بإرساء تنظيم نقابيّ تونسيّ لحما ودما عن الكنفدراليّة الفرنسيّة، هو جامعة عموم العملة التّونسيّة . يشهد على ذلك مؤرّخ الحركة وأحد أقطابها الطّاهر الحدّاد. ألم يقل في كتابه "العمّال التّونسيّون وظهور الحركة النّقابيّة" في معرض تحليله لتخمّر فكرة المغامرة بالمروق عن النّقابات الاستعماريّة إنّ ميلاد الفكرة النّقابيّة المنظّمة في هيكل لم تكن وليدة قرار من هذا القياديّ أو ذاك بقدر ما كانت زبدة نقاشات مطوّلة ومستفيضة " إن جامعة عموم العملة التّونسيّة لم تكن نتيجة جلسة أو جلستين أو يوم أو يومين بل هي نتيجة المحاورات الدّائمة بين الأعضاء المؤسّسين في اجتماعاتهم المتوالية". فمختار العيّاري – وكذلك أحمد بن ميلاد- معروف بمجاهرته بلا جدوى الانسلاخ عن النّقابات الفرنسيّة، حجّته في ذلك.
" أنّ انفصالكم عن الاتّحاديّة يحرمكم من إعانة خمسة وعشرين مليونا من العمّال .... وأرى أنّ الذي يدعوكم إلى تأسيس نقابة غير منظمّة للاتّحادية إنّما يدعوكم للانقسام الذي يهلك قوّة العمل ويبعد عنكم النّجاح".وماذا عن حشّاد؟ ألم يخض هو الآخر صراعا مع كثير من رفاقه لإقناعهم ب إيجابيّة انضمام الاتّحاد للسّيزل عوضا عن الكنفدراليّة النّقابية العالميّة؟
ليس هدفنا من السرد التاريخي من باب التذكير بمعطيات تاريخية يقدر ماهو تاكيد على ان الجسم النقابي كان دوما متومجا غير متجانس ميزته في ادراك اهمية صهر الاختلافات والتباينات .

2/في وجاهة النّقد و مجانيّة التّهجين
النقد عندما ينفلت من عقاله يتحول الى عصاب وهذيان تحكمه نزوات اللحظة وفورة الانفعال وعذابات عدم الرضا عن الذات .
مثل كثيرين غيري عندما اخترنا الانخراط في النضال النقابي لم نستشر احدا. ولم نتسول ترخيصا في حقنا ومسؤوليتنا في نقد قيادات ومكونات المنظمة التي انتمينا إليها ودفعنا الضريبة من الحاكم ومن قيادات المنضمة تجميدا وتجريدا. تقدنا وتباينا مع ما بدا لنا زيغا وانحرافا عن الارث الجماعي العام الذي يحكم تاريخ المنظمة وفعلها. ومع ذلك وربما لذلك لم نتورط في تزكية اعدائها .
لنا ماخذ متنوعة ومتعددة عن كل القيادات التي تتلت على راس المنظمة ولكننا لم ننخرط ولن ننخرط في تهجينها من موقع خدمة اعدائها .لم ولن نتبنى التنظير لمنظمة هي واجهة الحام اي حاكم. انتصرنا وسننتصر للاتحاد طالما كان موقفه وفيا لارثه وتاريخه كما نحته رواده وشهداؤه ومناضلوه. نقدنا المنظمة وسننقدها ولن نحتاج اذنا من احد ولكننا لن نتحول الى بوق دعاية بغباء ومجانية لمن مايزال يحلم ويمني النفس بمنظمات يملى عليها ان لا تتجاوز المربع الذي يحصرها ويحشرها فيه الحاكم ومنظومة الحكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: طلاب يغلقون مداخل جامعة سيانس بو بباريس دعما للفلسطين


.. فرنسا: طلاب يغلقون مداخل جامعة سيانس بو في باريس دعما للفلسط




.. 8 شهداء من العاملين ضمن فرق تأمين المساعدات إثر غارة إسرائيل


.. الطلاب المؤيدون للفلسطينيين يواصلون اعتصامهم في جامعة كولومب




.. عضو المجلس القومي للأجور: شكلنا لجنة لدراسة موقف القطاع الخا