الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


11 سبتمبر.. كل عام وأنتم بخطر

عبدالجليل النعيمي

2006 / 9 / 18
ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001


يمكن الجزم بصحة قول الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بأن مرتكبي أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية ‘’لن يدخلوا الجنة’’. لكن من هم هؤلاء؟ هل هم كل أو بعض أولئك الذين اعترف الرئيس بوش أخيرا بوجود معتقلات سرية تضمهم ومنتشرة في بولندة ورومانيا وبلدان أخرى منها عربية، حيث يخضعون لبعض أنواع التعذيب ‘’في حدود القانون’’؟.
هذه الاعترافات المتأخرة وغير المكتملة لا تقنع أحدا بأن تغيرا جديا قد طرأ على الجوانب الأخلاقية أو الحقوقية أو السياسية لما يسمى ‘’بالحرب على الإرهاب’’. تقول ‘’ذي غارديان’’ في تعليقها بعنوان ‘’السر القذر لبوش’’ أن ‘’الغرض من الاعترافات هو إقناع الكونغرس قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني بتأييد مشروع قانون (اللجان العسكرية) لمحاكمة معتقلي غوانتانامو وحتى إعدام بعضهم في حالات خاصة’’. وكان القضاء الأعلى قد اعتبر بعض أحكام مشروع القانون غير شرعية، حيث تبنى المحاكمات على معلومات سرية كشرط ضروري للحفاظ على سرية مصــادر المعلومــات والاعــتداد بالاعــترافات المنــتزعة عن طريق التعــذيب.
يعتقد كثيرون أن بوش يريد بمحاكمه السرية دفن أسرار وطلاسم أحداث 11 سبتمبر/ايلول الإرهابية، التي كانت بمثابة نقطة الانطلاق نحو عمليات عسكرية متواصلة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. وبهذا المعنى فإن الإدارة الأميركية إذا كانت تريد العثور على بن لادن، فميتا فقط.
الرئيس الأميركي الثامن والعشرون الديمقراطي توماس وودر ويسلون(1913 - 1291( قال عام 1917 انه ‘’يجب جعل العالم آمنا بالنسبة للديمقراطية’’. بعدها بعام تقدم ببرنامج ‘’النقاط الأربعة عشر للسلام’’ الذي انتهى إلى العدوان الإمبريالي المسلح ضد الاتحاد السوفياتي. ومنذ ذاك غدا ‘’نشر الديمقراطية’’ عن طريق استخدام القوة المسلحة مبدأ مركزيا في السياسة الخارجية الأميركية. بعد أول أسبوع على أحداث 11 سبتمبر/أيلول قال الفيلسوف والاقتصادي الأميركي ليندون لاروش أن المدبرين الحقيقيين هم من داخل البلاد، حتى ولو اشترك في تنفيذها أجانب. وفي الذكرى الأولى للأحداث قال الكاتب الإسرائيلي إسرائيل شامير أنه حتى ولو كان منفذو الأحداث متطرفون إسلاميون فإن اللحظة جاءت على ذلك القدر من الارتباط بانهيار الدولار، بحيث يصعب التخلص من فكرة أن هذه الأشياء تجري بتكامل يأخذ الألباب. وحذر من أن موجة عاتية ستجتاح آسيا.. بعد أفغانستان العراق، ثم إيران، وبعدها السعودية، وهكذا. وفي كتابه ‘’النفط، العلاقات العامة والحرب. التحكم في موارد الأرض’’، يكشف الصحفي الكاتب البلجيكي ميشيل كولان الآليات الحقيقية لتصاعد التوترات العسكرية - السياسية في العالم المعاصر ويورد شهادة وزير خارجية باكستان الأسبق نياز نايك بأن أميركيين طلبوا منه في نهاية يوليو/ تموز 2001 دعم باكستان ليتسنى لهم شن حرب تطيح بنظام طالبان في منتصف أكتوبر/ تشرين الاول قبل سقوط الثلج.
ويذكر كولان أن الحرب على أفغانستان ترمي إلى أهداف أوسع: التحكم في نفط وغاز آسيا الوسطى، انشاء قواعد عسكرية في وسط آسيا بين روسيا والصين، إحكام السيطرة على السعودية، عسكرة الاقتصاد كوسيلة لتخطي الأزمة المستفحلة وقمع مقاومة شعوب بلدان العالم الثالث والحركات المناهضة للعولمة. ويوضح الباحث الفرنسي الشهيـر تيري ميسان مؤلف كتاب ‘’الخدعة الرهيبة’’ أن قادة عمليات 11 سبتمبر/ايلول إرهابيون أميركيون عسكريون، ولتمرير أسطورة الإرهابيين الإسلاميين ادعوا أن الانتحاريين هم الذين قاموا بكل شيئ. الجنرال الروسي ليونيد إيفاشوف الشهير باختراقه الشجاع لسيطرة قوات الناتو وإنزاله لفريق من المظليين الروس في كوسوفو كتب في مقالته ‘’الاستفزاز العالمي’’ أن هجوم 11 سبتمبر/ايلول كان بالمعنى العام نفسيا فقط، إذ لم يستهدف القدرة المالية الأميركية بل رمزها، ولا القوات العسكرية الأميركية، بل رمزها، ولم تكن هناك محاولة لقتل الرئيس ولا شل الإدارة الأميركية، فهو لم يوجه ضد الحكومة أو مراكز الإدارة مباشرة. وأخيرا، الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف، الذي تعاون مع الأميركيين في حرب أفغانستان، صرح بأن مواصفات بن لادن لا تؤهله لأن يكون محرك ومنظم عمل إرهابي بهذه الدقة والمهنية. وبالنتيجة تكاد الطبعة الأميركية حول ‘’مكافحة الإرهاب العالمي’’ تنهار أمام الأعين.
إنه إذا لم يتم فهم رابطة ‘’السبب - النتيجة’’ لما حدث ويحدث فإن كل المعالجات ستبدو حربا على طواحين الهواء فحسب. وإذا كان ‘’من الصعب فهم الزمن المعطى عندما تكون في داخله’’ حسب المفكر الروسي يوري تريفانوف، فإن مجريات السنوات الخمس منذ سبتمبر/ايلول 2001 كفيلة بتأكيد أن ما يجري هو لمصلحة ترسيخ النظام العالمي الجديد الذي أعلنه جورج بوش الأب عام .1991 جوهر هذا النظام - تحويل عقيدة مونرو القائلة بأن ‘’نصف الكرة الأرضية الغربي تابع لأميركا’’ إلى ‘’كل العالم لأميركا’’، وبشكل أبسط - الهيمنة على العالم في ظل التجاهل التام لمعايير القانون الدولي وتاريخ وتقاليد الشعوب الأخرى. الإستراتيجية الأميركية هي التحكم في احتياطات النفط العالمية ليس لأن أميركا تستورد ما يفوق إمكانيات إنتاجها من النفط فقط، وإنما أيضا لإعاقة وصول القوى الجيوسياسية المنافسة إلى هذه الموارد، وخصوصا الصين. حرب البلقان من أجل تشكيل شبكة من الدويلات القزمية لضمان مصير الممر البلغاري - المقدوني - الألباني لخطوط أنابيب نقل النفط. حرب أفغانستان من أجل خلق ممرات آمنة لإمدادات النفط عبر آسيا الوسطى وتركيا تفاديا للأراضي الروسية. الحرب على العراق والخطط العسكرية بشان إيران والخليج بهدف وضع اليد مباشرة على مخزون النفط العالمي الأساسي والتحكم في منافذ واتجاهات تصديره، وحرب لبنان كانت المدخل.
في هذه الإستراتيجية لم تعد مصلحة النظام الرأسمالي العالمي، بل الأميركي هي الأساس. ورغم أننا هذه الأيام نشهد إحدى جولات منظمة التجارة العالمية التي أكدت فيها أميركا على مبادئ الدوحة إلا أننا بعد أحداث 11 سبتمبر/ايلول نعيش خرافة أن العلاقات التجارية بين الدول تنظم وفق قواعد منظمة التجارة العالمية. بعد هذه الأحداث شرعت الولايات المتحدة في عام 2002 قانونا يسهل إبرام المعاهدات التجارية، وأصبح الرئيس أكثر استقلالية تجاه الإجراءات البيروقراطية. لقد حل نوع جديد من الحمائية (المحرمة على الغير) حيث تحول أميركا قدراتها العسكرية والاقتصادية ونفوذها السياسي إلى مصالح مادية بإبرام اتفاقات التجارة الحرة الثنائية والطرفية الأخرى لتجاوز أطر منظمة التجارة العالمية. تلك هي الإستراتيجية العامة. وتكتيكيا على المستوى المحلي استفادت الولايات المتحدة من أحداث 11 سبتمبر/ايلول لإجراء تغييرات اقتصادية كان من الصعب فعلها قبل الأحداث، بالعودة إلى الدعم المباشر للاقتصاد وللشركات الأميركية من ميزانية الدولة (وهو أيضا ما تحرمه على الدول الأخرى). في خريف عام 2001 تم حقن الاقتصاد الأميركي بضخ أموال من الميزانية للقطاع العسكري وقطاعات تعتبر روافع اقتصادية، وخفض الضرائب وتشديد السياسة الحمائية. كما تم فرض قيود على سوق المال تشبه تلك التي فرضت في زمن الكساد الكبير (1929-1932).
لقد وصل الدعم إلى حدود 200 مليار دولار في الشهر خلال السنة الأولى بعد الأحداث. لكن مفعوله توقف منذ النصف الثاني لعام ,2002 حيث تواصل الركود. واتضح أن أزمة الاقتصاد الأميركي بنيوية، بنيته لا تتوافق وبنية الاستهلاك النهائي. لم يكن ذلك مجرد تباطؤ دوري في معدلات النمو يمكن معالجته عن طريق الضخ المالي أو خفض أسعار الفائدة. كان المطلوب هو إعادة بناء صارمة للاقتصاد.
ومما ربط الوضع الداخلي الاقتصادي عضويا بالعمليات العسكرية الخارجية هو ابتكار فكرة خفض الكلف كرافعة جديدة لتحفيز الاقتصاد الأميركي. وهي تنطلق من فكرة خفض سعر برميل النفط حتى 10 - 21 دولارا. لكن تعثر العسكرية الأميركية في حرب العراق أدى إلى نتائج عكسية تماما، وإن جاءت لصالح شركات النفط التي يمثل القابعون في البيت الأبيض مصالحها. هذا الواقع يدفع بدوره بالعسكرية الأميركية للمضي قدما في تسريع الخطة الإستراتيجية الكونية الأصلية بمواصلة احتلال منابع النفط في بلدان أخرى بدءا بإيران بهدف السيطرة التامة والنهائية. كان العلماء والمحللون العقلانيون الأميركيون يلحظون الخطر الجدي الكامن في النهج الأميركي. عالم التاريخ المرموق أرنولد توينبي كتب منذ عام 1968 ‘’أن النجاحات العسكرية الأميركية الدائمة تجعل أميركا خطرة على العالم كله وعلى ذاتها أيضا’’. وكان تحذير توينبي نبوئيا. لكن هل سيتم استيعابه بعمق بعد الذي حدث في 11 سبتمبر؟ على الأرجح، لا. مصيبتنا أن نزعة الولايات المتحدة الأميركية للهيمنة على العالم ومحاولاتها لحل أزماتها الاقتصادية الداخلية على حساب العالم استراتيجية وتكتيك تلعب تفاصيلهما على مسرح منطقتنا الغنية بالنفط، وتجعلها تدور في حلقة مفرغة من الكوارث تطال آثارها حتى مصير الدولة الوطنية ومستقبل الأجيال القادمة في بلداننا. ولن يكسر هذه الحلقة إلا إرادة سياسية كافية للتعاون الإقليمي الحقيقي وإعادة صياغة العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية بين بلدان المنطقة ودول العالم، خصوصا الكبرى المستهلكة للنفط بما يجعلها أكثر توازنا ومنفعة وحماية في الحاضر والمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة