الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العلم العراقي وبعض الخبرة من التجربة النازية

خالد سليمان

2006 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


عندما اختار النازيون عام 1935صليباً معقوفاً كعلم لألمانيا، كان قد مر على وصولهم إلى السلطة عامان. أما قبل التاريخ ذاك، وفي عام 1933 تحديداً، فكانوا قد شاطروا الملكيين في إعادة ألوان علم الألمان الإمبريالي وهي (الأسود والأبيض والأحمر) إلى علم الرايخ الثالث، وألغوا بالتالي اللون الذهبي الذي وضع في أسفل العلم عام 1848 إذ صادق عليه برلمان فرانكفورت حينها. وحذف هذا اللون في العلم ذاته أثناء حكم الإمبراطورية الألمانية (1871 ـ 1918) وأصبح الأبيض بدل الذهبي لوناً قومياً، ولا ننسى الأسود والأحمر بالطبع . لقد أعاد النازيون الألوان الإمبريالية أثناء الفترة الأولى من حكمهم في سياق تاريخ العلم والتغيرات التي طرأت عليه منذ إعتماده في تاريخ ألمانيا، أما في 15 أيلول 1935، أي الفترة الثانية من الرايخ الثالث فقد وضعوا علم الحزب المتمثل بصليب معقوف محل العلم الألماني وأغلقوا الباب أمام جميع تلك النقاشات التي كانت تتعلق بعلم البلاد.
كانت البداية النازية تلك، نهاية الحياة الدستورية والبرلمانية في ألمانيا إذ أصبحت للهتلريين فيها أدوار شمولية في جميع الميادين السياسية والإقتصادية والتشريعية والإجتماعية والثقافية. وما ان اصبحت الألوان ذاتها فضاءاً ليٌناً لـ"عقفة" الصليب والسياسة معاً، وتلويحة لمشروع التجريد من الحقوق دون أية فكرة أُخرى، اعتمدت أيادي "الشرّ المبتذل" ليس القتل المجاني فحسب، بل القتل التوظيفي "الروتيني"، وصار الإفناء مُسكّناً لأية ظاهرة إجتماعية خارج أغصان "المجتمع المُراد" نازياً. لكن مع نهاية الحرب الكونية الثانية وسقوط النازية عاد السجال حول العلم الألماني إلى المشهد السياسي، ولكن ليس إلى الأوساط الألمانية الغارقة في آثار سياسة هتلر والحرب، بل إلى أوساط التحالف الدولي أو "قوات الإحتلال" التي اخذت المسؤولية القانونية والإدارية للبلاد على عاتقها.
لم تكن أمام قوات الإحتلال خيارات كثيرة لإيجاد الحلول، بل اقتصرت الخيارات على وضع "ملوّحة" مكونة من الأزرق والأبيض والأحمر، وهي في كل الأحوال لم تكن إلاّ علامة مرور كانت ترمز إلى الحالة الإستثنائية التي مرّت فيها ألمانيا بعد النازية.
لا يحمل العلم العراقي منذ إعتماده عام 1921 هذا القدر الكبير من التحولات والسجالات حول طبيعته وألوانه وتراكيبه المغايرة والمتنوعة قليلاً . ذلك ان عَلَمَيْ العراق الأول والثاني، لم يرمزا سوى إلى معان بسيطة وواضحة في ذات الوقت . فالأول الذي أُعلن عنه عام 1921 مع تشكيل الدولة العراقية كان يتكون من ثلاثة ألوان: الاسود والاحمر والابيض مع نجمتين سباعيتين ترمزان إلى عدد المحافظات الاربع عشرة التي تكونت منها الدولة. اما العلم الثاني الذي صممه النحات العراقي البارز "جواد سليم" فأُعلن عنه بعد الإطاحة بالنظام الملكي واعلان الجمهورية العراقية في 14 تموز (يوليو) عام 1958 وكان يتألف من ثلاثة الوان هي: الابيض والاسود والاحمر تتوسطه النجمة الثمانية الاسلامية، وهناك في وسطها لون يرمز إلى الحقول الزراعية. وكان هذا العلم الثاني نتيجة توافق سياسي بين الأحزاب العراقية التي كانت تشكل جبهة الاتحاد الوطني وقتئذ وهي: الحزب الوطني الديموقراطي، وحزب الاستقلال، والحزب الشيوعي العراقي، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الديموقراطي الكردستاني.
ولكن، وبعد وصول البعثيين إلى السلطة من خلال نظريتهم الإنقلابية عام 1963، أُفقد العلم ذاته معانيه واصبح بالتالي لوحة لترميز العنف والسياسة القومية. ذلك انهم، أي البعثيين، اختاروا علماً ثالثاً يتألف من الالوان الابيض والاسود والاحمر تتوسطه ثلاث نجمات ترمز إلى دول العراق ومصر وسورية التي اعلنت الوحدة فيما بينها في 17 نيسان في ذات العام . وفي عام 1991 اضاف صدام حسين لهذا العلم عبارة (الله اكبر)، بخط يده مرة، وبخط الكوفة مرة أُخرى، ليصبح العلم الرابع للدولة العراقية الحديثة.
ما يفيد هنا هو التشابه العنفي بين النازيين والبعثيين في إحتكار جميع الآليات الدستورية والقانونية ووضع رموزهم على العلم وغيره من المعالم الوطنية دون العودة إلى الهيئات التشريعية.
لقد غدت السيادة الألمانية على علم "ملوَّح" إستخلاصاً لنهاية السجال على يد هتلر، أما السيادة العراقية على علمها المستخلص من آيديولوجيا البعث، فلم تغد بعد واضحة المعالم . والإستنتاج الأوضح في هذه الإشكالية التي هي جزء من التخبط العراقي ـ العراقي، سياسيٌ بالدرجة الأُولى وزمنيٌ بالدرجة الثانية ودوليٌ بالدرجة الثالثة والرابعة. فالهيجان الوطني على الرمز وإن كان بعثياً، والذي طالما بقي مُحرضاً للطاقة العنفية، لم يستمر في حياة العراقيين فحسب بل أصبح واجهة مُحَمَّلة بالوطنية المتضخمة وبالأصالة العرقية واللغوية والثقافية. اما البعد الزمني في الإشكالية ذاتها فيتمثل في طول الفترة التي حكم فيها البعث وإستحالة محو آثاره في فترة قياسية، أما آثار النازية المرّة، فتم تخطيها من خلال معالجات "تقنية" أحياناً، كما بدا في وضع علم "مُلَوَّح" رمزاً للبلاد بعد سقوط "الهتلرية". ويرجع السبب في الأمر ذاك، كما أرى، إلى قصر فترة حكم هتلر إذ إقتصر على عقد واحد عملياً ولم تنشأ بالتالي أجيال نازية في تلك الفترة، ولا ننسى هنا الدور الذي أداه المجتمع الدولي في إيجاد الحلول لألمانيا ما بعد النازية، حيث سارعت الدول المنتصرة في الحرب إلى إخراج ألمانيا من حُفر هتلر إقتصادياً وسياسياً. أما في العراق فنشأت أجيال بعثية وآثار وأعلام (نسبة إلى العلم العراقي الوحيد) وثقافة نحتاج دهراً لإصلاحها، وكما يقول المفكر الإيطالي الراحل غرامشي: القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد، وبينهما إشكاليات غاية في التعقيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل