الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر وليد حسين - للآن يلتمس بريقًا

داود السلمان

2022 / 6 / 18
الادب والفن


مجموعة شعرية جديدة، يبدعها خيال الشاعر العراقي وليد حسين، تحت عنوان "للآن التمس بريقا" ويطبعها في "دار القدس" بسوريا.
وقد قدمنا لها تقديمًا بسيطًا كمدخل أو بيان إيضاحي.
فالمجموعة ضمت اثني وثلاثين نصًا شعريًا كتبها الشاعر بلغة مجازية تعبّر عن خيال الشاعر الخصب، وفي ذات الوقت تعكس معاناته ،وسط عالمنا الغامض ، الذي تسوده تراكمات الحياة الفجّة، ومعاناة الانسان اليومية بضجيج متخم في حالة من الغموض والضبابية، والصورة الكالحة لمجريات هذه الحياة، وما ينتابها من تهميش ذوقي ومعرفي وفكري، ما جعل هذه الحياة صعبة المراس، وغير جديرة بالتواصل والانطلاق نحو أفق يستوعب حجم المعاناة، بحيث من الصعب أن نسلم بالأمور التي تقع على عاتقنا ، والذي نعيشه اليوم، بكل تجلياته ومفارقاته، ناسين أو متناسين بأنّ العصر الذي نعيشه، هو عصر لا يصلح للعيش بسلام، إذ تعصف فيه عواصف هوجاء تسعى لقتل الإنسان أو تريد النيل منه كالقنوط واليأس ، أو ان يركن إلى حالة من الاغتراب النفسي والذهني معًا.
فالشاعر وليد حسين، كأنه في نصوصه هذه، أراد أن يترجم مشاعر وعواطف الإنسان، أين ما كان ، وأين ماحلّ ، باعتبار الشاعر ينتمي إلى الانسانية قبل الانسان، وهدفه الدفاع عن الانسان كقيمة اخلاقية عليا، فالشاعر هو الذي يمتلك احساسًا اكثر من سواه، فو يعطي الكلمة قيمتها الحقيقية وفق تعامله اليومي المستمر مع هذه الكلمة، ومن خلالها ينسج تراكما معرفيّا عبر نصوص تحمل مشاعرا جياشة، تدل على وجود الضمير النابض المتقد، الذي يسكن في كيان الشاعر.
ففي نص بعنوان "هولاكو يعلن اسلامه" يقول الشاعر:
" تتناسل الكلمات...
في حواضن اطفال الخدج... وتزحف بنا الظهيرة...
لنرى القابلات... يحملن منافذ توسيع العالم...
لا شيء يوحي بالبراءة...
الكلّ يتسارع كأقدام الغزاة.. لكن.. هولاكو يعلن إسلامه... حين رأى النهر بزرقة رجل مهيأة للبتر".
فهولاكو في مخيال الشاعر يعني القوة أو الطغيان والجبروت، وأما النهر فيعني الخير والعطاء، أو ديمومة الحياة التي يجب أن تكون كما هي، من دون منغصات. ومفردة "البتر" عناها الشاعر فهي تمثل النهاية الحزينة، أو الاضمحلال وانعدام كل ما هو مفرح ويسر الانسان في هذا الوجود الشاسع.
وهذه بحد ذاتها صورة واقعية جسدت واقع الانسان المرّ، انسان اليوم، وبتعبير أحد المفكرين المعاصرين "الانسان الاخير" أي الذي وصل مرحلة التقدم والسمو الفكري والفلسفي والتكنولوجي، وبوجود هذه المخترعات التي ابدعها الانسان، واراد من ورائها خدمة الانسان نفسه.
وفي نص آخر بعنوان "عشرون هُراء" يقول الشاعر:
"الحكومات المتعاقبة... يمكنني أن اطلق التوصيف... وأنا مستاء...
تتبنى ممارسات الساسة... وأكاذيب السلطة...
تلوذ بصمت...
وإدنات ثلاث متفرقات... غطت الاجسام المتفحمة.. تمارس وصايا الاجداد"
في هذا المقطع من النص يدخل الشاعر بالمباشر، لأن المسألة لا تحتاج إلى رموز، ودلالات ثانوية، فهو يتحدث عن حقبة مازالت أحداثها جارية وسط فوضى سياسية عارمة (باعتبار الشاعر سياسيًا خطرًا ومثقفا مُهابا) هذه الفوضى التي استلبت الانسان كل ما يقيم أوده كإنسان حرّ، وله حقه في العيش الكريم. والشاعر هنا قد تقصّد المباشرة بدل الرمزية، كي لا يؤول مقصده، فأصاب كبد الواقع بمقتل.
ومن نص آخر تحت عنوان "في محطات ضاجة" نقرأ: "
"المطارات كصالات القمار...
تلوك خسارات باهظة... تحُدث ثقبا في الذاكرة...
في محطات ضاجة بالخيبات...
من يعيد لنفسي بريقها..؟"
ولابدّ من التذكير بأن كافكا في روايته "المحاكمة" رسم صورة قاتمة للحياة التي نعيشها اليوم بكل تفاصيلها، ذلك من خلال سرد أحداث تلك الرواية، المرعبة الاحداث وفي ذات الوقت هي واقع الانسان في هذا العصر، فالإنسان يعيش التشظي والانهيار، في حجم المرارة والضنك، فحياتنا هي أشبه بتلك الضبابية التي رسم ملامحها شوبنهاور في أطروحته الفلسفية "العالم إرادة وتمثلا" هذا الصورة الشوبنهاورية، هي باختصار حياة الانسان الوجودية، التي دافع عنها جان بول سارتر، وأطرّ اطارها العالم كيركيجارد في معظم اعماله، وقبل الكل قال فيها ذلك الشاعر العربي الكبير ابو العلاء المعري، في معظم أشعاره.
لكنّ كافكا وصف الحياة بأنها عبارة عن هذيان داخلي لمعنى غائب، الحياة عبارة عن ضبابية غير واضحة المعالم، لذلك فأن بطل قصة "المحاكمة" أضاع سنوات عمره في محكمة صورية وفق تهمة لا يعرف هو عنها شيء، بل لا يدري ما هي الجناية التي حوكم من اجلها!؟.
هذا المعنى، الذي اراده كل هؤلاء الفلاسفة، هو عين ما عبّر عنه الشاعر وليد حسين في هذا النص، بل واراد التكرار كي يترسخ في ذهن الانسان عموما: إن الحياة التي يقتل بعضنا بعضا عليها، هي هذه بتفاصيلها المملة.
أما في نص "من زاوية أخرى" وهو نص من نفس المجموعة، فنقرأ فيه:
"أتسوق الاقدار...
في غياب الكسل...
المخيّم على انوفنا المشرعة بالسعادة...
لأرى أصر السعادة...
من زاوية أخرى...
دون حدس نفعي".
يقول دوستويفسكي: "إذا أريد إهلاك إنسان، ومعاقبته بفظاعة، وسحقه سحقاً شديداً، حدّ أن يرتجف أمام هذا العقاب ويرتاع منه سلفاً حتى أعتى القتلة، يكفي أن تضفي على عمله صفة عدم الجدوى تماماً، لا، بل العبثية.
ويضيف في روايته "ذكريات من منازل الأموات": "إن الإنسان مهما يصغر يلحّ غريزياً على احترام كرامته كإنسان. لا يعيش أي إنسان دون هدف ما ، ودون جهد يبذل من أجل الوصول الى هذا الهدف. ومتى غاب الهدف وزال الأمل ..؟ فإن القلق غالباً ما يجعل من الإنسان وحشاً...!".
فالأقدار التي تحيط بالإنسان من كل حدب وصوب، لا يمكن للإنسان الانفكاك عنها، طالما يعيش في بحبوحة لا تتسع لآماله وتؤمن مستقبله، وهو خير من عبر عنه وليد حسين في هذا المقطع من النص.
وفي النص الذي جعل منه عنوان للمجموعة، أني "للآن..ألتمس بريقا". نقرأ أيضا:
"في عزوف اللحظة..
كيف علقنا..!..
وأيامنا مزدحمة بانعكاسات المرايا المصقولة..
تتسربل..
بمواربات شتّى...
نعلّق صور الشهداء صباحًا...
وننساهم آخر الليل... المدينة ماضية بهراء الوقت...
والذكريات تضجّ بملامح طوفان".
ويختم النص بقوله: "لا تبحثوا عن جيوب الخونة... وحفاّري القبور...
لكي توصدوا باب الخصومة".
يمكن أن نفهم من هذا النص على إنه جُمل من مفاهيم أخلاقية، صاغ منها الشاعر نص أدبي، هو تعبير مجازي عن عالم متشظٍّ وسط احتدام فكري يعصف بالعالم، ويسير ضمن ايديولوجيات مستهلكة غاب عنها الوعي، بسبب تردي الذات الفاعلة لتغيير الضبابية المتمثلة في طمس هوية الإنسان، وكينونته المستلبة.
فيعتقد نيتشة: إنّ "في بعض الأحيان، لا يرغب الناس في سماع الحقيقة لأنهم لا يريدون أن تتحطّم أوهامهم". فالحقيقة التي عبّر عنها الشاعر في هذا النص، هي بمثابة المسكوت عنه، إلّا أنّ وليد حسين لا يهمه ما سوف يقال بحقه طالما افصح عمّا يريد قوله، وجعل من الأمور أن تجري أعنتها.
وآخر نص في هذه المجموعة عنونه الشاعر تحت عنوان "ثمّة حدسٌ"، فنقرأ فيه:
"كُلما حاولت العبور... نظرت إلى جهة مكتظة.. فأغلب المسالك محفوفة بالمخاطر...
في طفولتي كان البعض يرمقني بعينين جاحظتين.. وينعتن عبثًا...
بالفوضى".
ونجد، في هذا المعنى، المصاحب بالحذر، صورة شعرية مغايرة لوليد حسين لما كتبه سابقا من مجاميع أخرى، سبقت هذه المجموعة، فالمعنى الذي أراد قوله الشاعر: إنّ المخاطر التي تكتنف الحياة، أو قُل بالأحرى تكتنف الإنسان كانت وما تزال، مخاطر جسيمة، منها قسوة الطبيعة ثم قسوة الإنسان نفسه، من الذين يتصدون للإنسان الأعزل ويجعلوا حياته عبارة عن تراكمات من المحن، لها أول وليس لها آخر، الأمر الذي اشاع في وسط الفلاسفة بتبنيهم فلسفة التشاؤم، حيث يغورون في تلك الضبابية.
يقول شوبنهور، في هذه المناسبة، وهو سيد المتشائمين في العصر الحاضر: "وكلما تزداد عدد السنوات التي تمُر علينا، فإن الأشياء تبدو لنا أصغر وأكثر تفاهة، حتى الحياة التي كانت تبدو لنا مُستقرة وثابتة في أيام شبابنا، الآن أصبحت لا شيء سوى مجموعة من اللحظات التي مرّت علينا سريعاً، كُل لحظة منها كانت مُجرد وهم. وقتها نبدأ في رؤية العالم بأكملهُ كما لو أنهُ كله مُجرد سراب وهباء".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي