الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبهات اغتيال الواحة

بكر اوي محمد

2022 / 6 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


– جبهات اغتيال الواحة -
اشتعلت غابات النخيل والزيتون والأحراش أول مرة بشكل مأسوي يوم 22/08/2021، واحترقت واحات زيز جهة درعة تافيلالت، فكان يوما أسطوريا يضاف الى سابقيه في غابر الأزمان. الواحات التي شاكست ظروف الدهر وأوصاب الطبيعة وهجمات الغدر والضغينة، وانبتت حضارة طينية ملائمة لرفاهية الانسان وجعله يحيى على الأمل والحلم في الجنان بصبر وقناعة ومكابرة. اكتسحها لهيب متغول وفي نيته الانتصار عليها بمحوها نهائيا، بعد ان عجزت الفيضانات الهوجاء وعواصف وزوابع الرمال الحمقاء عن ذلك. قد طمع في ان يأتي على الملحون والبلدي وأحيدوس، وان يحول الى رماد الزغاريد والآهات، والى فخار من حميم كل القصور العرائس بزينتها، والزرابي الشاهدة لوحدها على محكيات البطولات والمعاناة وأيام العز والرفاهية والكرم والحمية. فانفجر السؤال الوجودي، ليواجه الانسان كمواطن أو منتم لهذه البقاع المباركة المقاومة، أو من أحرار العالم، لماذا هذه الأحواض المنهوكة باستمرار رغم كرمها، والمعتبرة معدنا للأشاوس ذكورا وإناثا وللخيرات رغم شح الطبيعة، وتقشفها الذي أكسب القوم الممانعة والصلابة والتضامن، مع الاعتداد بالقناعة والأنفة وفي بعض الأحيان بالسذاجة.
كيف استغفل الدمار الأشجار المعمرة من نخيل وزيتون، والجبال والمغارات والمجاري الرقطاء من غير شيخوخة، والأبراج المنيفة والأسوار العتيقة ليحرقها على حين غرة؟ ألم يعد من المقدور عليه الاستفادة من التاريخ في حركيته بارتباط مع الإنسان؟ وكتاب التضاريس، ألم ير الانسان مؤشرات القيامة وعلامتها على محيا الواحات ومكوناتها الايكولوجية؟ وماذا يجب على الانسان محليا وكونيا فعله لإعادة دورة الحياة اليها؟
عبر تاريخ المقدس للأرض والنبوة والولاية، وقديم الحروب وحديثها، لم تستسلم اية واحة، بل خبرت الموت وذاقته بشهوانية ألوانا. والآن تنص بكل مكوناتها أن الأمر مختلف جدا. فهي حية بجبالها وشعابها وكائناتها، وتناوب بنات الدهر عليها. وتعرف كيف تحول الفقر غني، والشح كرما، وأسباب الموت الملون أواصر قوة وحياة؛ إلا ان المختلف هو تكالب الانسان عليها من منطلقات: العولمة، التسويق، الاستثمار، العصرنة، خلط اوراق الأحقية في الملكية، فصار الاختناق والتجفيف. الغول الأهوج لم ينبعث بين العرائس ويطمع في قربان من الانس والحيوان والأرض في مناوشة ليفر مكتفيا بما أثارة من رعب، بل هيمن وصار يطمع عن قصد في ان يأتي على أعلى نقطة من القمة الى آخر ذرة في الحوض؛ كما أنه لم يخرج من قمقم ضمن الكنوز المدفونة على الضفاف، وإنما زحف بعنف تكرار وشراسة الطمع. فإن كانت الساكنة صامدة، ولا ترفض عونا؛ فإن الواحة في حاجة الى تعقل المسؤولين والعامة، وعدم تجاوز ما تفرضه الحضارة الطينية على جميع المستويات، والحقوق التي هي غير قابلة للتفويت مهما كان مبرره والادعاء بقانونيته، لأنها لأجيال من نسل السكان الأصليين. نعم للتقدم ومرحى بالازدهار، ولكن من غير استنزاف للفرشة المائية، ولا اسمنت ولا تجاوز لثقافة الطهي والسقي والمعمار. فبعد عقدين لن ينفع دمع ولا عون لأن الواحة لن تحيا مع استمرار ظاهرة العبث والقصور الانتشارية، ورؤوس الأموال غير المحلية والعابرة المتاجرة بمقدرات أجيال المستقبل لكونها تروم الأرباح وتدعي توفير مناصب شغل، وتعد برفاهية وتنمية الأهالي؛ وهي في حقيقة الأمر تستولي على واحتهم وتحتفظ بهم في المحمية كيد عاملة رخيصة تعول افواها تعد مدخلا لاستنزاف جيوب سواء من ظل مقيما او من مارس الهجرة مرغما. والآن كيف يتم اغتيال واحة زيز الأوسط خاصة؟
بهدوء وتآمر بين الأطراف المتمكنة من صنع القرار يتم ذبح الواحة وأهلها بما تملكه من تاريخ وجمال وتراث انساني بنوع من التكامل عبر جبهات كالاتي:
1. السياسة العمرانية: السياسة المتبعة لفرض امر واقع يتكرس باستمرار ويأخذ بخوانق الواحة ليجعل منها أسطورة مبعثرة المكونات بدون قوة ولا تاريخ ولا هوية؛ وذلك بالاستلاء على ممتلكات الغير-أراضي الجموع- بدون مقابل، وبيعها بثمن باهض بدعوى التمدين الهجين. أمر أدى الى تحويل مياه ابار الواحة الى الأحياء السكنية المحدثة بدعوى كراء الاستغلال، والسكان المدنيون قبل النبات والأشجار والانسان الواحي، والمثال الحي ما حدث لمزارع اولاد الحاج أخيرا.
2. عدم احترام المتطلبات الايكولوجية الخاصة بالواحة حيث أصبحت التجمعات السكنية انتشارية تلتهم المزارع بالبناء العشوائي بمواد عصرية لا تتوافق وواقع الواحة الطبيعي، فكل سكن يؤثر سلبا على الحقول المجاورة ويدمرها بإفساد السواقي ونشر مخلفات البناء. والإسمنت جعلت المساكن افرانا فارتفعت الحرارة وأصبحت مواد البناء من أهم عوامل التصحر.
3. توزيع أراضي الجموع على أصحاب رؤوس الأموال الأجانب وبعض الواحيين بطرق أغلبها تلاصقه شبهة- بسومة كرائية رمزية- بدعوى الاستثمار، فنشأت مزارع كبرى عصرية استنزفت الفرشات المائية الجوفية وهي غير قابلة للتجديد وبذلك جفت الآبار و العيون – حالة العين الزرقاء بمسكي نموذجا – .
4. الحرائق المتكررة للنخيل والأشجار، والشائع انها متعمدة رغم احتمال حدوثها كأثر حتمي لتغير المناخ على مستو ى الكوكب وارتفاع حرارة الأرض بشره الدول الصناعية الكبرى؛ولاستعمال الغاز في الطبخ عوض الحطب، والقضاء على حرف الخزف وصناعة أدوات انجاز اليومي موادها الأولية محلية كالمنتوجات من السعف وجدوع أشجار المشمش والغضى والنخيل مما جعلها اكواما.
5. تجاوز الأعراف التي كانت تنظم الري والاستفادة من المحاصيل بأمور وضعية أغلبها مؤقت مزاجي. وضع جعل القروي يؤدي مستلزمات الإنتاج، ولا يستفيد من محصول عرق جبينه وقوت اسرته بفعل السرقة بالقوة وعدم القدرة على التصدي لها لتعدد الإجراءات وطول، بل تعقد المساطر؛ ولذلك نجد ممتلكات مهملة من لذن الورثة قبل غيرهم وقد فظلوا العمل المياوم عوض بذل الجهد في الأرض مما قد يتطلب الأموال والأرواح؛ فمن هب وذب يفعل وينهب ما يشاء بقصد الاستهلاك أو التسويق وكأن المنتوج هبة متاحة للجميع.
6. إغراق سكان الواحة بأقوام حلوا بالمراكز الحضارية كالجند والباعة والملفوظين من المدن والجبال والمناطق المجاورة، مما صنع من هذه الأخيرة براميل موقوتة لكثرة الساكنة وانعدام فرص الشغل: فلا فلاحة واعدة بالاستمرارية بفعل قسوة المناخ، ولا معامل ومصانع، ولا مناجم نشطة.
الخلاصات :
• القضاء على الواحة التاريخية، بتوفير الشروط الملائمة لذلك على مستوي: البشر والاستثمار، والتدخل الرأسمالي البشع والمتجبر المستثمر للظرف والوضع بتقنين مفروض قهرا لإحداث تحولات اجتماعية في حياة القروي المغتصبة حقوقه؛ ومن النتائج الملاحظة بعنف:
أولا: الهجرة الداخلية من الواحة واليها، تزداد حدة وقسوة ونشاطا، مما سيفقد الساكنة طابعها وفطرتها وقيمها المتجذرة، المفعمة بالحب والود والاخاء فوق العصبية والعنصرية الدينية واللغوية والعرقية، الأدوات الجهنمية الموظفة لتحقيق الثراء وإلغاء خصوصية المنطقة.
ثانيا: استمرار نشر الفساد يفرض ارتفاع العجز بين الأهالي خاصة وفقراء الوافدين عن أداء الواجب الأسري لخوصصة التعليم والصحة وسوء التغذية.
ثالثا: الفقر، والتهجير القصري المتزامن مع اغتيال الواحة،بقطع الأرزاق وتحويل المياه الى منتوجات تؤدي إلى تصدير الماء كطماطم وبطيخ أحمر خاصة.
رابعا: تزايد حدة ارتفاع أنواع وكم الجريمة: فبعد ارتفاع العنوسة والبطالة، وضرب القيم مع تدمير دور وقدسية المدرسة، وانعدام مصادر الدخل، بحيث ذكور وإناث المنطقة اصحاب السواعد العضلية والفكرية العاملة بالخارج لم تعد توفر الصبيب المالي المحقق للكفاف للجميع سواء من باب التكافل مع الأهل او التفاخر مع الجيران والأقران والأسر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024