الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب احياء العقل ، وخطاب قتل العقل / الفرق بين العقل الفلسفي ، وعقل البلاهة الديني الغوغائي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


1 ) يبدأ الخطاب الفلسفي في ممارسة التفكير ، عندما يدرك مغزى ، ودلالة هدفه ، وغايته داخل منعطف تاريخي حاسم . ففي المنعطفات التاريخية الكبرى ، تطرح ادق الإشكالات الإنسانية ، واعمقها علاقة بمصير الشعوب ، والنظم السياسية .
انها قاسية ذاكرة الزمن مع مَنْ ينساها ، او من يحاول تناسيها . لقد جرت في ماضي الشعوب ، فواجع ومآسي رهيبة ، ولا تزال تجري بطرق شتى .
فبالأمس ، ما كان الانسان يجرؤ على البوح بما يدل عليه : حريته ، كرامته ، وحقه الإنساني الطبيعي في ان يكون انسانا ، بعيدا عن اهانات فكر ، واخلاق الاستبداد السلطاني المرضي الجنوني ، ووصاية المرضى البسيكوباطيين الغير عاديين ، الغير سويّين ، المضطربين بسيكولوجيا ، والمتقمصين مرض السكيزوفرانية ، واجهة تعبر عن الضعف ، والجهالة الضاربة الاطناب ، وهي الحقيقة والواقع .. وواحدة تصطنع القوة والادوار ، لا خفاء الحقيقة الساطعة البيان ، للعيان .. فالحاكم ضعيف ، خاوي الوفاض ، الى ان يثبت العكس ، وقد تفجر بدون قياس .
اليوم يبدو واضحا ، انّ الخطر الذي يتهدد الانسان ، وايُّ انسان ، هو اعتقاده ان بلوغ مستوى " خلاصه " ، لن يتحقق الاّ بشرط وجودي مفاده ، التخلي عن انسانيته . أي عن حقه المشروع في ان يكون انسانا ، لا رعية عبدا ، يعيش في دولة مؤسسات تحاسب ، لا في دولة رعوية بطريركية ، محجوبة من المسائلة والحساب . أنا ربكم الأعلى فإيّاي فاعْبُدون .
2 ) بقدر ما يطالب الخطاب الفلسفي ، منذ نشأته ، والى يومنا هذا ، بضرورة فضح ، وتعرية الجذور الفكرية ، للثقافة البتريمونيالية ، البطريركية ، القروسطوية ، الثيوقراطية ، العاقر المُتكلّس ، والمدججة بالحقائق الجاهزة .. بقدر ما يسعى الخطاب التقليداني ، الغوغائي ، ضمن طقوس التقاليد المرعية ، الى تشويه ، وتحريف ، وإتلاف كل محاولة فكرية جريئة ، تحاول ان تلقي ببذرة الشك الهائلة ، في مستنقعات اليقين الآسن العفن ، ذي الرائحة الكريهة .. فعندما يحاكم الناس على تدوينة ، ضمن ممارسة الحق في التعبير ، تعرفون اية طينة ينتسب الذي يحكمكم.. وتعرفون ان ( العقل ) اللاّعقل الغوغاء ، وحده يحدد ، ويصنف ، ويرتب .. ضمن الحجر والماضوية . لا ضمن منطق التفكير ، والعقل ، والابداع والاجتهاد ..
في وضعية فكرية ، توتاليتارية ، مكبوتة ، ومريضة كهذه . ولا علاقة لها بالحضارة ، التي تعني السمو والإنسانية . تنقلب الأمور رأسا على عقب ، ويختلط الحابل بالنابل ، وتحاط بالأفكار الأشد صدقا ونبلا ، كثافة في الاحتياطات التي تصل حد توديعها طلبا للنجاة .. من هنا نفهم سيادة الفوضى ، وهيمنة البلبلة العارمة على الاذهان ، وطغيان اللغط ، واستبداد الثرثرة بشهوة الكلام ، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية ، على حاضر ومستقبل المواطن ، والوطن ..
وبداية الكارثة ، هي حين يتربع الخطاب الغوغائي الديني ، الذي يوظفه أصحاب الحق الإلهي ، ومعارضيهم المستعملين لنفس سلاح التّرْكيع ، واللّجم ، للسّطْو على الدولة . ومنها السطو على الثروة ، والجاه ، والنفود ، وامتلاك الجواري الحسان ، وما ملكت الايمان .. على عرش المعنى ، ومعلناً ان لا معنى للفلسفة ، سوى هدم ، وتخريب العقول .. فآمنوا بتشويهها ، وتصْغيرها في الكليات في الثمانينات . وليحل معها الفكر الغوغائي الإتّكالي ، الذي خرب عقول أجيال واجيال ..
نعم . هو خطاب غوغائي ، كل خطاب يعوزه الصدق ، في قول الحقيقة ألتي تناقضه وتخالفه . ويكفي ان يطلق الانسان ، طلاق الثلاث ، ما فيه من صدق ، وتقدير ، واحترام ، لنفسه وللآخرين ، كي يغدو " مايْسترو " في جوقة الغوغائيين . تكفيه الوقاحة كي يتكلم بخبث عن المعنى ، الذي وجد من اجله الفلاسفة ، وفلسفاتهم : معنى الفلسفة هو افلاس العقول ..
3 ) يقول الخبث الذي نعرف اهله جيدا . انْ لا معنى للفلسفة سوى الخراب . ويقول منطق الفلسفة ان الخراب ، خراب الادمغة والعقول ، آت من جهة العقول المدججة بغضبها ، وحقدها الدفين ، على صدق ، ونبل ، وجرأة الفلسفة والفلاسفة . يكفي ان يحلم المرء بإنسان مستقل ، بأفكاره ، وسلوكه . يكفي ان يدافع عن اخلاق يؤسسها الاحترام العظيم ، ضدا على اخلاق عصور الظلام ، رسميين او غُرمائهم ، الشعبويين ، الثيوقراطيين .. التي قننت علاقة الانسان بالإنسان ، في حدود ما تسمح به حقيقة الطاعة العمياء ، التي اصلها الاستبداد والطغيان .. أقول يكفي انْ تكون صاحب حلم جميل ، كي تحشر في زمرة الذين ينبغي الابتعاد عن وجودهم ، اتقاء لشرهم .. والواقع ان الخطاب الغوغائي في شكله الرسمي ، او في شكله الثيوقراطي الشعبوي ، ظل عبر العصور والازمنة التي عرفت تاريخ ميلاد الحقيقة الفلسفية ، يرى صورة الفلسفة ، مطابقة تماما لصورة الاثم الأول ، والتي تجسدها الروح التي زاغت عن الطريق الواحد والوحيد .. من هنا نستطيع ادراك ، مغزى ودلالة هذا الخوف المرضي المستفحل ، من حقيقة الفلسفة ، بله من الاسم الذي يدل عليها .. وإننا لا نزال نتذكر مذيع التلفزة المغربية ، وهو يتلو بيان النظام السلطاني عند منع المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1974 ، وما نجم عنه من مذبحة للفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، واغراق النشء في الدراسات الغوغائية المُكلسّة للعقل ..
ان المرضى بداء الخوف من الفلسفة بالأمس ، كما باليوم ، هم الذين يصابون بالقلق ، والغضب ، والعنف الانفعالي ، والدوران المرعب ، والارباك المزعج .. كلما تعلق الامر بخلخلة الأجوبة التي قدمت لنا عن الحكم ، وعن اصل النظم السياسية ، وتعريفها بالاسم ، وحول هذا الاشكال اللغز : ماذا يعني ان يكون الانسان اليوم وغدا انسانا ، وليس برعية ؟
عن هذا السؤال الاشكالي . لا يملك الخطاب الغوغائي الرسمي ، او الشعبوي الثيوقراطي ، الاّ جوابا واحدا : التسليم ، والركوع ، والانبطاح ( لأولي ) الامر ، وللفقيه الثيوقراطي ، المشعوذ المكبوت . أي لكي يكون الانسان انسانا اليوم معناه . ان يكون محبا وعاشقا لحكمة التمويه ، المموه سفاح الحقيقة ، والباحث المحنك عن اعدائها ، خارج فعله الذي يحصنه " بمطلق البراءة " التي لا ثقل في وزنها ، وعمقها عن وزن وبراءة ملاك ، هبط للتّوّ فوق كوكبنا ..
4 ) وهنا يكون مربط الخيل . فحيث اننا بشر .. وحيث اننا نحيا في ارض تدور .. وحيث لأرضنا جاذبية .. فنحن نحبو، ونخطو ، ونمشي ، ونجري .. لكن ليس بعيدا عن الارتطام / الصدام الذي لا بد منه ، وهو قادم . ولا عن التعثرات ، وياما اكثرها ، التي لا بد منها لكل من يريد ان يكون انسانا ، لا رعية عبدا .. ولا عن الهفوات التي تعترضنا في طريقنا ، نحو الفضح ، والتعرية ، ونحو الحقيقة التي تعنينا كثيرا .. اقصد حقيقة الاعتراف الإنساني المتواضع العظيم ، بان ما نبحث عنه يوجد بالضرورة امامنا ، وليس وراءنا . ولا هو في حيازتنا كما يزعم كل خطاب غوغائي رسمي بروتوكولي ، او شعبوي ثيوقراطي منافس .. لان الخطابين معا في ظلالة وجهالة ، ما بعدها ظلالة و جهالة في حقيقة الكون المزركشة ..
يكمن في اعتقادنا الصراع بين الحقيقة وبين الوهم .. بين العلم وبين الجهل .. بين الفلسفة وبين الغوغائية الدّجل :
فحيث يرى الفلاسفة حقيقة المعنى ، ( معنى الانسان في هذا الكون ) ، في صورة متموجة ، محكومة بدوام التوتر والهيجان / الثورة ، للمزيد من الحرية ، والكرامة ، والصدق ، والسخاء ، وعمق العواطف الإنسانية الأشد شرفا ونبلا .. يرى الغوغائيون ، الثيوقراطيون ، الطغاة ، الاستبداديون ، أصحاب العقل المتكلس ، المتخصص في إعادة انتاج الجمود ، والطقوس المصطنعة ، لديمومة الاذلال ، والعبودية.. من اجل الاستغلال ، ونهب ثروة الشعب ، وتهريبها الى خارج الوطن .. . حقيقة المعنى فقط في صورة ما يملكون ، بشكل يقيني جاهز في ادمغتهم المُكلّسة ، الجامدة ..
وبلغة أوضح . اذا كانت الفلسفة ترى في الانسان مشروع ممكن تحقيقه ، مرهون بمدى استعادته لإنسانيته ، بدل عيش وحياة الرعية ، والعبودية المذلة للإنسان ، والتي تقتل فيه انسانيته ، وتقتل قدرته على الإنتاج ، والاجتهاد .. خاصة عند تفكيك طقوس النظام ..اي لاستقلاليته الفكرية والأخلاقية ... ، فان الخطاب الغوغائي باسم الدين ، في حلته الفاشية والرجعية .. وأيّا كان مستعمله . الرسمي ، او الشعبوي الثيوقراطي .. لا يرى في صورة الانسان سوى ما يغريه كثيرا فيها : ضحالتها ، ذبولها الأصفر ، يبسها وبوارها التام ، صورة غروب ما بعده شروق ... يا للتعاسة ...
5 ) نحن اذن امام حكمتين . كل واحدة تحاول ان تخلق لنا صورة الانسان ، الذي ينبغي ان نحلم به فوق هذا الكوكب ، وهذه الأرض :
-- حكمة الفلسفة التي تقول ، وتردد منذ كانت : لا معنى يعرف الانسان ، خارج لغز انسانيته . أي خارج مطلق احترامه العظيم ، لنفسه وللآخرين .. وفي غياب تقدير ، واحترام إنسانية الانسان ، تنمو وتترعرع ، غابات الكوابيس المرعبة ، التي تزعجنا كثيرا في يقظتنا ، او في عمق ليالينا سيّان .
حكمة الفلسفة الخالدة : لا بديل عن حب الانسان ، سوى حب الندم المخرب لما في روحه من جدوى . لما فيها من حياة جديرة بالتقدير، تعكرها خرجات البوليس السياسي الفاشي ، حين يزور المحاضر البوليسية ، لرمي الناس في سجون السلطان ، وباسم السلطان الذي تصدر وتنفد الاحكام باسمه ..
وحكمة الخطاب الغوغائي السلطاني . الرسمي ، او منافسه الشعبوي ، الثيوقراطي ، الذي يتحين فرصة الانقضاض على النظام بعد رمي السلطان .. ومنذ كانت ، هي حقيقة القبر أوسع بكثير من حقيقة هذه الحياة .. فلا بد من التسليم ، ولا بد من الانبطاح ، والخضوع ، والركوع . لان الله هو من اصطفى لامته الحاكم السلطان ، والله من اصطفى لها من يجدد دينها ، بتعليمات ، واوامر من الثيوقراطيين الشعبويين .. لذا فليس بإنسان من لا يقنع نفسه بتفاهته ، وحقارته ، وضحالته .. وليس بإنسان من لا يجد مطلق حياته ، وعلة وجوده القصوى في الندم الأول .. وليس بإنسان من لا يتقن حقيقة التمويه ، ومن لا يرعاها حقا يقينا في روحه ..
6 ) ان صورة الفلسفة كما تتجلى في الخطاب الغوغائي ، وليس العقل ، لان العقل نور وليس جهلا ، متعددة . لكن ماهيتها تظل واحدة : محض زيغ عمّا إعتادته الأديان ، وجرت به العادة . والواقع ان في مثل هذا الحكم النمطي / الصورة ، عن الفلسفة . نصيب ومقدار من الصحة . فليس الاعتقاد بالحقيقة هو الحقيقة ، ولا الخضوع لطغيان سلطان العادة ، هو بداية ونهاية كل تفكير ممكن . يبدو لنا اليوم ، وهذه حسنة من حسنات فعل التفلسف ، ان لا شيء يضر ضررا بالغا بالعقل الذي نفكر به ، سوى وهم الاعتقاد الراسخ بملكية الحقيقة .
واخطر في مثل هذا الاعتقاد ، هو تدميره المطلق ، لإمكانيات العقل الهائلة ، بدءا بالشك ، والترجيح ، ونهاية بجرأة السؤال الذي يعفيه من مغبة السقوط ، في هاوية التماهي ذي الحب المرضي بحقيقة العقل الواحد ...
من جهة المعتاد والمألوف ، والشائع باسم الحفاظ على حقائقه " المقدسة " ، يأتي دائما شبح الخوف المرضي ، من حقائق التفكير الفلسفي . فيجرؤ كاتب هذه السطور على القول – وهو العارف بخطورة الاحكام العامة – انّ من اهم عيوب ذهنية الانسان العربي ، الموروثة عن عصور الانحطاط ، وعن العصور الوسطى ، عصور الحجر والوصاية السلطانية .. أقول انّ من اهم عيوب تلك الذهنية ، عيب التفكير المٌصطّح ، والضيق في عمق الأفكار المألوفة ، حد الاختناق . ذهنية بطريركية ، قرسطوية ، تقليدانية .. وليست محافظة .. تمتح معناه الواحد والوحيد من سلطة يقين واحد ، يمقت ، ويكره ، ويسخط بحقد واضح ، على كل انسان حر ، وليس عبدا رعية .. تجرأ على اعلان حقه الطبيعي جدا في الاختلاف معه . أي مع حنينه العارم لتوحيد كافة العقول ، واجبارها لتفكر مثله ، وضمن ضوابطه ، ومكبوتاته ، وامراضه المتنوعة ، والرضوخ التام لسطلته الطاغية ، الاستبدادية ، والمطلقة بحد لا يطاق .
وفي المشهد الثقافي والحضاري الذي تتشابه فيه الأفكار، والحقائق والعقول ، تشابه كتبان الرمل في الصحاري ، والفيافي القفار ، يبدو العقل الذي يحضن ذهنه الشك ، والسؤال في صورة طيش ، او زيغ ، او تيه .. يجب ادانته بأقصى العقوبات ، واشدها ضراوة على حياته ( سقراط . معبد الجهني . غيلان الدمشقي . الحلاج ...الخ ) ، و اللائحة مفتوحة على دوام ذات الفاجعة .
7 ) بخبث كبير ، وبروح استعلائية تشارف تخوم جنون الشعور بالعظمة ، يستهزئ ، ويحتقر الخطاب الغوغائي الرسمي ، والشعبوي الثيوقراطي منطق العقل ، والتفكير الفلسفي . فإذا كانت حكمة هذا الأخير ، ترعى وتحافظ على يقظة العقل ، فان حكمة الخطاب الغوغائي تُعْنَى كثيرا برعاية ، وحماية حقيقية البلاهة والغباء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا