الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الرأسمالية النيوليبرلية

عبدالرحمن مصطفى

2022 / 6 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


للباحثان الفرنسيان Gérard Duménil و Dominique Lévy كتاب حول أزمة النيوليبرالية عقب كارثتها الكبرى في عام 2008 ،والمؤلفان يتبنيان المنهج الماركسي الغير أرثوذوكسي مع مزجه بأفكار ورؤى كينيزية ،وخلافا لبعض التصورات النيوكلاسيكية الساذجة حول أسباب الأزمة (بعد عام 2008 لأن احدا من هذا التيار لم يوقع الأزمة بل جلهم تبنوا رؤية ساملسون حول أن الركود العظيم عام 1929 كان آخر الأزمات العالمية) أو التفسيرات السائدة للمحللين الماليين التي ترجع أسباب الأزمة لسنتين أو 3 قبل الكارثة في 2008 (في افضل الأحوال ، لأن الغالبية الساحقة من هذا التيار لا تضع تفسيرا أصلا لهذه الازمة لأنها غير واردة في تحليلهم النظري القائم على فرضية التوازن وعقلانية البشر) ،فالمؤلفان يرجعان السبب الى تغيرات جوهرية طرأت على النظام الرأسمالي من سبعينيات القرن الماضي ،شهدت الفترة النيوليبرالية في العقود الأخيرة انخفاضا في مستويات المعيشة بالنسبة لغالبية دول العالم وارتفاعا في المديونية العالمية مع ارتفاع اللامساواة داخل المجتمع الواحد أو بين دول الشمال ودول الجنوب ..
وابتداءاً ؛ ينظر الباحثان الى القرن العشرين بكونه قرناً جديداً شهد تغيراً درامتيكياً في طبيعة النظام الرأسمالي وباختلاف تام عما كان عليه في القرن التاسع عشر ،فالقرن العشرين هو قرن المديرين ،ففي هذا القرن حدث انفصال بين ملكية الأصل وإدارته ،وكذلك هو قرن مأسسة النظام حيث لم يعد النظام الاقتصادي محكوما بالسوق وتفاعلاته فقط ،لأن المنافسة لم تعد تقتصر على وحدات انتاجية صغيرة او متوسطة وتختص بإنتاج الحاجات الأساسية والضرورية للناس وبأسلوب يرتكز على منافسة الأسعار (تخفيض الأسعار من خلال تقدم تقنيات الانتاج) ،بل ترافق مع اليات أخرى ،لأن الرأسمالية وانطلاقا من القرن التاسع عشر تحولت الى نظام احتكاري ،مأسسة النظام جاءت مع اختراع نظام البنك المركزي ،فالاحتياط الفيدرالي مثلا ظهر في بداية القرن العشرين كنتيجة لركود تسعينيات القرن التاسع عشر ،مأسسة النظام هذه عملت على ضبط إيقاع النظام لتجنيبه الركود والأزمات الحادة الي عانت منها الرأسمالية في القرن التاسع عشر ،وأخي تبعية المؤسسات الانتاجية للبنوك والمؤسسات المالية ،وهذه الظاهرة برزت مع نهاية القرن التاسع عشر وكنتيجة للأزمات واضطرار الشركات للاقتراض المتزايد كنتيجة للأزمة ،وأيضا مع توسعة السوق الذي ترافق مع وسائل النقل كسكك الحديد الذي ربط بين دول مختلفة وتطور وسائل النقل البحري ،بحيث اضطر الفاعلون لاستلاف أموال ضخمة لتمويل مشاريعهم فيما وراء البحار وخصوصا مع عولمة الاقتصاد التي ترافقت مع الاستعمار الحديث ..


هذه التغيرات دمغت رأسمالية القرن العشرين وحتى الواحد والعشرين ،لهذا يصف توماس بيكتي مثلا أن القرن العشرين هو قرن الطبقة الوسطى والرأسمالية الحديثة برأسمالية المديرين التنفيذيين .والمديرين التنفيذيين هم طبقة وسطى بين الملاك الرأسماليين والطبقة العاملة هكذا كان الحال حتى سبعينيات القرن الماضي وقبل أن يتحول المديرين الى رأسماليين ويشاركون الرأسماليين في أهدافهم ورؤاهم ..

هذه الثورات الثلاثة (الإدارة وتبعية الانتاج للتمويل ومأسسة النظام) تغيرت وتبدلت ولبست أشكالا جديدة مع تغيرات وأحداث القرن العشرين..فبعد الركود الكبير مثلا تبنت الحكومات الغربية سياسة جديدة ،في أمريكا النيوديل مع روزفلت في بعض الدول الغربية سيطرت الأحزاب الاشتراكية (كفرنسا وألمانيا الغربية والدول النوردكية) وشكلت اقتصادا جديدا قائم على 3 أمور ؛ تحالف الطبقة العامل مع طبقة المديرين ،رفاهية الشعب المضمونة بتدخل الحكومات في الاقتصاد وبتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والنقابية ،تقييد الطبقة الرأسمالية ..
تحالف طبقة المديرين مع الطبقة العاملة شكل الأساس الذي استندت عليه سياسة النيوديل ،وطبقة المديرين لعب محوريا في التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في القرن العشرين ربما أكثر من أي طبقة أخرى ،ففي الاتحاد السوفيتي مثلا،كان المدراء التنفيذيين للشركات التابعة للدولة هم وراء كارثة انهيار الاتحاد السوفيتي ،فهم الذين لعبوا دورا انتهازيا لتعظيم مصالحهم الخاصة ،بحيث أنهم كانوا لايقدمون معطيات صحيحة للجهات المخططة للاقتصاد لهذا فشلت سياسات غورباتشوف الإصلاحية ومع خطل هذه السياسات في الكثير منها إلا أن غورباتشوف كان يسعى فعلا لإصلاح الاقتصاد المتردي والبيروسترويكا كانت ضرورة لهذا ولو أن الوقت كان قد فات ولم يعد ذلك ممكنا وغورباتشوف خرج صفر اليدين من بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهو يصرح الآن بأنه تعرض للخيانة وبخداع الغرب له ،وأفراد هذه الطبقة هم من أثروا بعد عام 1991 ونقلوا ثرواتهم للغرب والتي تقدر بمئات مليارات الدولارات ،طبعا أنا أتحدث هنا عن الأسباب الذاتية للانهيار (سلوك طبقة ما) لكن هناك أسباب موضوعية أخرى رافقت الاتحاد السوفيتي منذ نشأته وعيوب ظاهرة في الاقتصاد المخطط المركزي (التخطيط الشامل لكل الوحدات الاقتصادية الصغيرة والكبيرة) وليس هذا الموضوع للحديث عنها..

أزمة الاقتصاد الكينيزي في سبعينيات القرن الماضي عبرت عن محدودية الكينيزية ،حيث أن معدلات التضخم كانت في أوجها وبالتزامن مع ركود ومعدلات بطالة مرتفعة وهذه الظاهرة كسرت سياسة المقايضة بين التضخم والركود والتي مثلها فيلبس في منحناه الشهير (حيث يمكن تخفيض البطالة لكن على حساب ارتفاع الأسعار أو العكس) ..
أزمة السبعينيات كانت أزمة هبوط أرباح للمؤسسات الانتاجية (وهذا تعبير عن الركود) ،كان هناك هبوطا في معدل تراكم رأس المال الانتاجي (غير المالي) وهذا ماتظهره الرسوم البيانية في الكتاب المذكور في الحالة الأمريكية ،وفي عقود النيوليبرالية شهد المعدل ارتفاعا في النصف الثاني من التسعينيات وهي الفترة الشاذة التي يرى المؤلفان أنها كانت الاستثناء عن الهبوط في المقاييس الاقتصاد في الاقتصاد الأمريكي خلال فترة النيوليبرالية لكن مع القرن الجديد شهدت المعدلات هبوطا حادا بلغت ذروتها في عام 2005 ..والأمر ذاته بالنسبة ذاته بالنسبة للأرباح الانتاجية (أرباح غير الفوائد وتوزيعات الأسهم) وبلغت هذه ذروة هبوطها في العقود النيوليبرالية في العام 2002 مع تعمق أزمة انرون حتى انتكست الى الصفر!..

في العقود النيوليبرالية حدثت تغيرات على هيكل الاقتصاد الأمريكي والعالمي بالنتيجة ،ففي هذا العصر ازدهرت سوق تكنولوجيا المعلومات في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي وهذه الفترة كانت الاستثناء في واقع معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي لكن فرة الازدهار هذه اصطدمت بأزمة 2001 0فقاعة الانترنت) والتي أدت الى انخفاض في معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي مع ارتفاع في المديونية ..لكن انتفاخ سوق العقارات هو الذي أنقذ الاقتصاد الأمريكي من الركود العميق ،حيث أن هذا القطاع شهد تضخما بفعل التسهيلات المعمولة فيه كمعدلات الفائدة المنخفضة وبفعل التسهيلات والاختراعات المالية التي سهلت الاستثمار في هذا القطاع كسوق المشتقات المالية (المشتقات المالية هي اشبه بالقمار حيث يؤجر مالك أصل مالي ما أصله لطرف آخر ويتفقان على عائد معين لصاحب الأصل بغض النظر عن العوائد الكلية التي سيجنيها مستأجر هذا الأصل خلال الفترة المتفق عليها) وحيث بلغ معدل التبادل في سوق المشتقات المالية قرابة ال 500 ترليون عام 2006 فيما كان الناتج الاجمالي العالمي يقدر ب 77 ترليون دولار وكذلك ارتفاع في ميدونية الأسر والحكومة الأمريكية (الحالة الأخيرة كنتيجة للعجز التجاري في الفترة النيوليبرالية) ارتفاع بيوع السندات والأوراق التجارية المسنودة ABCP (بيوع تستدهف تحقيق أرباح قصيرة الأجل ،حيث تصدر جهة ما سندات معينة للبيع خلال مدة معينة تكون مسنودة بأصول أخرى تملكها هذه الجهة ومجموع المبادلات لهذه الأوراق بلغت أكثر من 600 ترليون دولار (المبادلات الغير رسمية) ) هذا الاختراعات المالية كانت نتيجة لهبوط معدلات التراكم والاستثمار الانتاجي لكن ذلك لم يكن سببا وحيدا لهذه الأزمة ..فعقود النيوليبرالية شهدت ارتفاع في معدلات الاستهلاك ،في أمريكا بيلغت هذه النسبة قرابة ال 80 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في 2005 بعد أن كانت 60 أو أكثر قليلا في ستينيات القرن الماضي ،النيوليبرالية ترافقت مع شره في الاستهلاك وهذا انتج معدلات دين مرتفعة بلغت 60 بالمئة من الناتج المحلي الامريكي بالنسبة للقطاع العائلي في 2005 ..

وفيما يتعلق بأمريكا ،والكتاب يركز على الحالة الأمريكية ،يرى المؤلفان أن طوق النجاة لحفظ الهيمنة الأمريكية على العالم لايمكن أن تكون إلا بتبني سياسات جديدة تخالف التوجه النيوليبرالي ،وهذه مفارقة ،فالعصر النيوليبرالي هو عصر أمريكي بالنسبة للكثير ،لكن في الكتاب توضع العلاقة كعلاقة نقيض ،بالنسبة للمؤلفان لم يكن الا النصف الثاني من التسعينيات الفترة التي ترافقت فيها سطوة وهيمنة أمريكا مع قوة وتماسك الاقتصاد الأمريكي ..

والمؤلفان يدللان على هذه العلاقة بحقائق معينة كارتفاع عجز الميزان التجاري الأمريكي وارتفاع المديونية الأمريكية الخارجية (فاقت الناتح المحلي الاجمالي قبل سنوات ) وارتفاع صافي الدين الأمريكي (الاصول الأمريكية في الخارج ناقص لاصول الاجنبية في أمريكا ) حيث بلغت هذه النسبة 56 بالمئة من الناتج المحلي كديون أمريكية للخارج بالنسبة للأصول الاجنبية في امريكا ..

الفترة النيوليبرالية عموما لم شهد ارتفاعا في معدلات النمو باستثناء الصين ،بقية دول العالم شهدت انخفاضا في معدلات نمو الاقتصاد ،في حالة الصين ومع تبني سياسة توجه لتصدير السلع للخارج ،شهدت الصين ارتفاع في معدلات النمو رغم أن الفترة الماوية شهدت أيضا معدلات نمو كبيرة،لكن في حالة الصين لم تكن النيوليبرالية هي السبب ،على العكس الصين تتبنى سياسة مختلفة عما تروج له مؤسسات كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ،ففي ظل الاقتصاد المختلط وتحت سيادة ملكية الدولة أمكن للصين تحقيق ذلك ،فالدولة تسيطر على القطاعات الرئيسية وتخطط الاقتصاد بما يحقق استقلالها ورفاه شعبها ..

لهذا يرى المؤلفان أن امكانية سيادة اجماع بكين كبديل عن اجماع واشنطون الذي تتبناه المؤسسات الاقتصادية والنقدية العالمية يملك حظوظا كبيرة ،وكذلك تحتاج امريكا لنيوديل جديد حتى تحفظ هيمنتها لأن النيوليبرالية تترافق مع اضعاف التماسك الاجتماعي وتبعية امريكا للخارج..
قد يبدو هذا مخالفا لرؤية منظرية التبعية الماركسيين في أغلبهم ،لكن الحال ليس كذلك ،لأن أمريكا في العصر الينوليبرالي تحفظ هيمنتها على العالم من خلال استنزاف ذاتها ،بمعنى أنها تمول تفوقها التكنولوجي والعسكري من الخارج ،وتحفظ تفوق اقتصادها بالاستناد على معونة الخارج ،فيهمنتها السياسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي شكلت الركيزة التي من خلالها استطاع أن تجذب الأموال والاستثمارات المالية الاجنبية اليها ..وهذه الحال لن تدوم مع احتدام الصراع السياسي بين أمريكا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى ...لكن هذه الرؤية لاعلاقة لها بالرؤى الطوباوية التي يتبناها أتباع التيار الإسلامي أو القومي في المنطقة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية