الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ان مفهوم الترييف : مفهوماً عنصرياً / الجزء الثاني

اسماعيل شاكر الرفاعي

2022 / 6 / 13
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في ان مفهوم الترييف مفهوماً عنصرياً
الجزء الثاني
1 -
يحمل مفهوم : الترييف الكثير من الضغينة الطبقية ، وينطوي على نظرة دونية لفقراء الفلاحين الذين اضطرهم ظلم الاقطاع ، واضطرتهم التنمية المشوهة في العراق ، الى هجر الريف والذهاب الى المدن فرادى وزرافات . فحركة الهجرة في العراق نتاج ظروف عراقية خالصة ، وليست نتاج حركة تآمرية لتشويه المدينة العراقية ( التي لم تولد لحد الآن ) وإيقاف تطورها الحضاري . ولهذا لا يمكن تبرئة مفهوم الترييف من الهوى السياسي ، كما لا يمكن عده مفهوماً علمياً ومعادلاً موضوعياً لحركة تاريخية امتدت من ثلاثينيات القرن المنصرم حتى الحرب العراقية الايرانية ، وما تلاها من حروب : توقفت فيها هذه الهجرة ، وبدأت خلالها هجرة معاكسة من المدينة الى الريف ، لم تحظ بدراسات خاصة ، ولم تفز بمصطلحها الخاص .
2 -
تكوّن مفهوم : الترييف في اطار من الصراع السياسي الحاد الذي انبثق بقوة اثر إلغاء ثورة 14 تموز للنظام الملكي ، وقيامها بإصدار قانون الإصلاح الزراعي ، وقد لعب الموقف من الإصلاح الزراعي دوراً حاسماً في تأجيج هذا الصراع ، وفي انقسام احزاب الجبهة الوطنية 1956 على نفسها ( الحزب الشيوعي العراقي ، حزب البعث ، الحزب الوطني الديمقراطي و حزب الاستقلال ) التي كانت الرافعة الاجتماعية لحركة الضباط الأحرار ، وسعى البعض منها الى استغلال الدعاية الرجعية ضد الإصلاح الزراعي ، وركوبها في صراعه مع عبد الكريم قاسم . ولم يستطع فقهاء الدين الاسلامي الوقوف على الحياد : فسارع فقهاء الطائفتين الى إصدار الفتاوى التي تطعن في شرعية قرار الإصلاح الزراعي وتعده حراماً . وفي ذلك الصراع المحموم حددت جميع التيارات الفكرية والسياسية ، الدينية وغير الدينية موقفها من الكثير من المفاهيم التي راجت في خمسينيات القرن المنصرم : كالاشتراكية والرأسمالية والليبرالية والديمقراطية والشعب والأمة والدستور وتقسيم السلطات .. الخ ومن بينها مفهوم الترييف الذي دخل أُتون الصراع كسلاح طبقي موجه ضد قرار الإصلاح الزراعي ، ومناويء لفقراء الفلاحين ، ولعموم فقراء المدن ، بتوجيه التهمة الصريحة لهم بانهم وراء ايقاف التقدم الحضاري في المدن العراقية وتحويلها الى مناطق ريفية كبيرة ...
3 -
وقد فشل اليسار العراقي في ان يكوِّن موقفاً واضحاً من هذا الصراع ، اذ استخدم شعاراً غير مأمون ويفتقد للكثير من العقلانية ومن التاريخية : ( ماكو زعيم الا كريم ) في الوقت الذي كان فيه الزعيم يزج بهم في السجون . وتبلبل موقف اليسار العراقي اكثر حين طرح الاتحاد السوفياتيّ مفهوم التطور اللارأسمالي ، ليكون الاستراتيج الذي يهتدي بمنارته التنظيرية يسار العالم الثالث في موقفه من سلطات بلدانه السياسية ، فاضطر اليسار العراقي للقيام بالتحالفات حتى من طرف واحد مع سلطة " البرجوازية الصغيرة " وتعرض نتيجة تمسكه بتطبيق هذا المفهوم والسير على هداه : الى مذابح متتالية في 1963 وفي عقد السبعينيات . لقد كان مفهوم " التطور اللارأسمالي " غير متماسك نظرياً ، وهو من المفاهيم التي تمت صياغتها لا انطلاقاً من استقراء دقيق للواقع ، بل من التنظير المعزول عن الواقع والذي يريد للواقع ان بسير على هداه . وقد فشل هذا التنظير حين كشفت البرجوازية الصغيرة بشخص جمال عبد الناصر عن انيابها التي افترست بها اليسار المصري ، اضافة الى وقوفها الى جانب مذابح اليسار في مصر والشام والسودان ، وكانت آخر اوهام هذه النظرية قد تبددت بعد جبهة السبعينيات مع نظام البعث ، ولكنها ظلت تسري في الرماد وتكللت بالتحالف مع التيار الصدري في الأعوام القليلة الماضية ...
4 -
ودائماً حين يفشل اليسار في تأصيل نفسه نظرياً ويبتعد عن مقاربة الواقع مقاربة علمية صحيحة : تنفتح الابواب واسعة امام الاحزاب الاسلامية شيعية كانت ام سنيّة ، لتعرض بضاعتها النظرية في تفسير الظواهر الطبيعية كظواهر العواصف الترابية وانحباس المطر وتغير المناخ . وعلى المستوى الاجتماعي وقد نشطت هذه الاحزاب - على المستوى الاجتماعي - في بعث : أطروحة الولاء والبراء : الولاء للطائفة ولرموزها وشعائرها ، والبراءة من كل ما عليه الطوائف الاسلامية الاخرى من احكام فقهية ومن شعائر وطقوس ومناسبات . لتصبح علاقة الطوائف الاسلامية ببعضها : علاقة نبذ ونفي وإلغاء متبادل : تتحول في تفاعلات الحياة اليومية الى ثقافة ديدنها الحط من عادات وتقاليد الطائفة الاخرى ، ليصبح الغمز واللمز والاغتياب المتبادل ثقافة سائدة . وقد انعكست هذه الثقافة السائدة المتدنية على وعي بعض الكتاب الذين كتبوا عن مفهوم : الترييف ، محملين مسؤولية تخلف البلاد للشيعة " الشروگية " ومرددين ما قالته جريدة الثورة من أوصاف سلبية في سلسلة المقالات الشهيرة التي نشرتها في حزيران 1991 بعد الانتفاضة الشعبانية عن أهل الهور والجنوبيين عموماً ، وفجر الشيعة سلسلة طويلة من الأوصاف السلبية في وصف السنة بعد تفجير مرقد الإمامين في سامراء ، وبعد احتلال داعش لها عام 2014 ، وبعد مذبحة سبايكر . واذا ما أضفنا : الوصف الكاريكاتوري المتبادل بين العرب والأكراد - وهو لون من الوان الهجاء ، مارسه الكورد للسخرية من العقلية العربية ، ومارسه العرب للسخرية من العقلية الكردية : لاكتشفنا بان الكرد يُحَملون الشيعة مسؤولية ما حدث من " ترييف " داخل المدن العراقية يؤازرهم السنة في رأيهم هذا ، في الوقت الذي يتهم فيه الجنوبيين السنة والكرد بانهم وراء ترييف المدن : لتمسك السنة القوي بالتقاليد البدوية ، وتمسك الكرد بالطرق الصوفية وبالتكايا وتمردهم المستمر . الخاسر الوحيد من هذه التهم المتبادلة هو الفلاح والتنمية المستدامة : والرابح الوحيد هو ظلم الاقطاع والسراكيل المُغَيّبين عن هذا النقاش ، فيمنحهم هذا التغييب تزكية وطنية وتزكية حضارية في آن معاً ... وهكذا نكتشف بان المضمون الفعلي لمفهوم : الترييف يكاد يكون طائفياً ، وانه لم يأخذ تعريفه من دراسات أكاديمية رصينة بل لعب الوعي الطائفي دوراً لا يستهان به في صياغته ، واكتملت الصياغة بالاستناد الى الموروث الثقافي : موروث الفتنة الكبرى ( 35 هـ ) الذي يلعب فيه السيف ، لا الحوار ، الدور الحاسم في حل لصراعات ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا