الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يخاف من فرجينيا وولف 1966: مسرح الانكشافات والاندفاعات غير المزركشة للعواطف

بلال سمير الصدّر

2022 / 6 / 20
الادب والفن


اليزابيث تايلور:جائزة الاوسكار عن افضل ممثلة لدور رئيسي
ريتشارد بروتون
فيلم من يخاف من فرجينيا وولف-بالأبيض والأسود-هو فيلم قادم فعلا من رحم الأدب،أو دعونا نقول بشكل أدق،من رحم الأدب المسرحي،فهو مقتبس عن مسرحية بنفس الاسم عرضت لأول مرة في اكتوبر عام 1962 من كتابة ادوارد البي الذي شارك فعلا في اعداد الفيلم.
الفيلم من الممكن القول عنه-كفيلم- بـأنه من أفلام الغرف المغلقة على محيطه الواسع،فهو يستند الى اربع شخصيات رئيسية فقط يدور بينهم حوار غاية في التكثيف،وغاية في الكشف عن المشاعر الداخلية المتبادلة والخاصة أيضا بالطبيعة الانسانية نفسها،ولكن...ماذا لو كان هذا الحوار خالي تماما من لفظ (المجاملة) أو من مصطلح (تنميق الألفاظ)...؟
أي ان تكون الأمور مكشوفة بالكامل وبالأخص المشاعر والانطباعات....
مارثا(اليزابيث تايلور) مع زوجها جورج(ريتشارد بروتون)،زوجان في منتصف العمر يمران بمرحلة اليأس والملل كلاهما من الآخر،وهذا يفضي الى نوع من هستيريا غير محسوبة على الاطلاق في علاقتهما مع بعضهما البعض،شيء اشبه بالمهزلة التي يصرح فيها كل واحد منهما بمشاعره للآخر من دون اي حد أو رابط لهذه الأحكام...
هنا الأشياء بدأت تتفجر،لأن الزواج أصلا قائم على مصلحة ومنذ البداية،وهذا فعليا هو مفتاح احتقار وازدراء كل منهما للآخر.
بعد العودة من سهرة معينة،هما في انتظار ضيفان،الاستاذ الشاب البيولوجي وزوجته الشابة...
مارثا تجلس على ظهر زوجها وتغني:من يخاف من فرجينيا وولف،مع لازمة التكرار
في الأصل الأغنية مقتبسة من:من يخاف من الخنزير الصغير،ليحل محله اسم الكاتبة الانجليزية الشهيرة فرجينيا وولف،وغنت مارثا وجورج مرارا وتكرارا هذه النسخة من الأغنية طوال الفيلم.
يدخل الضيفان على هذا الجو المشحون بالمصارحة العنيفة والقاسية(بوبي وصوفي)،فيؤشر الضيف الى لوحة: من الذي قام برسمها
مارثا:رسمت،ولكن جورج يقاطعها على الفور:رجل يوناني ذو شارب هاجمته مارثا في ليلة ما
تحاول مارثا ان تكمل: إن بها...ولكن يستمر جورج بالمقاطعة:حسنا بعض الازعاج من النوع المريح...قوة مزعجة مريحة ...هو تمثيل تصويري لعقل مارثا
ثم تبدأ بالغناء بهستيرية مع ضيوفها:من الذي يخاف من فرجينيا وولف
عندما بدأت الحقائق تتكشف،لأن الأستاذ المساعد في التاريخ (جورج) متزوج من مارثا ابنة رئيس الجامعة
علينا ان نتوقف قليلا:
الذي يحصل أمامنا هو شيء ذو صلة كبيرة بالمسرح،على انه ليس من نوعية اشهر مسرح على الاطلاق..
انه ليس مسرح اللامعقول،إنه ليس عن تلك الشخصيات التي تتحرك بعبثية ونستشف منها المقدمات فقط وأحيانا الأهداف،ولايمكن ان نطلق عليه مسرح نفسي على الاطلاق وان كان ذو صلة وعلاقة كبيرة به،ولكن من الممكن أن نقول عنه أنه مسرح (الانكشافات) والاندفاعات غير المزركشة للعواطف...
إنه عالم عميق جدا...خالي من التنميق وخالي من المجاملات...خالي من اي تحفظ لفظي للعواطف
النقطة الثانية،هي ان الفيلم ليس أبدا عن شخصية فرجينيا وولف الاكتائبية التي نعرف تماما بأنها انتحرت بجيوب ملئ بالحجارة.
هذه النقطة-الحاسمة-يجب ان لاننخدع بها على الاطلاق.
من المعروف ان وولف استخدمت في جل رواياتها اسلوب التداعي الحر للأفكار،أي تداخل الوعي على شكل غير مرئي وغير مصرح به،بل كان يظل عميقا في الذهن....
تلك الأفكار-ولازلنا نتحدث عن اسلوب فرجينيا وولف-التي من الممكن ان تقول كل شيء ذهنيا،حتى افظع الأفكار عن الدين وعن الجنس وعن الانطباعات عن الآخر تحديدا،لكن بالنسبة للقواعد الاجتماعية المألوفة لايمكن التصريح-على الأقل بهذا الشكل على الاطلاق.
هذه القواعد الاجتماعية المذكورة اعلاه،لايخضع لها كل من جورج ومارثا ليس في علاقتهما مع بعضهما البعض فقط...بل مع الآخرين أيضا،وهذا هو المفتاح الرئيسي لفهم عنوان الفيلم...
القادمان-الضيفان-هما انعكلس ذهني (معطيات) لكل من مارثا وجورج من شدة تشابه حياتهما،فالزوجة نحيلة الارداف بشعة تحاول فرض سيطرتها على زوجها،وهذا ليس من فراغ بل هو الصعود ايضا...
عندما تروي مارثا قصة حدوث مبارة ملاكمة بينها وبين زوجها في الماضي،فهذا اوضح تشبيه للعلاقة بينهما،تلك العلاقة التلقائية حين تكشف عن الازدراء وجحيم الآخر والقبول القسري...
ولكن،أن يخرج جورج بندقية من المستودع ويوجهها الى رأس مارثا-والأمر كله عبارة عن دعابة-فهذا يذكرني قطعا بفيلم ماركو فيري الشهير:ديلنجر قد مات
هل ظننت حقا بأنني سأقتلك يا مارثا؟!...ربما سأفعل ذلك يوما ما
يتلقى جورج-الجو الهستيري افتضاحي المشاعر هو المسيطر على االفيلم-اعترافا من قبل نيك بأنه تزوج من صوفي لأنها حامل فقط ولكن الانتفاخ زال بعد الزواج وبقي المال...
كل مايحدث يؤكد أن بوني وصوفي مجرد انعكاس ذهني لشباب كل من جورج ومارثا بأسلوب تصويري لماضي لايمكن التخلي عنه ابدا...
ماذا لو وصلت العلاقات البشرية الى مثل هذه القوة الصارخة ...هذه القوة التي سوف تسقط أي نوع من المجاملة بين البشر،هل هي الأريحية في التعبير عن المشاعر،أو ربما الأريحية في التعبير عن الكره.
لكن ماذا عن قصة الأبن:
كلاهما يدعيان-اي كلا العائلتين-أن لهما ابن يدعى جيم،وان قلنا سابقا أن بوني وصوفي ليسا الا انعكاس ذهني لمارثا وجورج،يجب علينا أن ننفي هذه القصة من اساسها...
الواضح ان جيم ليس سوى اكذوبة أمنيات بينهما،اكذوبات اضافة استقرار الى حياة تفتقد حتى ابسط معطيات التفاهم ،ولكن في خضم اللعبة...لعبة المصارحة يقرر جورج قتل جيم:
أنه مات في حادث سير وهو يحاول تفادي قنفذ...
تصرخ مارثا:لايمكنك فعل ذلك....إنني امتلك الحق...إلا أنك لاتملكه
سواء كان جيم شخصة حاضرة فعليا في الواقع،أو شخصية من خلق خيال كلا من جورج ومارثا،ولكنه أدبيا هو التداعي الأدبي الذي لابد من التصريح به،وستفشل كل اندفاعات الوعي الذهنية بالتعبير عنه،لذك تصرح مارثا في المشهد الأخير من الفيلم،بعد ان يغني لها جورج لازمة التكرار:من يخاف من فرجينيا وولف
تقول مارثا صراحة: أنا أخاف منها
لكن ماذا عن تعريف مارثا للجنون...يقول الشاب بوني مخاطبا مارثا
لقد جننتم جميعا...مجانين
تعريف مارثا للجنون:شيء محزن ولكنها الحقيقة...إنه الملجأ الذي نتخذه جميعا حين تسقط أكذوبة العالم ثقيلة على رؤوسنا الصغيرة....استمتع واغرق فيه فأنت لست أفضل من الآخرين
الفيلم مليئ بالأحداث التي يصعب التعرض لها كلا على حدة في هذه المراجعة،بل في اي مراجعة،ولابد من القارئ ان يشاهد الفيلم حتى يفهم الفيلم أكثر...ولكن:
هل نجح هذا الفيلم بنقل المسرح الى السينما....نعم...بالتأكيد
الفيلم من اخراج مارك نيكولز وهو أول افلامه،وشارك ادوراد البي-كاتب المسرحية الأصلي-في اعداد نص الفيلم.
11/03/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته