الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة العزوف عن التصويت في الانتخابات الغربية .. ما دلالاتها؟

رضي السماك

2022 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات النيابية الفرنسية التي جرت مؤخراً أسوأ من الأولى من حيث عزوف نسبة كبيرة من الناخبين عن التصويت، فإذا كانت الجولة الأولي قد أسفرت عن (8 ‘52%) من عزوف الناخبين، فإن الجولة الثانية قد أسفرت عن (54% ) منهم ما يبعث القلق على مستقبل تطور النظام الديمقراطي لا فرنسا فحسب، بل والعالمي ، وذلك إذا ما علمنا بتكرر نتائج مقاربة لهذه النسبة في دول غربية عديدة ذات تقاليد عريقة في الممارسة الديمقراطية. فألى أي مدى يصح القول بأن تواتر مثل هذه النسب نحو أنخفاض نسبة المصوتين في نتائج الانتخابات التشريعية ما يصل إلى أقل من نصف الناخبين يشكل ظاهرة غربيةوعالمية؟وما هي دلالات هذه الظاهرة وأنعكاساتها على النظام الديمقراطي العالمي والغربي خصوصاً؟ هل يمكن القول بأنها ظاهرة عادية وستصححها آليات النظام الديمقراطي تلقائياً لتعاود النسبة إلى الارتفاع تدريجيا كما يذهب أساطين المدرسة الليبرالية الرأسمالية؟ وهم الذين يركنون لمقولة " ليس بالإمكان أفضل مما كان " ؟
والحال إذا ما أتفقنا مقدماً بأن النظام الديمقراطي العالمي لم يولد بشكله الراهن المنجز بشتى صيغه منذ قرنين ونيّف على قيام تجاربه الأولى، بل مر بمراحل من التطور، فذلك يعني لما يصل بعد إلى درجة أدنى مقبولة من الكمال، وهنا يطل السؤال المشروع: إلى متى ستظل مثل هذه الثغرات الخطيرة تعتوره بلا تصحيح؟ إذ لا يمكن اعتبار عزوف نسبة كبيرة من الناخبين عن التصويت منذ عقود طويلة تصل إلى أقل من نصف أعدادهم، أو تقارب النصف -في أحسن الفروض- مسألة عادية تعطي البرلمانات شرعية تفويضية كاملة لتمثيل شعوبها بأسرها، ولتصك قرارات خطيرة تمس مصائرها، ليس في اُمور السلم والحرب فحسب، بل وفي قوتها اليومي. ثمة خلل إذن يعيب النظام الديمقراطي العالمي يستوجب التصحيح ، لتفادي مراكمته طويلا، ودون ذلك يستحيل ضبط الصراعات الطبقية والاجتماعية، وبخاصة في أوقات أحتدامها، وبدون هذا التصحيح لا يعتبر نواب برلمانات كهذه قد فازوا بجدارة؛ نظراً لاستفادتهم من غياب المنافسات الحقيقية جراء عزوف نسبة كبيرة من الناخبين والمرشحين على السواء ، ومن ثم لا تُعد مثل هذه يُعد البرلمانات شرعية بمعنى الكلمة،ولتقرر يقرر كما يحلو لها التحدث بإسم شعوبها وفق إرادة أقلية نيابية تمثلها !
ومع أنه ليس كل الممتنعين عن التصويت بالضرورة هم أصحاب موقف من العملية الانتخابية والنظام الديمقراطي القائم، إذ بينهم اللامبالون بالمشاركة السياسية برمتها،ناهيك عن الكسالى وأصحاب الظروف الطارئة التي تحول دون وصولهم إلى مراكز الاقتراع، لكن الممتنعين جراء احباطهم من جدوى الانتخاب-كوسيلة للتغيير والإصلاح- إنما يشكلون -بلا ريب- في الأنظمة الديمقراطية الغربيةالشطر الأعظم منهم .
وإذا كان من اللافت أن ذلك العزوف عن التصويت تعرفه الدول الديمقراطية الغربية منذ زمن طويل فإنه من الملاحظ غالباً ما يحدث بالتوازي مع أنفجارات طبقية اجتماعية، كما حدث ويحدث في فرنسا نفسها مهد الديمقراطية والقيم الليبرالية في العالم، وكان أخطرها أحتجاجات ذوي الستر الصفراء ، وكذلك كما شاهدنا في الولايات المتحدة وبريطانيا بين الفينة والاخرى . وإذا كان كل ذلك يحدث في دول غربية جميعها ذات دساتير ديمقراطية عريقة، وتملك مؤسسات مجتمع مدني عريقة أيضاً، وكذلك تعددية حزبية، وصحف حرة، وحريات عامة، وفصل حقيقي بين السلطات الثلاث إلخ، ومع ذلك فإن مؤسسات النظام الديمقراطي القائم فيها وآلياته لا تفي بطموحات الجماهير ومطالبها الآنية ، وإلا فما حاجتها للتظاهر إذا ما كان النظام الدينقراطي يلبي مطالبها ووفق السرعة المنشودة، لكن هذا ما لا يلتفت إليه المعنيون بالعملية التشريعية في مختلف مؤسسات النظام الديمقراطي الرأسمالي بغرض تطويره على الدوام، وبضمنها المؤسسات التشريعية والقضائية المعنية بتطوير الدساتير .
ولئن كان ما تقدم يصح في الدول الديمقراطية العريقة، فمن باب أولى أن يصح في دول العالم النامية، وبضمنها دولنا العربية ذات البرلمانات العرجاء المنتخبة، والتي لطالما تعرضت لانتكاسات أو تعطيل بأمر حكامها، أوليس المفترض بأن تكون أكثر حرصاً على تطوير أنظمتها الديمقراطية لا تضييقها؟ ذلك لأنها ببساطة ما فتئت الأكثر عرضةً للأنفجارات الاجتماعية؟ لكن وكما قال الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حياً/ ولكن لا حياة لمن تنادي !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بودكاست تك كاست | شريحة دماغ NeuroPace تفوق نيورالينك و Sync


.. عبر الخريطة التفاعلية.. كتائب القسام تنفذ عملا عسكريا مركبا




.. القناة الـ14 الإسرائيلية: الهجمات الصاروخية على بئر السبع تع


.. برلمانية بريطانية تعارض تسليح بلادها إسرائيل




.. سقوط صواريخ على مستوطنة كريات شمونة أطلقت من جنوب لبنان