الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أفول العولمة. جوزيف إي ستيجليتز

نورالدين علاك الاسفي

2022 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في أفول العولمة. جوزيف إي ستيجليتز

جوزيف إي ستيجليتز[1]
Joseph E. Stiglitz

ترجمة: نورالدين علاك الأسفي. [2]
[email protected]

بات واضحا من اجتماع نخب رجال الأعمال والسياسة هذا العام بدافوس أن الرؤية الطويلة الأمد لعالم بلا حدود لم تعد بذات مصداقية. لسوء الحظ، لقد غدا جليا أيضا أن الاعتراف بهذه الحقيقة الأساسية ليس هو نفسه الحساب الكامل لأخطاء الماضي.
دافوس - كان الاجتماع الأول للمنتدى الاقتصادي العالمي منذ أكثر من عامين مختلفا بشكل ملفت عن العديد من مؤتمرات دافوس السابقة التي حضرتها منذ عام 1995. لم يكن الأمر مجرد استبدال الثلوج الساطعة والسماء الصافية لشهر يناير بمنحدرات التزلج العارية و رذاذ مايو القاتم. بدلا من ذلك، كان المنتدى؛ الملتزم تقليديا بمناصرة العولمة، معنيا في المقام الأول بإخفاقات العولمة: سلاسل التوريد المعطلة، وتضخم أسعار الغذاء والطاقة، ونظام الملكية الفكرية الذي ترك المليارات بدون لقاحات كوفيد - 19 حتى تتمكن قلة من شركات الأدوية من كسب المليارات من الأرباح الإضافية.
فمن بين الاستجابات المقترحة لهذه المشاكل "إعادة دعم" أو " مساندة الصديق" في الإنتاج و سن "سياسات صناعية لزيادة قدرات البلدان على الإنتاج". لقد ولت الأيام التي كان يبدو فيها أن الكل يعمل من أجل عالم بلا حدود. فجأة، يدرك الجميع أن بعض الحدود الوطنية على الأقل هي مفتاح التنمية الاقتصادية و الأمن.
بالنسبة لمناصري العولمة غير المقيدة بالمرة، أدى هذا الوجه المفرط إلى التنافر المعرفي، لأن المجموعة الجديدة من المقترحات السياسية تشير ضمنا إلى أن القواعد طويلة الأمد لنظام التجارة الدولي سوف تنحني أو تنكسر. و هي غير قادرة على التوفيق بين دعم الأصدقاء ومبدأ التجارة الحرة و غير التمييزية، لقد لجأ معظم رجال الأعمال والقادة السياسيين في دافوس إلى الابتذال. كان هناك القليل من تشخيص الذات. حول كيف ولماذا سارت الأمور على هذا النحو، أو عن المنطق المعيب، المفرط التفاؤل الذي ساد خلال ذروة العولمة.
بالطبع، المشكلة ليست في العولمة فقط. فقد أظهر اقتصاد السوق بأكمله افتقارا إلى المرونة. نحن في الأساس أنشأنا سيارات بدون إطارات احتياطية - مما أدى إلى خفض سعرها ببضعة دولارات اليوم بينما لا نولي اهتماما لمتطلبات المستقبل. كانت أنظمة الجرد في الوقت المناسب ابتكارات رائعة طالما أن الاقتصاد يواجه اضطرابات طفيفة فقط؛ لكنها كانت كارثة في مواجهة عمليات الإغلاق الخاصة بـكوفيد-19، مما أدى إلى ظهور سلاسل متتالية من نقص العرض (مثلما أدى ندرة الرقائق الدقيقة إلى ندرة السيارات الجديدة).
كما حذرت في كتابي الصادر عام 2006، Making Globalization Work/" لنجعل العولمة تعمل "، تقوم الأسواق بعمل رهيب من حيث السعر لنفس السبب الذي يجعلهم لا يقومون بتسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون). ولنتأمل هنا ألمانيا، التي اختارت جعل اقتصادها يعتمد على شحنات الغاز من روسيا، وهي بشكل واضح شريك تجاري غير موثوق به. الآن، تواجه عواقب كانت متوقعة و منتظرة.
كما اعترف آدم سميث في القرن الثامن عشر، الرأسمالية ليست نظاما مكتفيا بذاته، لأن هناك ميلا طبيعيا نحو الاحتكار. ومع ذلك، منذ أن بشر الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر ببدء عصر "إلغاء القيود"، أصبح التركيز المتزايد في السوق هو القاعدة، وليس فقط في القطاعات البارزة مثل التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. كان النقص الكارثي في حليب الأطفال في الولايات المتحدة هذا الربيع هو نفسه نتيجة الاحتكار. بعد أن اضطرت شركة أبوت/ Abbott إلى تعليق الإنتاج بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، سرعان ما أدرك الأمريكيون أن شركة واحدة فقط تمثل ما يقرب من نصف الإمدادات الأمريكية.
كما ظهرت التداعيات السياسية لفشل العولمة بشكل كامل في دافوس هذا العام. فعندما غزت روسيا أوكرانيا، تمت إدانة الكرملين على الفور وبشكل شبه عالمي. لكن بعد ثلاثة أشهر، تبنت الأسواق الناشئة والبلدان النامية مواقفا أكثر غموض. يشير الكثيرون إلى نفاق أمريكا في المطالبة بالمساءلة عن العدوان الروسي، على الرغم من أنها غزت العراق بذرائع كاذبة في عام 2003.
و تشدد بلدان الأسواق الناشئة أيضا على التاريخ الحديث لقومية اللقاحات من جانب أوروبا والولايات المتحدة، والذي استمر من خلال أحكام الملكية الفكرية لمنظمة التجارة العالمية التي فرضت عليها قبل 30 عاما. كما أن بلدان الأسواق الناشئة هي التي تتحمل الآن العبء الأكبر من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. إلى جانب المظالم التاريخية، فقدت هذه التطورات الأخيرة مصداقية الدعوة الغربية للديمقراطية وسيادة القانون الدولي.
من المؤكد أن العديد من الدول التي ترفض دعم دفاع أميركا عن الديمقراطية ليست بديمقراطية على أي حال. لكن دولا أخرى، وقد قوضت مكانة أمريكا في قيادة تلك المعركة بسبب إخفاقاتها؛ من العنصرية المنهجية ومغازلة إدارة ترامب مع المستبدين إلى محاولات الحزب الجمهوري المستمرة لقمع التصويت وصرف الانتباه عن تمرد 6 يناير 2021 في مبنى الكابيتول الأمريكي.
كما ظهرت التداعيات السياسية لفشل العولمة بشكل كامل في دافوس هذا العام. عندما غزت روسيا أوكرانيا، تم إدانة الكرملين على الفور وبشكل شبه عالمي. ولكن بعد ثلاثة أشهر، تبنت الأسواق الناشئة والبلدان النامية/, EMDCs مواقفا غامضة بشدة. فالكثيرون يشيرون إلى نفاق أميركا في المطالبة بالمساءلة عن العدوان الروسي، على الرغم من أنها في عام2003؛ غزت العراق تحت ذرائع كاذبة.
بالنسبة للولايات المتحدة؛ إن أفضل طريقة للمضي قدما تتلخص في إظهار قدر أكبر من التضامن مع بلدان الأسواق الناشئة من خلال مساعدتها على إدارة التكاليف المتزايدة للغذاء والطاقة. يمكن القيام بذلك عن طريق إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة للبلدان الغنية (الأصول الاحتياطية لصندوق النقد الدولي)، ودعم التنازل القوي عن الملكية الفكرية لكوفيد-19 في منظمة التجارة العالمية.
و علاوة على ذلك، فمن المرجح أن يتسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في حدوث أزمات ديون في العديد من البلدان الفقيرة، مما يزيد من تفاقم أوجه الإجحاف المأساوية الناجمة عن الوباء. وإذا أرادت الولايات المتحدة وأوروبا إظهار قيادة عالمية حقيقية، فسيتوقفان عن الانحياز للبنوك الكبرى والدائنين الذين أغروا البلدان بتحمل ديون أكثر مما تستطيع تحمله.
بعد أربعة عقود من الدفاع عن العولمة، من الواضح أن حشد دافوس أساء إدارة الأمور. لقد وعدت البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء بالرخاء. ولكن في حين أن الشركات العملاقة في شمال العالم أصبحت غنية، فإن العمليات التي كان من الممكن أن تجعل الجميع أفضل حالا. و بدلاً من ذلك؛ فقدخلقت الأعداء في كل مكان. و أضحى معه "الاقتصاد المتدرج للأسفل"؛ وهو الادعاء بأن إثراء الأثرياء سيفيد الجميع تلقائيا؛ خداعا. وهي فكرة ليس لها من نظرية ولا دليل يسندانها.
هذا العام؛ اجتماع دافوس فرصة ضائعة. كان من الممكن أن تكون مناسبة للتفكير الجاد في القرارات والسياسات التي أوصلت العالم إلى ما هو عليه اليوم. و الآن وقد بلغت العولمة ذروتها، لا يسعنا إلا أن نأمل في أن نجعل أدائنا في إدارة تدهورها أفضل مما فعلناه في إدارة صعودها. [3]

----------------------------
[1] جوزيف ئي. ستيجليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وأستاذ جامعي في جامعة كولومبيا، هو كبير الاقتصاديين السابق للبنك الدولي (1997-2000)، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع لرئيس الولايات المتحدة، والرئيس المشارك للجنة الرفيعة المستوى لأسعار الكربون.. وهو عضو في اللجنة المستقلة لإصلاح الضرائب الدولية على الشركات وكان المؤلف الرئيسي لتقييم المناخ في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 1995. من كتبه المترجمة إلى العربية: خيبات العولمة و التسعينيات الهادرة. ويكي.
[2] في البال: المقالة مناط الترجمة رهن بالإحاطة علما؛ لا بقصد تبني فحواها جملة أو تفصيلا. المترجم.
[3] المصدر على الرابط:
https://www.project-syndicate.org/commentary/deglobalization-and-its-discontents-by-joseph-e-stiglitz-2022-05








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع