الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الشعر فعلاً في أزمة دائمة؟!

طارق حربي

2022 / 6 / 21
الادب والفن


هل الشعر فعلاً في أزمة دائمة؟!
يعاني العالم العربي من مجموعة أزمات!
هنالك أزمة كبرى في غياب الديمقراطية، في الاقتصاد وبنية المجتمع العربي المبتلي بالأمّية، خلل في بناء المؤسسات والهوية الوطنية، غياب مشروعات التحديث، أزمة سكن وأزمة مرور وتخطيط وإحصاء وغيرها كثير، وبعد كل أزمة سياسية تعصف بالعالم المذكور، تنطلق دعاوى موت الشعر أو أزمة الشعر أو موت الشاعر وتراجع الشعر إلى آخره.
معلوم أن الذي صنع الأزمات في العالم العربي هي أنظمته المستبدة، وساهم ضيق المساحة التي تتحرك فيها الثقافة العربية، في اتساع الهوة بين الشاعر والمتلقي، بل وكل أنواع التبادل الثقافي عدا الخطاب الرسمي، وفي ضوء هذه الأزمات يُعتبر الشعر كذلك في أزمة دائمة! في الحقيقة لا توجد حداثة في الأنظمة ولا في المؤسسات - إن وجدت - التي تنظم العلاقة مع مواطنيها، لكن في مشروع الحداثة الشعرية العربية، فتقدم الشعر خطوات ليخلق له عالم الحلم بعدما كفَّ عن تأدية وظيفته في الحياة العامة، وأصبحتْ قصيدة النثر كمشروع تأويلي أبرز ما وصلت إليه الحداثة العربية في عصرنا.
لعل الأميَّة المنتشرة في العالم العربي أحد اسباب فقدان الشعر لجمهوره التقليدي أي سلطته، الذي تربى على موسيقى الشعر بعدما حمل العمود لغة التعبير السائدة، فحمل بذلك تاريخاً كاملاً من الحياة العربية الفكرية، ما يمكن توصيفه في عصرنا بالإعلام.
طرح الشعر منذ أكثر من خمسين عاماً الكثير من الأسئلة ..
على السياسة والحياة والوجود والحب وغيرها، وكفَّ أن يكون إعلاماً، وأخذ يتمثل النفس البشرية في أعماقها ومكنوناتها، اشتغل على تنمية الحس الجمالي بالأشياء والعالم، وأخذ اللغة إلى المناطق البكر والقصية في الوعي الإنساني، انزياحاً وانحرافاً عن سطح اللغة وعمقها، لإضفاء المزيد من التوتر والتشتيت بين الأشطر عبر الفضاء الصوتي للغة، باعتبارها حقلاً من الرموز والعلامات، وما زاده غنى هو تداخل الفنون الأخرى مع الشعر، الذي انفتح على المعرفة من خلال قصيدة النثر، فتمثلها وأعاد انتاجها وخضع لتأويلاتها.
تُكتب قصيدة التفعيلة في عصرنا وقصيدة النثر، وربما تتعالى أصوات هنا وهناك بالعودة إلى العمود، كما تنبأت نازل الملائكة بالعودة إلى عمود الشعر في الستينيّات من القرن الماضي، وكانت قصيدة النثر تتلمس طريقها عبر مجلة شعر بعد الاطلاع على الشعريّات العالمية، وإذا كان مصطلح (زمن الرواية) يجد له رصيداً في أرض الواقع، والرواية بنت المدينة وتستلهم الحضارة والفنون ومنجزات العصور، فذلك لايعني أن الشعر أخلى مواقعه وانهزم، فهو ما يزال صوت المنابع الأولى في الأعماق الانسانية.
إن موت الشعر أو قصوره عن التوصيل بعد مزاحمة الفنون الأخرى له، ودخول الصورة في المجال الحيوي للحياة الإنسانية، وإطلاق حزم من الطاقة المعرفية في فضاء الكتابة الإبداعية، وتغير الصورة النمطية لكل من السماع العربي والذائقة، كل ذلك يثير جملة من التساؤلات حول تراجع الشعر وتقهقره. لكن الشعر في عصوره وقبل تَسيُّد الصورة والإلكترون، مَرَّ كذلك بعصور البخار والميكانيك والثورة الصناعية والحروب الكونية، مع ذلك بقيتْ منابع الشعرية واحدة طالما بقي المبدع نفسه، ولم يقضِ على أحلامه تبدل الأزمنة وصعود حظوظ المخترعات والمكتشفات، فيما استمر قلق الشاعر الإبداعي وليس المُرضيّ، بمعنى البحث الدائم عن الجمال وتخليق الرؤيا.
إن انطلاق لغة الشعر من اللاوعي والمجاز، الايقاعات الداخلية وتعدد المستويات اللغوية داخل الخطاب الشعري، التمثلات الجمالية في المفارقات الاستعارية والتوتر البنائي والترميز والكنايات وغيرها، ما يحرره من مقولة موت الشعر. ولم يجدد روح الشعر سوى آبائه الحداثيين، الذين قتلوا آباءهم بدم بارد لكي يبقوا على روح التجديد مستمرة عبر العصور، فالشعر ينوجد بوجود منابع الشعرية وهي الإنسان، وكانت أطلقتْ دعاوى عبر التاريخ قالتْ بموت الشعر أو عجزه، لكن نهوضه العنقاوي من رماد العصور أكد أهميته للحياة وجمالها وتذوقها والعيش فيها.
إذا كانت الصورة وطرق إيصالها الفريدة وهي بنت حداثتنا وعصرنا، قد أوجزت الأحداث (العربية مثلا) ونقلتها بدقة وسرعة، فإن ذلك لا يعني بالمرة انتكاسة الشعر وانكفاء الروح الإنسانية المبدعة، إذا ما قدم رؤيا جديدة للعالم بشتى الأشكال والايقاعات، ونفر من الآيديولوجيات التي صنَّمتْ عدداً من الشعراء العرب، وأبعدت المؤسسات أجيال التجديد والمغامرة والشباب.
أقرأ عمر الخيّام (جئت من الماء وأذهب مع الريح) وأتلمس صدى في انزياح هذا الشطر الشعري، يكتبه شاعر حداثي ويعيد صياغته وتشكيله وفق ثقافته وموهبته، فتكون السلسلة متصلة بين الماضي والحاضر بما يُعلي دور الشعر، وقيمته المعنوية والجمالية في الحياة الإنسانية..
لا يهمني كثيراً أن يكون الشعر قصيدة نثر أو تفعيلة أو عمود، بقدر ما تهمني حداثة النص واستلهامه لعصره وتعبيره عنه وخلقه لمعجزته الإبداعية، ما يعيد إلى الأذهان – في الحكم على النص - ضروب ابن قتيبه الأربعة في جودة الشعر، التي ما تزال تستخدم حتى اليوم في توصيف أزمة الشعر.
بقي محمود درويش إلى آخر حياته يكتب دواوينه الشعرية على بحر الكامل والرجز والمتقارب وغيرها، لكن بروح حداثية مستلهما كل تقنيات عصره، ذائبة بأداء كورالي مبهر، ما يجعل الموسيقى تصدح في أناشيد نرى فيها صورتنا عالية في المدارات، إن مثل هذا الشعر لن يموت ولن يتقهقر أمام شاشة الكومبيوتر، وكذلك أدونيس – لا أقصد فينيقياته التي تتماشى مع الخطاب العروبي - لكن قصائده النثرية المحتفية بالحياة والجمال والطبيعة والمرأة، ومثلهما الماغوط وعيسى مخلوف ووديع سعادة وسواهم من شعراء الحداثة العربية.
ربما يكون الشعر تخلى أو فقدَ بعض مواقعه، فهو في أزمة وقلق وصيرورة دائمة! وحلتِ الصورةُ ووسائل الاتصال محل اللغة، لكن هل تستطيع الصورة بواقعيتها الذهاب إلى أبعد من الخيال الإنساني، وهل ستغير علاقتنا بالشعر وتكون هي ومنجزاتها وتقنياتها، تعويضاً عن تمثيل الصوت القادم من أعماق الإنسان وشاعريته وارتسامات أحلامه!؟
لاأعتقد ذلك
www.tarikharbi.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل