الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ان مفهوم : الترييف مفهوماً عنصرياً/ الجزء الثالث

اسماعيل شاكر الرفاعي

2022 / 6 / 16
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في ان مفهوم : الترييف مفهوماً عنصرياً
الجزء الثالث
1 -
اساس الركود الاقتصادي والفكري الشامل في العراق ، كامن في عدم شعور المسؤولين بالحاجة الى حل تحديات التخلف الكثيرة المتربصة بالمجتمع والدولة ، والاعتماد كلياً على الاستيراد : لما يوفره من فرص كثيرة للفساد . ومع ان مجلس الإعمار الذي تأسس في الخمسينيات : خطط وانجز الكثير من مشاريع البنية التحتية ، الا انها ظلت مشروعات دولة قادرة على ان تدفع الرواتب للموظفين الذين يديرونها ، ولكنها لم تتحول الى قاعدة لنهضة اقتصادية وصناعية شاملة ، يستطيع من خلالها مهاجرو الريف ان يجدوا لهم عملاً . وأعظم مثال على هذا الركود الاقتصادي والثقافي الشامل يتمثل في الأحجام عن ايجاد شبكة من المواصلات الحديثة التي انتشرت في مدن العالم الكبيرة كالتروماي ( وجد في المغرب منذ عام 1912 ) والقطارات فوق الارض ( مترو مصر 1896) او تحتها ( مترو القاهرة ) ، وظل معظم الاهالي يقطعون المسافات الطويلة في مدن العراق الكبيرة ، مشياً على الأقدام ، مما يشير الى ان المدينة العراقية كانت ريفية الملامح قبل ان تبدأ هجرة فقراء الفلاحين اليها . اذ لا يمكن الحديث عن مدينة حديثة : من غير انسيابية عالية للبشر والبضائع لا تتم من غير استخدام وسائل النقل الحديثة . غياب وسائط النقل الحديثة وعدم تطبيق قانون المرور : يجعل المدينة العراقية غير مشمولة بتعريف المدينة الحديثة سواء هاجر اليها فقراء الريف ام لم يهاجروا ، والحنين الى الماضي الواقع تحت تأثيره الكثير من الكتاب هو حنين أرستقراطي الى بعض معالم المكان ( الساحرة ) التي لوّث منظرها فقراء الريف بهجرتهم اليها . كشارع الرشيد ، وبعض مقاهي ودور عليّة القوم ، والقشلات ، والأسواق المسقفة وغيرها ...
2 -
كنت اقطع المدينة التي ولدتُ فيها ( وهي قضاء وفقاً للتقسيم الإداري العراقي ) من جنوبها حيث بيتنا ، الى شمالها حيث اعدادية المدينة الوحيدة ، في دقائق معدودة ، وكان باقي الطلاب مثلي لا يحتاجون الى سيارات لنقلهم . ولم يكن الناس يستخدمون اي وسيلة من وسائل النقل الحديثة كالقطارات والسيارات للتنقل من بيوتهم الى اماكن عملهم . دقائق معدودة هو الزمن الذي يستغرقه قطع اطول المسافات مشياً على الاقدام داخل القصبات التي اطلقوا عليها : أقضية ونواحي . ولم تزد مراكز المحافظات في مساحاتها الّا قليلاً عن مساحة هذه البلدات ، مع ان لها خرائط طويلة عريضة مدفونة في ملفات البلديات .
ولم تكن ثمة معالم واضحة تفصل المدن عن الريف : كانت شوارع المدينة غير المعبدة تغرق وتتحول الى مستنقعات بالقليل من زخات المطر ، وكان معظم الناس فيها يضطرون الى حمل أحذيتهم وهم يشقون طريقهم من مكان الى آخر ، وهو ما يفعله الريفيون حين كانوا يقطعون المسافة من أكواخهم الى مزارعهم او من أكواخهم الى مراعي حيواناتهم ...
3 -
وكانت القصبات العراقية التي سموها مدناً ، لا تشبه في شيء المدن الصناعية التي بدأت تستقبل المهاجرين من الريف أو قل تجذب الريفيين اليها : وتمنحتهم عملاً في المانيفكتورات التي بدأت تتأسس ، وتمتص الأيادي العاملة المهاجرة ، وسهلت القطارات انتقال اعداد النازحين من مساكنهم البائسة الى حيث يعملون ( للروائي الانگليزي تشارلز دكنز : باع طويل في وصف هذه المرحلة ) لقد صنعت المدينة التي تكوّنت في العصر الصناعي مسافات طويلة داخلها ، وصنعت في الوقت ذاته وسائل نقل مناسبة لقطعها . وصنعت المدينة العراقية المسافات الطويلة داخلها ايضاً ، ولكنها لم تصنع لفقرائها وسائط نقل رخيصة لقطعها ، وما كان بإمكان هؤلاء الفقراء منع المدن من تأسيس المصانع ، وصناعة القطارات رخيصة الثمن لنقل عمالها ، لو ارادت سلطاتها ذلك . وحين توسعت المدينة العراقية لم يحدث ذلك نتيجة ازدهار نشاط تجاري قام على اساس حركة تحويل وتصنيع وإنتاجية عالية لتكنولوجيا متنوعة . كانت الدولة - وليس طبقة برجوازية متنورة - هي البرجوازي الذي يقوم بالتحديث ، وكانت الدولة - وليس مجموعة رأسماليين - هي الرأسمالي الوحيد الذي يقوم بالتوظيف . اما الأموال التي تغدقها الدولة على مشاريعها الاجتماعية والأمنية ، فلم تحصل عليها كثمن للعمل المبذول في صناعة بضائع متنوعة وتصديرها الى الخارج : كما هو الحال في المدن الاوربية ، بل تحصل على هذه الأموال من بيعها لما تحت الارض من ثروات : وهذا هو الفارق الثاني بين المدينة الحديثة وبين شبيهاتها من المدن التقليدية في العراق وفي مدن العالم الثالث : اموال المدينة الحديثة ينتجها العمل الكثيف الذي يقوم به المواطنون في تصنيع البضائع وبعض السلع ، وفي الاستثمار في المعرفة وابداع تكنولوجيات غير مسبوقة ، فيما تعيش المدينة العراقية ومدن العالم الثالث التقليدية على بيع مصادرها الطبيعية ، ( وما يتبعه من بيع القرار والارادة السياسية لمن يدفع اكثر ) . ولم يكتشف العراقيون وجود النفط ، بل اكتشفه الأوربيون إبّان تفكير ساستها وخبرائها بضرورة ايجاد البديل للفحم الحجري قبل قرن من الزمان . وهم يفكرون الآن بالتحرر من هذه الطاقة الاحفورية التي كانت احد اسباب التغير في المناخ ، وايجاد طاقة نظيفة . وبالإضافة الى استمرار الدولة في اختراع المزيد من الدوائر وتوظيف اعداد متزايدة من السكان فيها ، ومنحهم التقاعد في عمر محدد ، وتمكينهم من الاقتراض من بنك الإسكان ، وبناء الدور والأحياء السكنية التي كانت وراء توسع المدن العراقية : بالإضافة الى ذلك ، لعب تكثير النسل اللامُقيد في العراق : دوراً في توسع المدينة العراقية ، وفي زيادة عدد سكان العراق ، خلال اقل من نصف قرن ، من 12 مليون نسمة في احصاء عام 1977 الى اكثر من 45 مليون نسمة في أيامنا...
4 -
ترافقت ولادة الجيل الاول والثاني من ابناء المهاجرين الى المدن مع تبلور ملامح الاقتصاد الريعي ، وسعي السلطات الملكية والجمهورية معاً الى بناء مؤسسات ثابتة : كالصحة والتعليم والتقاعد والشركات التابعة لوزارة النفط بعد القرار 80 ، ولكن الفشل كان حليف السعي لبناء مؤسسة للجيش والأمن ذات ولاء ثابت للدولة : نتيجة لاغتصاب الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية قبل 2003 ، ونتيجة لبروز مقولة الطائفية وتزوير الانتخابات بعد 2003 . وقد تطلب الطموح السياسي في بناء مؤسسات للدولة : توظيف اعداد كبيرة من العراقيين الحاصلين على شهادات التخرج الابتدائية والإعدادية والجامعية ، وكان العدد جاهزاً : اذ شكلت مجانية التعليم الدور الحاسم في حث المهاجرين الريفيين على ارسال اولادهم الى المدارس . فشكل الاولاد منذ أواسط خمسينيات القرن المنصرم ، عمود الطبقة الوسطى العراقية : فأغلبية الأطباء والمهندسين والضباط والمحامين وأصحاب الحرف والسياسيين والأدباء والفنانين هم من ابناء المهاجرين : الذين شكلوا ظاهرة ثقافية عراقية ، قادت وما زالت تقود دوائر الدولة والاحزاب والمنظمات والاتحادات والنقابات . ومنذ ذلك الوقت لم يعودوا ابناء ريف كآبائهم وأجدادهم : اذ ولدوا داخل المدن ودرسوا في اعدادياتها وجامعاتها ، وكان للمسرح والسينما والصحف والدعاية الحزبية التأثير الواضح عليهم ، وبرز منهم الشعراء والفنانون من الممثلين والمخرجين والرسامين ، بحيث لم يعد مفهوم الترييف يعبر عن حقيقة ما بجري على الارض ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ