الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أضحى بوتين عبئًا على النخبة الروسية؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 6 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لا محالة أن الهشاشة المتزايدة لقيادة بوتين وتعثراتها ستجعل النخبة الروسية أكثر انقسامًا وأكثر استقلالية ربما ، ولو أن هذا لا يعني أن الانقلاب عليه وارد في جدول الأعمال.
ظهر واقع سياسي جديد في روسيا نتيجة الاضطرابات الداخلية التي سببتها الحرب ضد أوكرانيا. وهذه ليست نقطة التحول الوحيدة في نظام بوتين: فهناك أمثلة أخرى منها ضم شبه جزيرة القرم في 2014 وتسميم زعيم المعارضة "أليكسي نافالني" في 2020 (1). ويبدو أن نظام بوتين احتضن جملة من القرارات التاريخية في أحشائه سابقا وبدأ يتحرك على ضوئها بالتدريج كلما نضجت. وعلى النقيض من ذلك ، فاجأت الحرب المعلنة ضد أكرانيا النخب الروسية ، وزاد الطين بلة بعجز بوتين عن وضع نهاية سريعة ومنتصرة لها ساهم ، بشكل جذري، في تغيير طبيعة وآفاق صيرورة السياسات الروسية الداخلية.
-----------------------
(1) "أليكسي أناتولييفيتش نافالني"، محام وناشط سياسي روسي. منذ 2009، اكتسب شهرة في روسيا، كناقد للفساد، ومعارض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهو زعيم حزب التحالف الشعبي. في 20 غشت 2020، وبينما كان يستقل طائرة من سيبيريا إلى موسكو، فقد وعيه واضطرت الطائرة للهبوط حيث نقل إلى مستشفى الطوارئ بمدينة "أومسك الروسية"، وتحدثت ناطقة باسمه عن شبهة تسمم تعرض لها. وأعلن مسؤول أميركي كبير أن "أجهزة الاستخبارات خلصت بثقة عالية إلى أن ضباطا في أجهزة الأمن الروسية استخدموا مادة سامة للأعصاب تعرف بـ "نوفيتشوك" لتسميم زعيم المعارضة الروسية.
-------------------------------

لأول مرة في عهده - الذي دام ربع قرن تقريبًا - اتخذ الرئيس قرارًا استراتيجيًا جذريًا بالكامل تقريبًا بمفرده. وبغض النظر عن مدى ولاء النخب الروسية ، وعن مدى استعدادهم لمشاركة منطق بوتين ، أو على الأقل للاستسلام له ، فإن هذا لا يغير حقيقة أن الحرب فرضت عليهم دون أي نقاش أو استعداد.
وبعد أن تلقت الصدمة، بدأت النخبة الروسية تدريجيًا في قبول الواقع الحال الجديد ، ومحاولة التكيف معه، والوعي بحتمية اليأس المطلق للوضع على صعيد الأمد الطويل. إن انتعاش دعم بوتين - الناجم جزئيًا عن الشعور بالظلم الحاد بفعل تعامل الغرب والضرر الحاصل للنظام المالي الروسي ، فسح المجال لليأس وعدم الفهم بشأن قدرة الدولة على العودة إلى المسار الصحيح. إن الطريقة التي تم بها اتخاذ القرار الجسيم حقًا - والذي استند على حسابات خاطئة وأخطاء في التقدير - لم تهز سلطة بوتين فحسب ؛ بل أثارت مخاوف عميقة ملحوظة حول كيفية تعامل الرئيس بوتين مستقبلا.
بإطلاق العنان للحرب ضد أكرانيا وعدم قدرته على الفوز بها في الأسابيع القليلة الأولى ووضع العالم أمام الأمر الواقع ، خيب بوتين آمال، سواء أولئك الذين رأوا أن هذه الحرب خطأ فادح أو أولئك الذين يعتقدون أن النظام لم يكن قاسياً أو حازماً بما فيه الكفاية. ويبدو أنه يوجد الآن إجماع غير معلن على الموقف مفاده إما كان يجب كسب الحرب على الفور باستخدام جميع الوسائل المتاحة ، أو عدم بدئها أصلا.
واليوم ، يبدو للكثيرين في دواليب السلطة أن بوتين قام بقضم ما لا يستطيع مضغه وبلعه ، ومن ثم لم يكن سديدا وحازمًا بما يكفي في رؤيته المهترئة. هكذا وجد الرئيس "بوتين" نفسه عالقا بين المطرقة والسندان من حيث لم يحتسب: إن إنهاء الحرب ليس خيارا - سيُنظر إليه على أنه هزيمة مفضوحة لروسيا- وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يحضر نفسه لإنهائها مرة واحدة وإلى الأبد.

هناك جدال حول مدى قدرة روسيا حقًا على إنهاء الحرب ، باستخدام الموارد المتاحة والقدرات العسكرية التي في حوزتها ، لكن وجب الأخذ في الحسبان الحالة النفسية والشعورية والمزاجية السائدة في صفوف النخبة ، وهذا من شأنه عدم تسهيل التضامن بين النخبة والرئيس، كما يساهم في تآكل قاعدة دعمه وهشاشتها بشكل متزايد.
علما أن احتمالات الانقلاب على "بوتين" منخفضة للغاية ولم يظهر أي مؤشر لها ، إن مشاعر عدم الجدوى واليأس تسير جنبًا إلى جنب مع حالة من الشلل السياسي في روسيا حاليا، فحتى من يفكر في نظرة بديلة للوضع (سواء لصالح السلام أو المزيد من الحرب) ، فإنهم يظلون عاجزين سياسيًا، لأن آليات اتخاذ إجراءات سياسية قد تم تدميرها في نظام "بوتين" السائد حاليا.

إن النخبة الروسية مشتتة، كل يخشى على مستقبله، ويعيش في خوف دائم من الإدانة والاتهام بالخيانة العظمى. وفي ظل هذا الوضع القاتم يظل " بوتين الضامن الوحيد للاستقرار" - على الرغم من اختفاء أي استقرار منذ فترة طويلة – وهذا لغياب آليات سياسية طبيعية لحل النزاعات في صفوف النخبة بروسيا.
فهناك جملة من المؤشرات تفيد أن روسيا، تحيى "وضعا ملغما كامنا"، فالأجهزة الأمنية - "سيلوفيكي" siloviki - - تخشى من انتقام الليبراليين. ويخشى "التكنوقراط الروس" موجة القمع الشرس. أما الشركات الكبرى، فتخشى إعادة "سوفييت"- the re-Sovietization- الاقتصاد. هذا في وقت، لا يزال الكثير من الروس يعتقدون أن "بوتين" وحده الآن القادر على حمايتهم من تلك المخاطر وتجنب الاضطرابات الاجتماعية أو الانقسامات الداخلية المدمرة.
لكل هذه الأسباب، يرى الكثير من المحللين، لا يمكن معالجة الشلل السياسي - الذي تعيشه اليوم روسيا – بالغضب المستطير الواسع، ولا بالعقوبات الغربية، ولا بافتعال أزمة مالية واقتصادية. ويذهب بعضهم إلى أبعد من هذا، إذ يعتقدون أن النتيجة المباشرة لهذه الإجراءات تمنع النخب ، التي تعتمد بشكل كبير على بوتين ، من الانخراط في السياسة فعليا.

إن تدهور القيادة السياسية للرئيس بوتين- أول ما تعنيه- تعني وجوب تغيير النخبة الروسية. إن سوء تقدير الرئيس للمخاطر التي تتعرض لها الصناعة والبنوك والطاقة الروسية ، وعدم الكفاءة في الشؤون المالية والاقتصادية - والتي تتكاثر بفعل انعدام الثقة في محيطه المقرب وفي الخبراء - قد يؤدي إلى قرارات متأخرة جدا وغير سليمة.
هناك أمر شبه أكيد اليوم، كاد أن يكون إجماع المحللين السياسيين والاقتصاديين عبر المعالم على القناعة القائلة بأن قيادة الدولة الروسية غير قادرة على التقييم المناسب والسديد لتداعيات الحرب وإدارة المخاطر بشكل فعال.

لقد خلق بوتين وضعاً لم يكن مستعداً له ولا يعرف اليوم كيفية التعامل معه ، في حين أن نظام القوة الروسي الذي بناه ، تم تشييده بطريقة تمنع صنع القرار أو اتخاذ قرارات فعالة بشكل جماعي ومتوازن.
في ظل كل هذه التحولات والمستجدات، يبدو أن النخب الروسية في حالة تخبط في سعيها لفهم وإدراك "طبيعة هذا الواقع الجديد". ويتطلب هذا التحول بعض الوقت، وذات الوقت إن الهشاشة المتزايدة لقيادة بوتين ستؤدي إلى زيادة الصراعات بين النخب ، مما سيساعدها لامحالة لتكون أكثر حزماً وإلحاحا في الدفاع عن مصالحها.

لكن ستظل هناك معضلة :
في هذا الوقت يتوجب على النظام الروسي القائم تعلم كيفية البقاء، بينما يتلاشى زعيمه القوي بفعل قراراته. وقد تم تطهير الساحة السياسية ، وأصبحت إمكانية البحث عن بديل "بوتين" تكاد تكون من المحرمات.
عموما يبدو أن الطريقة لمنع المجتمع الروسي من الانزلاق إلى الاضطرابات في خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، هو البحث عن وسائل لتقليل دور "بوتين" في صنع القرار على مستوى الدولة مع ضمان استمراره حاليا على الأقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام