الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
النظرة الأممية الإنسانية كفيلة ببناء مجتمع علماني دمقراطي حضاري
خليل اندراوس
2022 / 6 / 17مواضيع وابحاث سياسية
حيوية كل أمة، ودورها التاريخي، وفعاليتها الايجابية في بناء حضارة إنسانية متقدمة ومنفتحة على حضارات الشعوب الأخرى، تتناسب طرديًا إيجابيا مع طابع ومستوى وعي الذات القومي بالمعنى الواسع للكلمة.
ولكن في المجتمع الطبقي، كل طبقة ترسم مناهج ومفاهيم وأساليب سياسية متغايرة في تربية وعي الذات القومي. الطبقة الرأسمالية الاستغلالية، تعمل دائما على تشويه وعي الذات القومي، بحيث يسهل عليها تقديم مصالح الطبقات الاستغلالية الأنانية، وغير الإنسانية، والمتوحشة، على أنها مصالح قومية، تعني الأمة بأسرها، ولكن هذا التشويه لا ينسجم مع المصالح القومية الحقيقية، بل يخونها ويهمشها وحتى ينفيها أمام المصالح الطبقية لرأس المال.
فالطبقة الاستغلالية من خلال وسائل الإعلام، والأطر السياسية التي تحتلها، وفلاسفتها، ومنظريها تخلق الأجواء الشوفينية، العدوانية عند هذه الأمة او تلك بهدف التحكم بعمليات إدراك الأمم، وفي رسم سياستها استنادا الى مشاعر العصبية القومية العنصرية وهذا ما يحدث في أمريكا، وخاصة إسرائيل ربيبتها.
فكما كتب إنجلز: "البرجوازي الذي غطس حتى أذنيه في مستنقع اوهامه الطبقية، يبذل كل ما في وسعه، لكي يُفَصّل المجتمع كله على مقاسه، لكي يُخضِع كافة أفراد المجتمع لمعاييره".
وما قاله إنجلز قبل أكثر من 150 عاما يتطابق مع ما تفعله الطغمة الرأسمالية العدوانية في أمريكا وما يفعله حكام إسرائيل تجاه شعوب المنطقة.
وتمثل العصبية القومية، أي استبدال وعي الذات القومي بالوعي الشوفيني، أداة لا بديل لها في تشكيل النزعة الكونفورمية البرجوازية. وهذا ما يحدث الآن داخل المجتمع الامريكي والإسرائيلي، من حيث تعميق المفاهيم العنصرية والشوفينية والعدوانية، وتحولها الى مفاهيم وأنماط حياتية تعكس نمو وانتشار، وعمق، الوعي الشوفيني الجماعي لكل من المجتمع الأمريكي والإسرائيلي.
وينبغي التأكيد على أن أيديولوجي البرجوازية يستغلون النقص في معالجة المشكلة النظرية الخاصة بالعلاقة بين وعي الذات القومي وبين النزعة القومية، أفضل استغلال.
فالتغييرات الكبيرة التي حصلت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، لصالح نمط الإنتاج الرأسمالي، أفرزت تغييرات عميقة ومتناقضة على المستويات الوطنية والاقليمية والعالمية، تغييرات اتخذت صبغة الارهاب السري في البداية، في شكل الدعوة الديماغوغية للدمقراطية وحقوق الانسان، والحريات العامة، ليتحول بعد ذلك إلى إرهاب بأشكال مختلفة دبلوماسية وسياسية وعسكرية ومخابراتية تهدف الى فرض قانون البقاء للأقوى، وخدمة رأس المال المتوحش، والتراجع حتى عن المستوى "المتنور" للدمقراطية الرأسمالية ودولة الرفاه الاجتماعي وما يجري الآن في سيطرة الطغمة الامبريالية الرأسمالية لخير دليل على ذلك.
فهذه الافرازات هي إفرازات المنطق الداخلي لنمط الانتاج الرأسمالي في شكله المتمثل بكونه متوحشا وإرهابيا. وهذا السلوك مفهوم ما دام جوهر نمط الانتاج الرأسمالي ثابتا وهو الملكية الخاصة وسرقة الفائض، ولذلك لا تستغرب أشكال ممارساته الوحشية والاستبدادية والعنصرية والارهابية.
لذلك فالتغيير الذي تنادي به دول رأس المال وخاصة أمريكا، هو تغيير في الأشكال وليس في الجوهر أو المضمون أو في علاقات الإنتاج الاجتماعي.
لذلك فالفهم العلمي للنظام الرأسمالي المتوحش، والذي يقود عولمة استبدادية متوحشة، باسم السوق الحرة، يتعذّر دون فهم القانون الجدلي العلمي المتحكم في العلاقات داخل كل دولة وبين الدول من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية والاجتماعية، وفقط من خلال الفهم الجدلي التناقضي لمجتمع رأس المال.
أقول هذا لأن التغييرات الكبيرة التي حصلت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين جعلت الكثيرين من شخصيات السياسة والفكر عالميا وعربيًا، وحتى بعض "المفكرين المحليين" يصابون بالحَيرة والاحباط والتردّد والتسرّع في إصدار الأحكام والدعوة العلنية لفكرة عدم جدوى التحليل الطبقي لتناقضات المجتمع الرأسمالي، وهناك من يعتقد وكأن النظام الدمقراطي المسّمى زورًا الليبرالي هو آخر محطات التطوّر الاجتماعي السياسي الانساني. وجعلت بعض من يدعي القومية يوصف الفكر الماركسي بالفكر الشمولي ومقارنته باليمين الشمولي واعتباره راديكاليا.
رأس المال العالمي وخاصة الأمريكي يمارس سياسة الاستبداد، والارهاب من أجل السوق الحرة، من أجل "الأصولية الليبرالية" وهذا النهج لا يمكن ألاّ يكون معاديا لأي شكل من الأشكال الدمقراطية المتنورة ولأي شكل من أشكال دولة الرفاه الاجتماعي. فالسيطرة الأحادية على العالم بفعل الدبلوماسية والقوة العسكرية، باسم مكافحة الارهاب، والعمل على إعادة هيكلة العالم العربي، كل هذا من أجل خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة وليس من أجل بناء مجتمع علماني دمقراطي حضاري في العالم العربي.
لقد كتب انجلز في رسالته على بورغيوس عام 1894 يقول "إن التطور السياسي والحقوقي والفلسفي، والديني والأدبي والفني إلخ... يرتكز على التطور الاقتصادي، ولكنها جميعها تؤثر كذلك بعضها في بعض وفي البناء التحتي الاقتصادي، ولكن ليس من الصحيح إطلاقا أن الوضع الاقتصادي وحده دون غيره هو السبب، وأنه هو وحده دون غيره الفعّال، بينما الباقي كله لا يعدو أن يكون نتيجة منفعلة. كلا. فهنا يوجد تفاعل على أساس الضرورة الاقتصادية التي تشق لنفسها دائما طريقا في آخر المطاف".
وكتب يقول "إن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم".
من هذا المنطلق أي تغيير ثوري دمقراطي في العالم العربي، أو في أي مكان آخر في العالم، سيشق طريقه في النهاية على أساس الضرورة الاقتصادية، والشعوب، الناس، هم الذين سيصنعون ذلك، وليس التدخّل العسكري المباشر ومجنزرات الاحتلال والصواريخ العابرة للقارات.
وكل ما تفعله أمريكا هو ممارسة النهب والاستغلال والهيمنة والسيطرة، واستعباد المجتمعات المغلوبة، وتخريب الثقافات والحضارات المغايرة، فكل سلوك نقيض حسب تحديد السياسة الأمريكية الخارجية، كيفما كان شكله، وكيفما كان مصدره ومرجعيته، وكيفما كانت أشكال القضايا المرافع عنها: سواء كانت مقاومة أو تحرير أوطان، أو كانت دفاعا عن كرامة الانسانية أو مكافحة الفقر أو حماية البيئة أو دعوة نضالية لإعادة التوزيع العادل للثروة العالمية أو كانت نقدا بنّاء ومسؤولا في شأن المؤسسات الرأسمالية، يعتبر بالمفهوم الأمريكي إرهابا، بمعنى أن أية مقاومة لمصالح الحلف العولمي الرأسمالي المتوحش، والنضال من أجل تحرير الأرض والانسان، والمطالبة بالحقوق المغتصبة هي مسلكيات سياسية غير دمقراطية في نظر الارهاب الأمريكي العولمي.
فنحن الآن أمام إرهاب أمريكي أخلاقي ثقافي سياسي عسكري هدفه خدمة مصالح رأس المال وأمركة العالم باسم الدمقراطية والعولمة. ولكن هذا النهج حتى ولو نجح في بعض الدول مرحليا سيفشل على المدى البعيد عربيا وعالميا لأن هذه الممارسات ستفرز من خلال التطور الجدلي للتاريخ قوى ثورية، عربية وعالمية، وستلقي بهذا النهج الى مزبلة التاريخ.
ومن هنا علينا كماركسيين، نحمل فكرا ثوريا جدليا، أن نتفاعل مع الموضوعات السياسية المطروحة بفكر منفتح، وجدلي، آخذين بالحسبان، أن ظروف المجتمع الرأسمالي الطبقي تولد مشاعر ومفاهيم ومدارك قومية مشوهة، فضلا عن التأجيج المصطنع لهذه المفاهيم المشوهة من قبل مجمل مخزون الاعلام الرسمي، والثقافة الرسمية، والفكر البرجوازي الرسمي من دعاية تخدم الطبقات البرجوازية الرأسمالية السائدة خاصة في أمريكا وإسرائيل.
ولكن على القوى التقدمية الحقيقية وخاصة من يحمل الفكر الثوري التقدمي الماركسي اللينيني، أن تعتمد فقط على النهج والفكر والمشاعر القومية التي تعكس المصالح القومية الحقيقية، من خلال تحرير وعي الجماهير الشعبية الواسعة وخاصة الطبقة العاملة، من ثقل، وتشويهات العصبية القومية الشوفينية البرجوازية الكبيرة منها والصغيرة.
فالوعي الذاتي القومي لا يعكس المصالح القومية الحقيقية لهذه الأمة أو تلك إلا عندما يتحرر هذا الوعي من مشاعر العصبية القومية، ويتشبع بروح النظرة الأممية الإنسانية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا