الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار عن المجموعة القصصية - حذاء سيلفانا -

هدى توفيق

2022 / 6 / 10
الادب والفن


حوارعن المجموعة القصصية "حذاء سيلفانا " :
س1: كتبتِ عن الثورات العربية في قصة ملامح الوطن واحدة كيف ترينها ؟
ج : في الحقيقة قبل الإجابة عن هذا السؤال أحب أن أشير: أن تلك المجموعة القصصية رغم تنوع ، وتعدد القصص بها ، إلا أنها في النهاية تُعبر عن مسار، ونغمة محددة مقصودة الكتابة ؛ وهو الحديث عن الوطن ، أي الجذور التي نشأ وتربى بها أي انسان في أي مكان وزمان في العالم العربي ؛ التي تُشكل وتُرسخ لكل تاريخه حتى الممات. وبالتالي يبدأ من بيت العائلة الأم أي مسقط الرأس مع اختلاف بيئة وظروف كل إنسان عن آخر بالطبع ، وأرى أن تلك المفردات مترابطة وموجهة لمربط الفرس ؛ وهو الانتماء للوطن الكبير الذي أصبحنا نشعر فيه بقدر كبير من الاغتراب والتوحش والإحباط من أي أمل في الالتقاء بفكرة الانتماء فعلًا. ففقدان التفاعل والامتزاج مع تلك الفكرة يُفقدنا الهوية والشعور بذواتنا ، وبجدوى الوجود في هذا الوطن ؛ حتى لو كنا نملك به مساحة مكانية وعمل وكل مظاهر التواجد فيه. فما بالك وأنت مضطر للهروب منه لدولة أخرى، وظهور ثورات الربيع العربي في مصر، وفي عدد من البلدان العربية جعلنا نتوحد في المشكلات ، والانتكاسات ، والفشل ، في تحقيق أي مكاسب من تلك الثورات. لذلك أقترح بشكل إبداعي ـ إلى حد ما ـ توحدنا في الملامح الشكلية نماذج: اللغة والوجوه ؛ فما دمنا نعاني نفس الهم والإخفاق ، فجوهر التعاسة واحد ، وأيضا الملامح باتت واحدة. أما بالنسبة لرؤيتي عن تلك الثورات: أظن أنها لا زالت في طور تشكيل الجنين الذي يريد أن يتخلق ، فيحتاج لمزيد من الألم والتأهل والوعي على المدى البعيد ؛ ليخرج حيًا قويًا نابضًا بقدرة تحقيق مطالبه الأساسية من : عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعية . مطالب الثورات الكبرى بوجه عام ، وليست مجرد انتفاضات شعبية تشتعل وتخمد سريعًا مع الاحترام والتمجيد لكل الدماء التي بذلت هدرًا ، ودون تقاض مجزي لثمنها الذي لايقدر من الشهداء الأبطال في بعض البلدان ، ولكن أيضا كل شئ يحتاج للتجربة والوقت حتى نتأكد من نواياه الصادقة ؛ من أجل تحقيق الهدف المرجو منه سواء في الحاضر والمستقبل.
س2: ما يحدث في سوريا يشغلك، وكذلك دارفور. كيف ترين العالم العربي ؟
ج : بالطبع ما يحدث في سوريا بالذات يشغل بال كل إنسان على وجه الأرض ، وليس فقط في عالمنا العربي من سفك الدماء ، والمجازر ، والموت كل دقيقة في ساحة معركة ظالمة جدًا أمام الطرف الآخر. والثمن هو هؤلاء المدنيين الأبرياء ؛ الذين ليس لديهم أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم غير الهروب واللجوء لبلاد أخرى؛ لينقذوا حياتهم بأعجوبة من الهلاك الدامي والدمار الشامل لكل شئ. فلا يبقى شئ غير أرواحهم. وتفسير هذا كونه فقط إنسان ينتمي لهذا البلد المنكوب ، وهكذا مأساة دارفور المعروفة ؛ كحال ما حدث ، وما زال يحدث في الوطن العربي ، وكأن روح الدمار والتطاحن روح شريرة هبت تستعر كروح شيطانية. تتأجج بنار الفتنة الطائفية ، والتطرف ، والإرهاب ، وسحق الآخر بكل قسوة ونذالة لا مبرر لها ، غير تمرير أجندات لا نعرف كنها بالضبط ، ومن يدفع الفاتورة الباهظة التكلفة غير أبرياء من أطفال ونساء وشباب يُقتلون بكل برود تحت قبة وطن اسمه الوطن العربي. إنها مهزلة تامة وبشعة الاستمرار؛ وما علينا نحن المشاهدين غير المشاهدة ، والاكتئاب الشديد ، وابتلاع المرارة كل يوم ، وكأن ذنبنا الوحيد أننا من أبناء الوطن العربي ، الذي بات كاللعنة لكل من يعيش فيه. بل كالحصار القدري فلا فكاك منه إلا بالموت من آخر متربص ، أو الانتحار البطئ باحتمال ما يفوق أي طاقة على التحمل من فقر وتجويع وتشرد.
س3: حديثنا عن سمكة نيسان الشهيرة ؟
ج : من خلال سرد تلك المعلومة التاريخية عن سقوط الأندلس بمقولة الكاتب الكبير ( نجيب محفوظ ) : " ابريل شهر الغبار والكاذيب " المقتبسة من رواية ( ثرثرة فوق النيل ). تشابكت محاور السرد في قصة سمكة شهر ابريل ، وأعتقد أن تلك القصة لها طابع سردي خاص عن بقية قصص المجموعة القصصية ؛ باستخدام تقنية عالم الفيس بوك أي الواقع الافتراضي كمفردة للحكي عن سر كذبة ابريل ، ثم الانتقال للواقع الحقيقي ؛ من خلال أصدقاء بطلة القصة التي ذكرتها برسالة على الفيس بوك بذكرى عيد ميلادها : ا / ابريل ؛ فشعرت بالفرحة الشديدة ، وتهللت وسط زميلات العمل الوظيفي ، وأصرت أن يشاركوها كما شاركها أصدقاؤها الافتراضيين بالتهنئة ، وهذا يجعلنا ندعي كمبدعين: أن لا بد أن نتأمل العالم الجديد بعد أن أصبحت من ضرورات الحياة مثل الطعام والشراب. ونحن نتابع الأصدقاء الافتراضيين ، وعوالمهم المختلفة من جميع أنحاء العالم. عندئذ نراها صيغة جديدة لآليات الكتابة ، ربما يكون إيجابي ويثري العمل الأدبي ، وذو مغزى يعزز فنياته. فنحن لا ننفصل عن العالم الجديد والمحاولة، أوالتجربة التي هي المؤشر الوحيد ؛ لإدراك مدى نجاح أو فشل وسيلة ما ؛ لتطويع كل آلية جديدة في العمل الفني.
س4: المجموعة القصصية تحتفي بالوطن سواء البلد ، أو مسقط الرأس ، أو حتى منزل العائلة القديم في القصص. بمعنى أن هناك حنين دائم إلى الماضي .. لماذا ؟
ج : رغم أن بعض الأراء ترفض الرسالة المباشرة ، والواضحة في الأعمال الأدبية ؛ اعتقادًا بذلك : أن الكاتب لا بد أن يصنع المفاجأة ، والدهشة ، والبحث وراء الكلمات ، والأحداث ؛ حتى يبذل القارئ جهد وتحري أثناء القراءة، ولا يجد كل شئ بسهولة ويسر ومباشرة ، لكن في تلك المجموعة بالذات كانت أغلب القصص عن الوطن سواء في البيت القديم أي الجذور ، ومسقط الراس التي نشأ وتربي بها أبطال القصص ، ثم الرحيل عنه إلى مكان آخر لأي سبب ؛ لهذا السبب كانت وجهتي محددة ، ولا تحتمل أي اختباء أو اسخدام رموز للتعبير عما أقوله بفصاحة ، فالوطن هو أجّل تعبير بحد ذاته عن وجودنا ، ولا نستطيع اخفاءه ، أو يتوارى به خلف المجاز ، والرمز. فللوطن حديث معلن وشيق وطويل. لأن معناه ببساطة : هو من يُبدع هذا الإنسان من بدء خلقه إلى الرمق الأخير في عمره القصير مهما عاش ، وهذا الحنين هو داخل كل إنسان ؛ فنوستالجيا الذكريات في المنازل والشوارع والأشخاص الذين عشنا معهم ، وقابلونا في كل الأوقات الماضية من حياتنا السابقة ؛ هم الذاكرة والحياة والوجود لكل شخص سواء في لحظات الفرح والحزن وصولاً للفناء. نحن لا نستطيع أن نعيش ونبتهج ونتالم بدون أن نرى أنفسنا في عقل الآخرين. بمعنى بسيط هذا هو الوطن ؛ الذي يملئنا بالحنين ، والعودة ، والتذكر ، والألم ، والحب ، والفرح ، والقدر والنصيب ، وكل ذكريات حياتنا ؛ التي ولت وانتهت على بوابته . فالإنسان هو سر المشاعر والوجود والذكريات في كل مساحة على كوكب الأرض ، والذكريات وتاريخها في النهاية هي ذاكرة الوطن بلا شك.
س5: المدرسة والتعليم والعلاقة بين الطالب والمدرسة ؛ التي تنسحب على الوطن حيث علاقتنا به أصبحت مهترئة. لماذا اخترت التعليم للحديث عن مشكلات الوطن ؟
ج : أظن أن أكلشيه التعليم والصحة هما المدخلان الأساسيان ؛ لتشريح مدى تقدم أو تخلف أي مجتمع مدني ؛ فالشخص الذي بصحة جيدة وتعليم راق سينشأ إنسانا قويًا قادرًا على العمل والإنتاج والتفرد: أظن أن من أبسط البديهات التي يدركها أي شخص واع عن مدى أهمية التعليم. لأنه يُعتبر بوابة الدخول في أية معترك حقيقي ، وقياس مدى ما نعيشه من فقر وتخلف وجهل أو تحضر وتقدم في ذاك الوطن ؛ وطبعا أنا أقصد التعليم بقيمته الحقيقية الفعالة والمؤثرة ، وليس التعليم الموجود في مصر بشكل خاص. لأننا جميعا نعلم أنه لا يقدم ، ولن يقدم أي تطور فعلي سواء للطالب الذي يلقن به ، أو للوطن الذي ينتظر نتائج جيدة لهذا الطالب في نسختة غير المتطورة . ولا نغفل أن هذا الرأي يرتبط بوقت كتابة القصص ، دون ذكر ومتابعة ما يحدث نحو الرؤية التعليمية الجديدة من محاولات تطوير وبعث وتحديث حتى لا نكون ظالمين أمام محاولات الخروج والتنمية والاستثناءات المبشرة في الوقت الراهن . في النهاية التعليم هو المدخل والجوهر لحل المشكلات الكبرى ؛ التي لا نستطيع حلها في الوطن الذي ننتمي إليه ، ونتأثر بها بالتأكيد بشكل خاص.
س6: رائعة قصة " تمارين الحزن " كيف جاءتك ؟
ج : فعلًا قصة " تمارين الحزن " لها حكاية خاصة لن أنساها ؛ في بعض الأحيان أشعر بالاكتئاب ، فأخرج وأحرص على ارتياد المترو، ودون توجه لمكان أوشخص محدد ، وأجد نفسي جالسه في انتظار المترو. لكن لا أصعد إليه ، وأظل جالسة على المقعد أتامل الصاعدين والهابطين منه ذهابا وايابا ، وفي إحدى المرات قررت أن أدون هذه التجربة التي كررتها كثيرُا في حياتي بقصة ، فكانت " تمارين الحزن " ؛ حتى أن فكرة تدوينها جاءت ، وأنا جالسة في مرة من المرات ؛ فأخرجت المفكرة التي تلازمني في حقيبتي لحين امتثالها في قصة أدبية بعد ذلك ، وأطلقت عليها تمارين الحزن ، ولم أعدل ، أو أغير في اسمها بعد ذلك إلا طبعا من بعض التغيرات الطفيفة في بعض الجمل. صراحة أنا أحب هذه القصة كثيرًا ؛ لأنها تخلقت بيسر وبساطة ، وفي لحظة صدق مع نفسي للغاية ، وهذا ما أتمناه في الكتابة دائماً.
س7: قصة " حذاء الصغيرة التي لم تأت " قاسية ، كيف ترين العنوسة ؟
ج : أراها في الواقع أشد قسوة عما تحكيه القصة. هل ندرك مدى قسوة أن تشعر الفتاه بأنها أصبحت عانس ؟ أظن أنه أقسى احساس فُرض على المرأة مثل الألقاب الأخرى المفروضة علينا من المجتمعات العربية كمثال : أرملة ، مطلقة ، عانس. أنا استلهمت هذه القصة من مشاعر شخصيات نسائية حقيقية ، وبدون أن يحكين لي شيئًا ، ولكن كنت أشعر بهن تمامًا ، وعن مدى ما يتألمن من حسرة وحزن ، وافتقادهن : للحب ، والأمومة ، والأسرة ، والدفء ، وكل المعاني الإنسانية التي هي من حق كل البشر، وخاصة المرأة ذلك الكائن الهائل والغزير في قدرته على العطاء والحب والحنان ؛ فالمرأة هي مكمن العاطفة الجبارة. هي كالعطر الفواح يفوح في أرجاء المكان كله بسخاء ونفاذ لا حدود له ، فكيف تكون عانس أو مضطرة لظروف ما ألا تعطي. إنه القهر والظلم الفادح بعينه لذلك الكائن المجبول على الحب والخصب والنماء والوفرة. أعتقد مهما كانت القصة قاسية، فالواقع يعادل في قسوته على المرأة العانس ملايين المرات، أو لنقل أنه شئ دون أي إنسانية بالمرة.
انظر المصدر : حذاء سيلفانا، عن دار نشر كتبي للطباعة والنشر والتوزيع، مصر ـ القاهرة / ط1: 2017م.
13/2/2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا