الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العراق : الدخول ليس كالخروج..

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2022 / 6 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في السنوات التي تلت سقوط نظام صدام غير مأسوف عليه العام 2003 ، واجه النظام السياسي الفتي عدة تحديات ، بما في ذلك الاحتلال وتلاعبه بالعملية السياسية ومحاولة فرضها كأمر واقع ، الى جانب المقاطعة السنية ، ومحاولات الأكراد الانفصال تحت واجهة الاستفتاء ، وحرب داعش وماقبلها من تفجير الحرمين العسكريين وخطر الانزلاق الى حرب طائفية. نجا العراق من تفجيرات و تهديدات وجودية ، لكنه يواجه الآن محاولة جديدة لايجاد حالة عدم استقرار من أجل الهيمنة.

جاءت مظاهرات تشرين عام 2019 برغم مشاركة محتجين سلميين ، لتبعث رسالة مفادها أن الفوضى هي البديل ، وأن السياسة في العراق هي عبارة عن ’صراع إرادات ‘، والعملية السياسية مجرد سوق للكسب ، يدخله مَن يشاء ويخرج منه حين يشاء” وإن كانت المقاطعة والانسحاب جزءاً من العملية الديمقراطية بشرط الالتزام بشرطها وشروطها ، والجلوس دون الاقدام على ما يجر الى الفوضى، من شروطها.

لقد أدى السعي الى تشكيل حكومة الاقصاء والهيمنة ، الى ايجاد انقسام بين قطبين رئيسين داخل بيت الشيعة، وحال السجال المستمر دون تشكيل حكومة بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في أكتوبر 2021 والتي كان يفترض بها إخراج البلاد من عنق الزجاجة التي كادت أن تحشرها فيها ، مظاهرات تشرين بما رافقها من من عنف وقتل وتخريب وفوضى.
إذن، فإن المخاطرة مرة أخرى بإثارة احتجاجات شعبية بين الجمهور ، المحبط أصلاً بسبب سوء الخدمات والفساد ، وهما الملفان اللذان لايستطيع التيار الصدري ولا طرفي التحالف الثلاثي، الحزب الديموقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة، النأي بأنفسهم منهما.

منذ انتخابات أكتوبر تشرين الأول الماضي ،ورغم كل مساعي التزوير وتغيير نظام الانتخابات تفصالاً على المقاس من أجل الاقصاء ، لم يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية برلمانية مطلقة منذ 2005 ، فتركت الأشهر الثمانية الماضية البلاد عالقة في مأزق سياسي راهن الذين خططوا له، على ايجاد انقسام ثان ، داخل الاطار التنسيقي هذه المرة، بعد نجاحهم في تكوين قطبين : الكتلة الصدرية والاطار التنسيقي.

منذ حسم النتائج وقبول الاطار التنسيقي بها امتثالاً لقرار بهذا الصدد اتخذته المحكمة الاتحادية العليا، ذهب ، سعى الاطار الثلاثي الذي تشكل خلافاً لكل السياقات والتقاليد ، إلى تشكيل حكومة بعد انتخاب الرئيس الذي لا يمكن أن يمرر الا بموافقة الاطار أو جزء منه ، وبالتالي تأكيد الهيمنة - وإبعاد الاطار على خلفية نزاع مفتعل بين رعية التيار الصدري السيد مقتدى الصدر و رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي ، وتهميشه سياسياً..
وقد حاول الصدر ترجمة ما سماها "حكومة الاغلبية الوطنية " ، إلى محاولة لترسيخ نفسه ممثلًا عن الشيعة في السلطة ، متحالفًا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة الذي تم الاعلان عنه في تركيا بدعم اماراتي لافت. رفض الصدر الإجماع الشيعي الذي يضم جميع الأحزاب السياسية والقوى الفائزة في الانتخابات ، وبدلاً من ذلك أراد إجبار الأحزاب الشيعية الأخرى على التحول الى المعارضة الهشة التي لا معنى لها وسط هيمنة غير اعتيادية على لجان البرلمان. لكن هذا التحالف الثلاثي افتقر إلى أغلبية الثلثين المطلوبة لانتخاب رئيس الجمهورية ، الذي يقوم بعد ذلك بتعيين رئيس الوزراء، وبالتالي فشل سياسة "أوصلني الى السلطة كي أقصيك منها ".

وفي محاولة للخروج من المأزق ، أمر الصدر برلمانييه بالاستقالة . هذه الخطوة تسمح له بإلقاء اللوم على الآخرين في التأخير في تشكيل الحكومة. كما يسمح له كما يعتقد تحميل الأحزاب السياسية مسؤولية الاخفاقات السابقة، بما في ذلك حلفاءه في الثلاثي ، الذين لا يعتقد أنهم ملتزمون بما يكفي لحكومة الأغلبية وحاولوا القفز من السفينة قبل أن تغرق في المبادرة التي كان زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني السيد مسعود البرازاني يستعد لاطلاقها بالتنسيق مع خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي.
ومع ذلك ، ولأن البرلمان في عطلة ، فإن النواب الجدد الذين يجب أن يشغلوا فراغ المستقيلين ،لم يؤدوا اليمين . ونتيجة لذلك ، فإن الصدر في وضع يسمح له بالاستفادة من هذه الخطوة ، حيث إنها برأيه ستجبر الاطار التنسيقي على تقديم المزيد من التنازلات - مثل منحه وزارات مربحة واختياره ليسمي رئيس الوزراء - لإبقائه في النظام.

من خلال استقالة نوابه خلال العطلة البرلمانية ، يحمي الصدر نفسه أيضًا من أي رد فعل عنيف من مظاهرات الصيف التي يجري الدفع نحوها أو على الأقل التلويح بها ، حيث تحاول حركة الاستقالة إظهار عدم رضاه عن القوى السياسية . في الواقع ، إنه يسعى الى استيعاب المظاهرات المحتملة واستخدامها كأداة للضغط على الإطار. حتى قبل انتخابات أكتوبر ، هدد الصدر بعدم دعم أي حكومة يتم تشكيلها بدونه.
بعد أن استثمر في النظام السياسي واستفاد منه لسنوات ، انسحب من البرلمان وبقي في الحكومة والدولة ، ولن يترك الصدر هذه المكاسب إلا إذا توصل إلى أن أفضل طريق للهيمنة السياسية هو من خلال التعبئة الجماهيرية وقلب الطاولة .
هذه معركة للسيطرة والهيمنة.
بينما تحاول معاهد التفكير والأبحاث، و البعض من صانعي القرار في الغرب إلى النظر إلى هذه التطورات على أنها صراع بين محورين: موال للغرب وآخر لإيران ، فإن الواقع يؤكد أن الأطراف المتنافسة تتداخل في ميولها الأيديولوجية. لكل من المعسكرين علاقات طويلة الأمد - وإن كانت شائكة في بعض الأحيان - مع ايران والغرب. بينما يستثمر البعض في الحفاظ على التوازن السياسي من أجل الحفاظ على نصيبه من الغنائم السياسية.

عند دراسة الوضع السياسي الراهن ، يحتاج صانعو السياسة العراقيون إلى إدراك حدوث تحول مهم. فعلى الرغم من أن النظام السياسي لم يعد يواجه أزمات وجودية ، إلا أن الصراع السياسي بين الشيعة يخاطر بخلق شكل جديد من الأزمة. في هذا الصراع ، قد يفكر الصدر في نقل المعركة من البرلمان إلى الشارع، لكن عليه أن يدرك أن دخول العملية السياسية والخروج منها في ضوء التضحيات التي تم تقديمها في طريق الانتصار على التحديات الوجودية ، هو من خصوصيات المصلحة العليا للمكون المجتمعي الأكبر الذي قدم كل تلك التضحيات ، ووفق شروطه وتوقيته، وعلى من يخالفه أن يتحمل النتائج.

في هذه البيئة التي يسودها الاستياء العام المتأجج ، تحتاج قوى الاطار التنسيقي إلى إعادة ضبط إعداداتها بسرعة تجاه قاعدة الناخبين والعراقيين المحبطين ككل . قد يكون النظام السياسي قد صمد أمام تلك التحديات التي واجهته منذ عام 2003 ، لكن عدم الرضا العام الحالي ، إذا تجلى من خلال الاحتجاج الموجه ، يمكن أن يخلق أزمة وجودية جديدة.
والمؤمن لا يٌلدغٌ من جحر مرتين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا