الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثالثة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 6 / 15
الادب والفن


٣
بطبيعة الحال لم أربي لحيتي ولم ألبس جلبابا، فلا أعتقد أن إلها بهذه القوة والمهابة يهتم بهذه التفاصيل المزرية، ولكنني اشتريت قرآنا وإنجيلا ونسخة من التوراة وبدأت محاولات التقرب. بدأت أول ما بدأت بما يسمى ببيوت الله. لأسابيع طويلة كنت أرتاد الجامع يوم الجمعة والكنيس أو معبد اليهود يوم السبت والكنيسة يوم الأحد، وأقرأ التعاويذ والصلوات والأوراد والتسابيح بطريقة منتظمة محاولا قدر الإمكان إيصال الطلب ومحاولة الحصول على رد بالإيجاب لتحديد موعد المقابلة الصحفية التي يعتمد عليها مستقبلي ومستقبل الجريدة والعاملين بها. لم أترك شيئا للمصادفة إذا، وحاولت أن أطرق على كل الأبواب وكل الوسائل التي لها علاقة من قريب أو من بعيد بالمهمة والتي لها ولو جزء يسير لفرصة النجاح. فكتبت بخط يدي ورقة موجهة إلى "الله" وأرسلتها إلى صديق لي في مدينة القدس ليضعها في أحد شقوق حائط المبكى، ولكونه ملحدا ولا يؤمن بهذه الخرافات على حد قوله فقد كلف أحد الحاخامات الذي يعرفه بوضع الرسالة في صندوق البريد. واستمر الإنتظار زمنا طويلا دون نتيجة تذكر، مع مواصلتي للكتابة في صفحتي الأسبوعية "شبردق". غير أنه بدل الكتابة عن البطالة أو المشاكل العديدة التي يعانيها العمال عموما والمهاجرون بالذات من الإستغلاال والعنصرية والفقر وسوء السكن والعلاج إلخ، بدأت سلسلة مقالات عن البيئة، كيفية الحفاظ على نظافة مدننا الجميلة وشواطئنا الرائعة، كيفية تشجيع زراعة الأشجار وأهمية النخلة ودورها في تكوين شخصيتنا، وكذلك موضوعا عن التين الشوكي وأهميته الإقتصادية وكيفية الحفاظ على هذه الثروة وتطويرها، وكتبت أيضا عن الحلفاء وعن العديد من النباتات البرية التي في طريقها للإنقراض، وكذلك عن الجراد والجرابيع ونبات الحنضل .. إلخ.
أستمر الوضع هكذا عدة شهور، فكرة محاورة الله كانت في البداية مجرد لعبة فكرية لغرض صحفي، ولكن مع الوقت أنتابني نوع من القلق الوجودي شبيه بقلق كييركجارد، والذي تحول تدريجيا إلى نوع من الشك، ليس شكا ديكارتيا منظما من أجل المعرفة، ولكن نوع من الشك القلق كشك القديس أوغسطين أثناء محنته الروحية التي قادته في النهاية إلى الإيمان. واستنتج أن الإيمان ضروري لتعقل العالم "أؤمن وستفهم، الإيمان يسبق، والذكاء يتبع". ربما فقط في المجال الديني يوجد هذا الحل النهائي الذي تبحث عنه البشرية، حيث يمكن للإنسان عن طريق الإيمان اللاعقلي، الإيمان بدون أي ضمان، بدون أي أمان فكري أو روحي، يمكن بواسطة حركة الإيمان العبثي أن يوجد أمل ضد كل أمل أو رجاء، هذا فقط يمكن أن ينقذ الإنسان من العبث وأن يتمكن من الوصول إلى شاطئ الأمان. وتذكرت مقولات القديس أوغسطين "لا تنظر للخارج، انظر إلى داخل نفسك؛ ففي قلب الإنسان يسكن الحق". وأدركت أنه لو كان الإنسان ملاكًا أو وحشًا او حيوانا، فإته لن يعرف القلق أبدا. لكن كونه توليفة مركبة من الإثنين، فهو قادر على معاناة القلق، وكلما كان قلقه أعمق كلما أزدادت إنسانيته. فماذا لو كان الله يوجد حقا، وأنني عشت طوال حياتي جاهلا لهذه الحقيقة، ماذا لو أن العقل والعلم والمنطق ماهي إلا أوهام وأحلام نسجها الإنسان من قلقه وعذابه، وأنه لا بد لنا من زلزال فكري ليوقظنا من غفوتنا الطويلة ؟ ورغم هذه التساؤلات وهذا الشك فإنني لم أستطع أن أتخذ قرارا بالتوقف عن محاولة التواصل مع الله. وفي جميع الأحوال يجب مواصلة المشروع العبثي، ذلك أن وجود الله أو عدم وجوده لن يغير شيئا من عبثية المهمة.
وفي نهاية الأمر أدركت فشل محاولاتي البائسة وكدت أفقد الأمل وأنتابني نوع من الإحباط الفكري وأدركت أنه يجب أخذ الأمور من زاوية مغايرة وجديدة. ضروروة إيجاد شخصية ذات يد طويلة كما يقولون، شخص "واصل"، باختصار لن أصل بمفردي وبإمكانياتي الذاتية والمحدودة، ولا بد من استعمال "الواسطة" كما هو متعارف عليه في كل المعاملات للحصول على الموعد المطلوب. وبدأت سلسلة طويلة من الإتصالات ببعض "المقربين" أو الذين يدعون هذا المقام، من شيوخ وفقهاء وأإمة وقضاة وكذلك ببعض رجال الكنيسة والحاخامات، ولم استثني بطبيعة الحال المثقفين والفلاسفة ورجال ونساء الفكر من مختلف الإتجاهات والإيديولوجيات، وذلك بواسطة المراسلات البريدية والإلكترونية وبواسطة الهاتف والمقابلات الشخصية المباشرة أو بواسطة السكايب والواتساب، لم أترك وسيلة في متناول إمكانياتي لم أستعملها. وللحقيقة، وجدت تعاونا وتفهما عميقا مثير للدهشة ولم أكن أتوقعة من أغلب الذين تمكنت من التواصل معهم، وشجعني الكثير منهم على مواصلة المجهود وعدم السقوط في دوامة الإحباط واليأس، وأكد غالبيتهم على أهمية المشروع وإمكانية نجاحه وأن "الله" مجيب لعباده وعادة ما يحقق طلباتهم مهما كانت عجيبة. وكنت في مكتبي بالجريدة أراجع مسودة محاضرة أزمع تقديمها مساء اليوم التالي في مقر اليونيسكو بخصوص تطور "برّاد الشاهي الليبي" وإنعكاسات هذا التطور على المجتمع فيما يتعلق بنظرته للمكان والزمان، وذلك في إطار سلسلة من البحوث والمحاضرات وورشات العمل المتعلقة ببعض الأدوات والأوعية والأواني التي صاحبت بعض الشعوب لفترات معينة من تاريخها والمهددة بالإنقراض، عندما وصلتني أخيرا رسالة مسجلة تتعلق بالمقابلة. وصلتني هذه الرسالة في لحظة كدت أفقد فيها الأمل نهائيا، من رجل عجوز وباحث مغمور متقاعد متخصص في اللغات القديمة ويبدو أنه سمع عن المشروع بواسطة أحد المعارف المشتركة. الرسالة قصيرة ومقتضبة وبدون تفاصيل ما عدا تاريخ اليوم والساعة ومكان الموعد. بقيت مصعوقا لعدة دقائق وقلبت الرسالة وقرأتها عدة مرات ، ولم أعرف في نهاية الأمر أن أقرر بجدية الرسالة من عدم جديتها. غير أن الموعد المحدد هو خلال عدة أيام وليس لدي الوقت الكافي للتردد أو دراسة الإحتمالات، علي التوجه فورا إلى هذه المدينة أو القرية والتي لم أسمع بها من قبل ولا أعرف أين توجد على الخارطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نظرة الغرب للثقافة السعودية تغيرت في السنوات الأخيرة


.. بدء امتحان اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة..التعليم: و




.. عمرو الفقي: التعاون مع مهرجان الرياض لرعاية بعض المسرحيات وا


.. ثقافة البرلمان تشيد بتفاصيل الموسم الثاني لمهرجان العلمين وت




.. اللهم كما علمت آدم الأسماء كلها علم طلاب الثانوية من فضلك