الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كيفَ بإمكان المجاز في الرّوايات السّريالية أن يعالج مشاكلَ العالم الواقعي؟
شذى كامل خليل
كاتبة
(Shaza Kamel Khalil)
2022 / 6 / 18
الادب والفن
كيفَ بإمكان المجاز في الرّوايات السريالية أن يعالجَ مشاكلَ العالم الواقعي؟
تتبَّعنا أثرَ السرياليةِ في قصةِ أليس في بلادِ العجائب؛ القصةَ الآسرة التي جعلتنا ندركُ أن ثمةَ خيط رفيع يفصلُ بين الواقعِ المنطقيّ وبين الخيالِ الفارغِ من حقيقتهِ المؤكدة، لكنهُ خيالٌ مثيرٌ للدهشة وللتساؤل أيضاً، ولعل وصولنا إلى ضفةِ التّساؤل هو ما يجعلُ الحياةَ أكثر قيمة، وهو ما يجعلنا بشكلٍ تلقائيٍّ نتمنى استبدالَ العالم الذي نعيش فيه بالعالمِ الغارقِ في المجاز.
فهل كان المجازُ بطبيعةِ الحال مدخلاً للشفاءِ من أمراضِ العالم الواقعيّ المستعصية؟
وهل ندركُ بطريقةٍ واضحةٍ أن الحياةَ الخاليةَ من الخيال هي حياةٌ فارغة من محتوى غنيّ ومثمر على جميع الأصعدة؟
منَ الحروبِ الدّمويةِ مروراً بالفقرِ والمجاعة وانتهاءً بالأوبئة، كانت المجتمعاتُ منذُ القديم وحتى اللحظة ترزحُ تحتَ ثقل الدّمار على المستوى المحليّ والدّولي والعالمي، وفي جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعيّة والصّحية.
صارَ الناسُ في أمسِ الحاجة للخروجِ من بوتقةِ الحكاية التي تنزُّ منها الجثث، وتصيرُ فيها النهاياتُ مجردَ بداية جديدة لحياةٍ مسترسلة وآخذة في التّمرغ بالألم، ألمٌ جسدي ونفسي وبوتقة مترهلة من الأوجاع النّفسية والذكريات التي تتناقلها الأجيال، جيلاً تلو جيل.
ولئن كان الخروجُ أمراً مطلوباً فقد كان البحثُ الحقيقي عن منصةٍ تؤمنُ الهروب المؤقت وتزيلُ الأعباءَ المتراكمة عن كاهلِ الإنسان، أمراً ملحاً ومطلوباً ولذا جاءت الرواية السّريالية مُنتجاً مُهماً لملأ الثغرة النّفسية التي شكلّتها حياةٌ غير مرضية.
هذا ما شهدناهُ في رواية مائة عام من العزلة للكاتبِ العظيم غابرييل غارسيا ماركيز، ففي بناء الرّواية نجد سرداً حياتيّاً غاية في الدهشة يحملُ في تفاصيلهِ ذات البعدِ الوجداني الآسر، نبوءةً مخيفة تتحققُ في نهايةِ الكتاب وهي نبوءةٌ لا يمكن تَصديقها بطبيعة الحال، على أن الكاتب أجادَ توصيف قدرة المجاز على تحقيق عدالةٍ لا بد منها كي تأخذ الأمورُ مجراها الطبيعي في حياة أردناها أن تكون كذلك.
في بداية رواية الجبل السحري للكاتب توماس مان، لا نجدُ قالباً سحرياً تتفرعُ عنه المجريات أو تخرجُ منه، هنا لا يوجدُ كمٌ هائل من السّريالية في سرد الوقائع، يقوم توماس بمهمته الرّوائية على أكمل وجه من سردٍ وتوصيف دقيق لجميع التفاصيلِ سواء تفاصيل المناظر الطّبيعية أو المتعلقة بشخصيات الرواية، فالشاب هانز ستورب ( بطل الرواية ) يذهبُ في نقاهة صحية إلى جبلٍ في مكان بعيد، يقابلُ أشخاصاً كثر من جميع الجنسيات، يحاورُ البعض فيما يتجنب البعض الآخر، ثم في لحظةٍ ما ( مجازية ) يُصاب بعدوى الجبل وهي عدوى سحرية بالفعلِ تُبقيه أسيراً في الجبالِ لسنوات عديدة، كما ويشهدُ الشاب أحداثاً غير مألوفة تتعلق بالتحدثِ مع الأموات وبالقليل من السّحر، لكن تغلبُ الواقعية على المجاز في نهاية الرّواية عندما يخرجُ الشاب بكاملِ منطقهِ من الجبلِ للحاقِ بالحرب التي اندلعت في بلاده.
في سلسلة كتب ( مقبرة الكتب المنسية) لكارلوس زافون، ثمة سحرٌ يبدأ من روايةِ ظل الرّيح وتختلف وتيرتهُ بين كتاب وآخر من السّلسلة ذاتها، يتمُ استدعاءُ الحاجة إلى المجاز في اللحظات التي يبدو فيها السّرد واصلاً إلى بابٍ مغلق ولعل أكثرَ الرّوائيين يفعلون ذلك كلما اصطدمت شخصياتُهم الواقعية بحائط المجتمعات الحجريّ والذي يصعبُ التعامل معه، إذ يتم فتحُ ثغرة صغيرةٍ في زاوية من زوايا الرّواية، يتدفق السّحر منها ويبدأ عملهُ في إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
وهنا يرنُ التساؤل التالي في عقولنا : هل الخيالُ أو المجاز جزءٌ مهم لإتمام رواية خارقة للعادة أو غير مألوفة؟
لأننا في طبيعةِ الحال نعلمُ أن الحياة في الخارجِ غير مبهرجة على الإطلاق، ويمكن تخمينُ جميع النهايات.
إن عدنا إلى الوراء قليلاً ولنقف بينَ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، سنجدُ مثالاً عظيماً عن مزج السّريالية بالأحداث الحيّاتية التي لا يمكن التغلبُ عليها بالمنطقِ المطلق، وأعني ( رواية دون كيخوته دي لا مانتشا ) للروائي ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا، الذي استخدم السّريالية من أجل توضيح نقاط الهشاشة في مجتمع إسباني قائم على الحيلة والمراوغة، وكي يتبينَ حدة الصّراع القائم بين الخيرِ والشر والصّعوبات التي يُمنى بها المفتشُ عن الصّلاح وتحرير المظلومين حتى لو جاءت حربُ دون كيخوته مجردة من مَنطقها وتندرجُ تحت مسمى الوهم المطلق ولكنها حقيقيةٌ في المضمونِ الحيّاتي للجماعة، حيث يصبحُ الضعف مطلوباً من أجل سيادة مفهوم القوة.
كان ثمة خوف من فقدانِ الرغبة نحوَ الحياة لدى بعض الرّوائيين السّرياليين، لذا بدا من الملح البحث عن الرغبة مجدداً في عالم آخر وليكن الخيال. فالخيالُ هو بداية الإبداع على حد قول جورج برنارد شو " إنكَ تتخيلُ ما ترغبُ فيه وترغب فيما تتخيلهُ وأخيراً تصنع ما ترغب به "
قد يكون الانغماسُ المُفرط في مثلِ هذه العوالم الوهمية إنما بدايةٌ للدخولِ نحو معتركِ العقد النفسية، نجد مثل هذا التّورط العاطفي المُبالغ فيه لدى شخصية ( ديفيد مارتين ) في سلسلة مقبرة الكتب المنسية، لكن لا يمكن أن نغفل عن مقولةِ أينشتاين بخصوصِ الخيال هو القائل : " إن العلامة الحقيقية على الذكاءِ ليست المعرفةُ بل القدرةُ على التخيل "
يقوم الروائيونَ المجازيون بوضعِ خط فاصلٍ بين الوهمِ والمنطق، يمكن أن نلمس ذلك في رواية دون كيخوت متمثلاً بشخصية سانشو والذي يتبنى الجانبَ المَنطقي في الحكاية المجازية بالكامل.
في واحدةٍ من مسرحياتِ الإسباني المشهور بيدرو، " وما الحياةُ إلا حلم " دليلاً آخر على تورط أمزجةِ الفنانين سواء في الرّواية أو المسرح بالحقيقةِ النابعة من الوهم وهي حقيقة مطلوبة ولا يمكن الوصولُ إليها من خلال سردٍ واقعي لأمورٍ واقعية من أجل نهايةٍ واقعية لا تُلبي الحاجة العاطفية للقارئ.
في قصةٍ صينية منقولة أن ثمة فتاة حلمت أنها فراشة وحين استيقظت لم تعدْ تعلمُ هل هي فتاة حلمت أنها فراشة أم فراشة تحلمُ الآن أنها فتاة!
إذاً من الضروري طرح السؤال : ما الفاصلُ الحقيقيُّ بين الحياة والحلم أو كيف ندرك أن حلمنا هذا هو واقع أم هو من نسج الخيال؟
لا بد أننا في سعينا نحو الإجابة إنما نفضلُ الإمساكَ بالدّفة الممكنة من المعنى المفهوم والمرضي للذّات الإنسانية ألا وهو أن الحياة بحدّ ذاتها هي أكبر أحلامنا.
هل يمكن على هذا الحال أن نعتبرَ المجاز جزءاً أكثر تعمقاً بالذات الإنسانية؟
أعتقدُ ذلكَ من وجهة نظري كقارئة وكاتبة، ففي اطلاعي على جميعِ أعمال الكاتب الياباني هاروكي كوراكامي إنما أجد حيزاً كبيراً من الحرّية الوهمية التي أحصلُ عليها بين صفحات الكتاب وأُحرم منها في الحياة الواقعية، بإمكان كاتب مثل هاروكي أن يُدخلك عبر مسار غامض فيخرجكَ من بديهيات المعنى الحقيقي للحياة التي نَعيشها ويسيرُ بك نحو عوالم أكثر تشعباً وانفتاحاً وربما عوالم أشدَ إثارة مما تعيشهُ في ظروفٍ ربما تكون أقرب إلى المملة والتي لا تثيرُ الدافعية نحو إنتاجِ أفكار تُعين على إتمام ما يُطلب منكَ فيها.
يقولُ بابلو بيكاسو : أتقن القواعد كمحترف ثم اكسرها كفنان "
ليس أننا نريد التورطَ في حالة مُطلقة من الوهم وإنما أن نُعيد استخدام الوهم أو الخيال إن صح التعبير، نريدُ أن يكون بطريقة سحرية ضمن ما نعيشه إذ كرّبة منزل أعتقد أن الخيال مثل التوابل أو الملح، يمكن بواسطته إنعاشُ النكهة وتحقيق الإمكانية المطلوبة أو المعنى المطلوب وتقبلّه والإحساس بالرضا من خلالهِ.
حسناً.. في النّهاية لا بد أن نعتبرَ أن للمجاز قوةٌ لا يُستهان فيها، وإن لم يكن الهدفُ منهُ تحقيقَ العدالةِ، فلا بد أن يكونَ الهدف هو إنتاجُ الكائن الإنسانيّ المتفهم والحساس والإيجابي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنان جمال سليمان للعربية: قد أترشح لمنصب رئيس الجمهورية ال
.. رسالة مهرجان البحر الأحمر مع علي الكشوطي .السينما المصرية تخ
.. بنديكت كومبرباتش من مهرجان البحر الأحمر: كنت ولدا وحيداً وعا
.. -التاريخ يسجل بأن إرادة الشعوب لا تقهر-.. الفنان ياسر العظمة
.. #للعلم ساعة في اليوم ممكن تفرق في علاقاتك بأولادك لو قضيتها